مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #2  
قديم 28/03/2002, 03:46 PM
السلطانة السلطانة غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/12/2001
المكان: جدة
مشاركات: 2,219
العالم

الله يعلم كل شيء حتى عدد حبات الرمال وقطرات مياه البحار وما تخفي الصدور وهو تعالى محيط بالماضي والحال والمستقبل فيعلم ما حدث وما هو كائن ويعلم ما سيكون لا يعتريه لسان ولا يسهو عن شيء لا فرق في علمه بين الجلي الواضح والغامض الخفي.
وليس علمه مسبوقاً بالجهل ولا ملحوقاً بالنسيان فهو عالم بكل شيء منذ كان ولا يزال عالماً إلى الأبد.
يعلم كل لفظ وحركة شفاه ووجيب قلب واختلاج جارحة واستماع مسموع وتذوق طعم ولمس ملموس ونظر عين.
ويدل على علمه انه صنع الأشياء المتقنة وأبدع المخلوقات الجميلة مما لا يتم إلا بعلم ولا يمكن أن يصنع إلا بدرايته.
إن باني الدار الجميلة لا يكون إلا مهندساً عليماً بالبناء وصانع الماكنة المحكمة لا يكون إلا عالماً بالفصل والتركيب ومركب أجزاء الدواء لا يكون إلا صيدلياً خبيراً.
فكيف يمكن أن يكون صانع الإنسان بهذا الإتقان المدهش والحيوان بهذه الكيفية المحيرة وسائر المصنوعات بهذه الهيئات العجيبة جاهلاً.
كلا! لا يكون ذلك.
يقول القرآن الكريم ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمســــة إلا هو سادسهم ولا أدنــــى من ذلـــك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم (1).
وقال تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير(2).
وقال سبحانه وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار (3).
وقال عزوجل وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين(4).
وقال تعالى الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار(5).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام يعلم بعجيج الوحوش في الفلوات ومعاصي العباد في الخلوات واختلاف النيات الحيتان في البحار الغامرات وتلاطم الماء بالرياح العاصفات (6).
وقال أبو حازم للإمام الصادق عليه السلام أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله تعالى.
فقال عليه السلام بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض(7).
وقال الإمام الرضا عليه السلام… لم يزل الله عزوجل علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها فتبارك ربنا وتعالى علواً كبيراً خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء كذلك لم يزل ربنا عليماً سميعاً بصيراً (8).

السميع البصير

لا يتجاذب الناس أطراف حديث إلا ويسمع الله تعالى كلام كل واحد منهما قبل أن يسمعه الآخر ولا يلفظ أحد لفظاً إلا ويسمعه الله ولو كان اللافظ وحده في أعماق الأرض أو أجواء السماء.
ولا يحف شجر ولا يغرد طير ولا يصر باب ولا يضرب طبل ولا يفرقع رعد إلا والله سبحانه يسمع وإن لم يسمعه أحد.
بل وإن كان الصوت من الضعف بحيث لا يتمكن أحد سماعه.
والله يبصر كل دقيق وجليل وقبيح وجميل وكل حركة وسكون يبصر ما في الظلمات. كما يبصر ما في النور ويبصر ما في الغيب كما يبصر ما في الشهادة.
فهو بصير بكل مبصر وناظر إلى كل منظور.
يسع سمعه الأصوات.
ويشمل بصره كل مبصر.
يقول القرآن الحكيم أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون (9).
وقال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (10).
وقال سبحانه لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً (11).
وقال عزوجل له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع مالهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا (12).
وقال تعالى وأعلموا أن الله بما تعملون بصير (13).
وقال الإمام الرضا عليه السلام لم يزل الله عز وجل عالماً قادراً حياً قديماً سميعاً بصيراً بذاته (14).
وهناك فرق بين كون الله سميعاً بصيراً وبين كون الإنسان والحيوان كذلك.
إن الله سميع ولكن لا بأذن وجارحة وبصير ولكن لا بعين ومقلة فهو يسمع الأشياء بذاته ويبصر الأشياء بذاته.
انه لو كان يسمع بإذن كآذاننا أو يبصر بعين كعيوننا لكان محتاجاً إلى ذينك. العضوين والله ليس بمحتاج.
ولكان مركباً من أجزاء والله ليس بمركب.
بل هو بسيط لا جزء له.
قال أبان للإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أخبرني عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بصيراً عليماً قادراً
قال عليه السلام نعم.
فقلت له إن رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول إن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بسمع وبصيراً ببصر وعليماً بعلم وقادراً بقدرة؟
قال فغضب عليه السلام ثم قال من قال ذلك ودان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شيء إن الله تبارك وتعالى ذات علامة سميعة بصيرة قادرة (15).
وقال عليه السلام هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه (16).

