زيدان والحمادي وماجد وسامي .. ومن أيضا ؟
عندما شاهدت كيف تعامل الإعلام الفرنسي مع زين الدين زيدان ، وأن كل الصحف أعلنت أن ما قام به زيدان خطأ ، ومع هذا لم يمح الإعلام تاريخ زيدان المشرف ، وكتب كل الإعلام "شكرا زيدان .. شكرا على كل شيء" ، لأنها تعرف أن زيدان إنسان وإن أصاب كثيرا ، وإن فعل الكثير لفرنسا ؛ لا بد أن يخطئ ، وليس من العدل محو تاريخه لخطأ واحد .
فخرج زيدان ليعتذر ، ووجه اعتذاره للأطفال أولا ، لأنه قدوتهم ، وأكد لهم أن ما قام به أمر سيئ وعليهم ألا يفعلوا مثله ، ثم اعتذر للمربين والآباء لأنه خذلهم وتصرف هذا التصرف السيئ ، فيما هم كانوا يطالبون النشء بأن يكون زيدان قدوتهم .
لم ينكر ولم يدع أنه بريء ، ولا هو لعب دور الضحية المسكينة التي من المفترض ألا يحاسبها أحد ، لأنه يملك وعيا ، يملك مجتمعا لا يحمل السكاكين ليقتل بها أبناءه ، أو يتبرأ منه وينفيه ويزعم أنه سوداني أو يماني ولا ينتمي لشعب الله المختار .
قلت : عندما شاهدت كيف تعامل الإعلام الفرنسي مع زيدان ، جرني عقلي لمقارنة بيننا وبينهم ، أعني بين إعلامنا وإعلامهم ، لعب ماجد عبدالله واعتزل وكان جزء من الإعلام يشكك بموهبته ، هناك من كان يقول : إن أهدافه كلها حظ ، بل كان يهاجم وتلفق التهم عليه لتشويه نجوميته ، وكانت خطيئته الوحيدة أن هذا الإعلام لا يحبه .
جابه سامي الجابر طوال حياته حربا عنيفة من جزء من الإعلام ، وشكك به ، واتهم ، ووصف بأنه بطل من ورق صنعته الصحافة ، وكل مرة يحصد إنجازا يشكك بهذا الإنجاز ويتم تشويهه ، حتى الإشادة التي تأتي من الخارج يزورون شيكات ليثبتوا أنه رشا الآخر ليمدحه ، وكانت خطيئته الوحيدة أنه لا يروق لهم .
وبواسطة هذا الإعلام أصبح التعصب الجماهيري أكبر وأشد عنفا ، لدرجة أنك حين تطرح رأيا مغايرا تلفق عليك كل التهم ، وأصبحت أنديتنا شعوبا وقبائل لا لتتعارف ، بل لتتناحر .
هل هذا موجود في الإعلام الرياضي فقط ، أم هي الرياضة مرآة للمجتمع ؟
خرج صالح الحمادي على الهواء الطلق يقول : "إن كارلوس بريرا بالنسبة للانضباط الخططي حنبلي" ، فشنت حرب عليه ، وشككوا في أخلاقه وعقيدته وعقله ، وسفه به ، ولكن هذه المرة ليس من الإعلام الرياضي فقط ، بل من أشخاص يمكن تسميتهم مربي أجيال ، وجدوا مساحة في الإعلام ليمارسوا عنفا لفظيا على الحمادي .
فأستاذ التربية الإسلامية في جامعة الملك فهد للبترول مسفر القحطاني هدد الحمادي أنه سيتم مطاردته نظاميا وقضائيا ، وأن كلمته هذه قد تهوي به في جهنم سبعين خريفا .
وصف الشيخ سلطان العويد والدكتور الكوهجي الحمادي بأبشع الأوصاف ، وطالبا بمقاضاته ، هكذا بكل هدوء نهشوا إنسانيته ، لأنه قال : "إن كارلوس حنبلي كمدرب" ، أي هو أكثر التزاما في تطبيق طريقة اللعب ، وكلمة "حنبلي" يستعملها العامة وأصبحت مثلا يطلق على من هو أكثر انضباطية ، فحين يذهب شخص ما لم تكتمل أوراقه لموظف ، فيصر الموظف على أن يلتزم هذا الشخص بالنظام بحذافيره ، فيقال له " يا أخي مشيها ، لا تصير حنبلي" .
أحيانا أقول : لا يمكن لمجتمع أن يتقدم وهو يُعلم أبناءه الكراهية لهذه الدرجة ، ويمارس العنف معهم لهذه الدرجة ، وينهش إنسانيتهم لهذه الدرجة ، ويهددهم بالنار وبؤس المصير لكلمة .
قبل أن أترككم .. تخيلوا ما الذي كان سيحدث هنا لو أن ما قام به زيدان ، قام به ماجد أو سامي أو نور أو حسين .. ومن أيضا ؟
أرأيتم كم هو الأمر مرعب ومخيف .