وصف ليوم القيامه .. من شعر العشماوي وقفت جميــــع مشاعري تتأمــل *** وفمي عن النطق المبين معطل
ما كنت في حلم ولا في يقظــــة *** بل كــنت بــين يـــديهما أتــململ
أرنــو إلى الأفق البعيد فمــا أرى *** إلا دخـــــــــــانا تـــــائهـا يـــتجول
وحشود أســــئلة تجــــر ذيــولها *** نــحوي وباب الذهن عنــها مقفل
أحسســت أن إرادتـي مسلــوبة*** وشــعرت أن مـــخاوفـي تتـرهـل
وشعرت أني في القيامة واقــف*** والناس في ساحاتها قد هـرولـوا
يســعون كالموج العنيف عيونهم *** مشـــــدوهـة وعقولهـم لا تعقـل
والكون من حولي ضجيج مرعب *** والأرض مـن حـولي امتداد مذهل
قد أخـــرجت أثقــــالها وتأهبـت *** للحـــــشر وانكسر الرتاج المقفـل
والناس أمثال الفراش تقاطــروا *** مـــن كــل صــوب هاهنا وتـــكتلـوا
كل الــجبال تــحولت من حولهم *** عنهـا وكـــل الـــشامـــخـات تزلـزل
وجميع من حولي بما في نفسهم *** لاه فـــلا معـــــط ولا مــــتفضــل
كل الخلائق في صعـــيد واحــــــد *** جمـــعت فـسبحـان الذي لايغفـل
وأقيم ميزان العدالـة بيــــنهــــــم *** هـــــذا بــــه يعــــلـو وذلــك يـنزل
وتجمعت كل البهائم بعضــــــــهـا *** يــقتــص مــن بـــعض وربـك أعـدل
حتى إذا فرغ الحساب وأنصـــفت *** من بعضها نزل القضـاء الأمـــــثــل
كوني ترابا يا بـــهائم .. عــــندهــا *** صــاح الــطغاة وبــالأماني جلجلوا
يا ليتــــــنا كنـــــا تــــرابـا مــثلهــا *** يــــا لـــيتنا عــــن أصـــلنـا نتحـول
هيهات لا تجدي النــــــدامة بعدما *** نــصب الــصراط لكم وقام الفيصل
ومضيت أقرأ في الوجوه حــــكاية *** إجمالـــهـا عـــنـد الـذكي مفــصـل
ورأيت مالا كنــــت أحـــلم أن أرى *** حــولي وقد كشف الستار المسدل
هذا هــــو النــــمرود يـندب حظـه *** والــدمع مـن هــول المـصيبة يهطل
وهناك فـــــــرعون المألـه نفسـه *** يســـعى بغــــير بصـــيرة ويــولول
وهـــناك كـــسرى تـــاه عند إيوانه *** مـــترنـح فـــــي ســـيره متملمـل
وهـــــناك قــيصر نفسـه مكسورة *** وبــقـلبـه مــــمـا يـــعانـي مرجـل
وهــــنا ابــــو جــهل يراجع نفسـه *** عيـــنـاه تــوحـــي أنـــه يـتـوسـل
يـــــــارب أرجــــعنا لنعمـل صالحـا *** غــير الــذي كـــنـا نــقـول ونعمـل
هــيهات قــد طوي الكتاب ألم يكن *** فيكـــم نـبي بالهـــدايـة مــرسـل
ســــبحان ربــك هــؤلاء جــميعهـم *** كانـــت لهـــم دار هــنـاك تـــبجـل
لكنــــهم كفــــروا بـــمن أعطاهــم *** مــلكـا وعــاثوا في البـلاد وقتلـوا
ورمــوا بشــرع الله خلف ظهورهم *** عــزلوه عـن حكم الزمان وعطلـوا
جمع الطغــاة هنا وقد هـانوا علـى *** ربـــي وعــــد المـــؤمـن المتبتـل
وقـــفوا وآلاف الــــضحايا حـــولهـم *** فـــالــيوم ينظر في الأمور ويبطل
واليــوم يسعـد مؤمـــن بــــــيقينـه *** والــيوم يشقى الفاسق المتحلل
واليوم يمـــتد الـــصراط فـــمسـرع *** نـــحو الـــــنعيم وزاحــــف متمهل
ومـــحمل بـــالذنــب زلـــت رجــلـه *** فــهوى ونــــار جــــهنم تســـتقبل
فأجـــلت طرفي ساعة فرأيت من *** أمـــر الـــقيامة مـــايــــروع ويذهل
هذا أب يــــسعى إلـيه وحـــــيــده *** وبــــمقلته تـــرقـــــب وتـــــ،ـوسل