القادر

هل رأيت الشمس صباحاً من مشرقها ثم تغرب مساءً في مغربها؟
هل رأيت النبات ينمو رويداً رويداً حتى يثمر ويزهر ويخضر ثم يصفر؟
هل رأيت الأمواج تتلاطم وتمور وتسير وتدور؟
هل رأيت الحيوان ينعقد نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحماً وعظماً ثم يولد ذا عين؟ بصير وأذن سميع ولسان ناطق وقلب خافق وقامة معتدلة وصفات مؤتلفة ومختلفة
هل رأيت الإنسان بأصنافه والمعادن بأقسامه والأنهار الجارية والأسماك السابحة والنجوم الزاهرة والسحاب المثار والبرق اللامع والرعد القاصف؟
هل رأيت الطائرة تطير والقاطرة تسير والباخرة تمخر والسيارة تنهب الأرض وتطوي الأبعاد؟
كل ذلك بقدرة الله إن القدرة تضم بين جوانحها كل ما في الكون وتلف في ثناياها كل موجود.
بل تسع غير الموجود فالله قادر على أن يخلق ويخلق ويصنع ويصنع فلا تحتكر الموجودات قدرته ولا تضيق المخلوقات سعته.
إن سيارة صغيرة تدل على قدرة صانعها وباخرة ضئيلة تدل على أن مخترعها قدير فكيف لا يدل هذا الوجود الرحب والكون الفسيح على قدرة خالقه العظيم!
ويلمح القرآن الحكيم إلى قدرة الله تعالى:
قال سبحانه قال إعلم إن الله على كل شيء قدير (17).
وقال تعالى وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً (18).
وقال عزوجل وكان الله على كل شيء مقتدراً (19).
وقال تعالى إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً (20).
وقال الإمام الصادق عليه السلام من شبه الله بخلقه فهو مشرك ومن أنكر قدرته فهو كافر(21).
وقــال أبو جعفـــر البــاقـــر عليه السلام إن الله عزوجل لا يوصــف بعجز وكيف يوصف وقد قال في كتابه وما قدروا الله حق قدره(22).
فلا يوصف بقدرة إلا كان أعظم من ذلك(23).
والقدرة كما نرى المقدورات واسعة المجال تشمل الميكروب الصغير الذي تجمع ستة ملايين منه قطرة ماء كما يقوله العلم الحديث كما تشمل الشمس المشرقة التي هي أضعاف أضعاف الأرض.
فحدها لا يقف ونطاقها لا يضيق وإمكانياتها غير محدودة.
وليس معنى ذلك أن تخرج القدرة على منطقها المعقول حتى يقول قائل إن اجتماع الوجود والعدم في آن واحد غير مقدور.
ما أبدع جواب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين قال له قائل.
هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟
فقال عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون (24).
فإن المحال غير قابل كما أن الإناء الصغير غير قابل لأن تأخذ أكثر من فضائه.

