مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 03/04/2002, 05:50 AM
طالب العلم طالب العلم غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 11/10/2001
المكان: الامارات - دبي - ديره
مشاركات: 277
قال تعالى: " وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون "

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن من أعظم نعم الله عز وجل على العباد أن فتح باب التوبة، وجعله فجراً جديداً تبدأ معه رحلة العودة بقلوب منكسرة، ودموع منسكبة، وجباه خاضعة. قال الله جل وعلا: " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [سورة النور:49]. وقال الله عز وجل: " إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [سورة البقرة: 222]. وقال تعالى حاثاً على التوبة والرجوع والأوبة: " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [سورة النور:31].

وصح عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم أنه قال: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها ".

ونبي الرحمة الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: " يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة " [رواه مسلم].

وفضل الله عز وجل على التائب العائد عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " [رواه ابن ماجه والطبراني].

فجد - أيها المسلم - في التوبة وسارع إليها، فليس للعبد مستراح إلا تحت شجرة طوبي، ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد، وهُب من الغفلة، واعلم أن خير أيامك يوم العودة إلى الله عز وجل، فاصدق في ذلك السير وليهنك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " الله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح " [رواه مسلم].

قال يحي بن معاذ - رضي الله عنه -: " من أعظم الاغترار عندي: التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط، ومن أحب الجنة انقطع عن الشهوات، ومن خاف النار انصرف عن السيئات " .

وقال الحسن البصري: " إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل ".

وقال رحمه الله: " إن المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمنين قومٌ أوثقهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا، ويسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه ".

فحري بالمسلم خلال هذه الأيم وهذه الظروف وهذه الفتن، أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة ومراجعة، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والإنسان لا يخلو من حالين، فإن كان محسناً ازداد إحساناً، وإن كان مقصراً ندم وتاب، قال الله تعالى: " أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ " [سورة الحشر:18].

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ".

اللهم أطل أعمارنا، ومد آجالنا في حسن طاعتك والبعد عن معصيتك واجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله، يا أرحم الراحمين إنك ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضافة رد مع اقتباس