الحكيم

الحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها فلا يعمل على خلاف المصلحة.
والله سبحانه يعمل بالحكمة فلا يرتجل العمل بدون صلاح ولا يخلق بدون إتقان ولا يفعل بدون مراعاة الجهات.
الحكمة هي كنطاق لسائر الصفات فالقدرة لولا الحكمة أكثر في الخلق والعقاب لولاها أكثر في النزع والرزق لولاها أكثر في الهطول والتراب لولاها توسع على غير مدى.
لكن الحكمة هي المحددة لمقادير الصفات وموازين الخلق والرزق.
ومن الحكمة جعل الأشياء رهين الأسباب فالشجر لا ينمو في عشية أو ضحاها ويبلغ حد الكمال والنطفة لا تتكون في الهواء والولد لا يكون عالماً سوياً في ساعات فكل يجري حسب الميزان وإلا فالقدرة عامة تتمكن من الإبداع الآني.
إنا وإن لم نعرف كثيراً من الحِكَم وربما اعترانا الشك في شيء من الكون لكن إلقاء نظرة ثاقبة في بعض الخلق كاف للإذعان بالحكمة.
ولهذا يجب أن نعترف بالصلاح في كل شيء وإن لم ندرك وجه المصلحة وجهلنا الحكمة المخصصة.
إن من ينظر إلى الطائرة فيرى معظم أجهزتها وكثيراً من أدواتها وآلاتها ركّبت تركيب علم وصلاح ثم لم يعرف وجه الحكمة في شيء من التركيب يجدر به أن يضع النقص على إدراكه لا على الطائرة.
ويشير القرآن الكريم إلى كونه تعالى حكيماً قال تعالى كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (25).
وقال سبحانه وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم (26).
وقال عزوجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (27).
ويشير إلى كونه في أعماله حكيماً.
بقوله سبحانه ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم (28).
وقوله تعالى يس والقرآن الحكيم (29).
وقد استعرض الإمام الصادق عليه السلام في الحديث المشهور بتوحيد المفضل(30) طرفاً من آثار الحكمة وهي طويلة ممتعة نذكر منها مقتطفاً.
قال عليه السلام نبتدأ يا مفضل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به فأول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذائه ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذائه حتى إذا أكمل خلقه واستحكم بدنه وقوى أديمه على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج وأعنفه حتى يولد، وإذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثدييها فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ وحرك شفتيه طلباً للرضاع فهو يجد ثدي أمه كالأدواتين المعلقتين لحاجته إليه فلا يزال يتغذى باللبن ما دام رطب البدن دقيق الأمعاء لين الأعضاء. حتى إذا تحرك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد ويقوي بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ليمضغ به الطعام(31).

المريد

إن الإرادة تقابلها الإلجاء.
فالنار تحرق لكن الحرق ليس بإرادتها.
والإنسان يمشي ومشيه بإرادته.
إن الله عز وجل يفعل الأشياء عن إرادة فهو يريد خلق الإنسان فيخلق ويريد شفاء شخص فيشفي ويريد نمو النبات فينمو.
فيصوغ الكائنات في قوالبها التي يريدها وفي الوقت الذي يريده وفي المكان الذي يريده لا ينازعه في ذلك منازع ولا يلجئه إلى ذلك ملجئ.
وقد كان من حقه تعالى أن يجعل الذكر أنثى أو يجعل الصحيح مريضاً.
ومن حقه أن يخلق الذي خلقه في هذا الزمان في زمان غابر أو زمان مستقبل.
ومن حقه أن يكون المخلوق الذي كوّنه هنا هناك.
فجعل المخلوق في قالب دون قالب.
وخلقه في مكان دون آخر.
وتكوينه في زمان دون زمان دليل على إرادته الشاملة التي تفيض على الأشياء فيصوغها في صيغها التي يشاء ويلبسها لباسها الذي يريد.
وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذه الحقيقة:
قال تعالى إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً (32).
وقال سبحانه ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز (33).
وقال عزوجل إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (34).
وقال تعالـــى قل من ذا الــذي يعصمكم من الله إن أراد بـــكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً(35).
وقال الإمام الصادق عليه السلام خلق الأشياء بالمشية (36).
وقال له عليه السلام رجل لم يزل الله تعالى مريداً فقال عليه السلام إن المريد لا يكون إلا المراد معه لم يزل عالماً قادراً ثم أراد(37).
والله كما يريد الخلق فيخلق والصنع فيصنع.
كذلك يريد العمل الحسن من عباده ويكره العمل السيئ منهم.
يقول القرآن الحكيم يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (38).
وقال تعالى كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً (39).
وقال الإمام الرضا عليه السلام فإرادة الله تعالى ومشيئته فيها أي في الطاعات الأمر بها والرضا لها والمعاونة عليها وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها.
قال السائل فللّه عزوجل فيها قضاء؟
قال عليه السلام نعم ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قضاء.
قال السائل ما معنى هذا القضاء؟
قال عليه السلام الحكم عليهم بما يستحقون من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة (40).
اضافة رد مع اقتباس