أبتـــاه أرهقني المسـير وحاجـتي *** شــــيء يــــسير لايـــمض ويـثقل
شـيء من الحسنات ينقذني وقـد *** خــفت مــوازيــني وفـــيك أؤمـــل
أنـــت الذي عــودتني فيما مضـى *** بــذلا ومــثلك فــي المصائب يبذل
وإزور وجــــه أبــــيه عــنه مـــرددا *** نـــفسي أحـــق بــما تقول وأمثـل
ومضى كسيف البال يسأل نفسه *** مــــاذا جـــرى لأبي .. أهذا يعقل ؟
وبــــدت له بيـــن الــــجموع حليلة *** كـــانت تــــفضـــله وكـــان يفضـل
وغدا يــناديها رويــدك زوجتـــــــي *** فــأنا الحبـــيب ولـيس مثلك يجهل
ريـــــحانـــتي أنـــسيت أيام الصبا *** أيــــــــام كـــــنا من هوانـا ننهـل ؟
أنا من وهبــــتك في فؤادي منزل *** مـــــاكان فــــيه لـــغير حبك منزل
شيء من الحسنات ينقذنــي وقد *** خـــفت مـــوازيني وفــيك أؤمـل
قالت له والـــهـم يـــشعـل قـلبهـا *** لــهبا وفـي أحــشائـــهـا يتغلغـل
عذرا فــــأنت رفـــيق عمــري إنمـا *** نـــفسي أحــق بما تقول وأمثـل
ومضى كسيف البال حتى لاح في *** وســط الزحام خيال من لايبخل
أم رؤوم راح يـــركـــض نــحوهــــا *** جـــذلا وهل بعد الأمومة موئل ؟
حملـــته فــي أحشائـهـا وتحملـت *** مــن أجــل راحـته الذي لايحمـل
أمــــاه ياأمــــاه مــــدي لـــي يــدا *** فـــلكم بـــذلت إذا أتــيتك أسـأل
شيء من الحســنات ينقذني وقد *** خــفت مـــوازيني وفــيـك أؤمـل
قــــالت لــه والـدمع يغلب صـبرها *** نــفسي أحق بما تقـول وأمـثـل
ونــــقلت طرفي لحظة فرأيت مـا *** لاتــستريح لــه الـنفـوس وتقبـل
بشر كأنهــم الـــحوامل قد مشـوا *** مـــشيا ثــقيـلا والـمصيـبة أثقـل
من هؤلاء ؟ فقال من يدري بــهم : *** أهـــل الربا بئس المقام المخجـل
أكلوا الربـــا جــــهرا ولــم يتورعـوا *** عــن أكـــله ومشوا إليه وأرملـوا
مـــــاصـــدهم عــن أكــلـه بطلانـه *** وكـــذاك بــاطل كـل قـوم يبطـل
وأخــذت نـــاحية أفـــــكـر بالـــذي *** يـــجري وأرســـل ناظـري وأنقـل
مـــاذا أرى رجـــل يــحيـط برأسـه *** طــوق وفــي رجليه قيـد محجـل
من ذلك الرجل التعيس؟ فقال لي *** مـــــن عـــنده خـبر يقـين ينقـل
هذا الذي خان العهود وعــاش في *** دنــــياه يغتصب الحقوق ويأكـل
يسطوا على مـال الضعيف وأرضه *** والــيوم يــجـني ماثـراه ويحمـل
الشــبر فـــي الـــدنيـا يــقابلـه هنا *** سبع من الأرضين بئس المحمـل
ورأيـــــــــت قومـا يدعسون كأنـهم *** نـــمل وقد ذاقـوا الهوان وجللـوا
مــــن هــــؤلاء الـــبائسـون أراهــم *** هـانوا ومن كتب الكرامة أعقلوا
فأجابــــني : هــــم كـل مختـال لـه *** فـــيما مــضى كـبر عليـه يعـول
وذهلت عنهم حـــين أبـــصر ناظري *** رجل يساق الى الجحيم ويعتــل
ووراءه امـــــرأة يــــحيـط بـجيدهـا *** حــــبل يلــف مـن الجحيـم ويفتـل
مـــن ذلـــك الرجل الشقي وهذه *** تجـــري علـــى أعــــقابـه وتولـول
هـــذا أبـــو لــهب وزوجـتـه الـتي *** كـانت تــجول على النـبي وتجهـل
وأخـــذت نـــــاحية فـلاح لناظـري *** روض وأزهــــــــــار ونـور مقــــبـل
غـــرف بــــطائنهـا الـحريـر وتربها *** مســـك بـــــــماء المكرمـات مبلـل
ونـــساؤهـا حــور فوجه مشـرق *** كالشمس ســـاطعة وطرف أكحل
أنـــهارهـا عــــــسـل وخمـر لـذة *** لـــلشاربـين وشـــــربهـا لايـــثمـل
وبنـــــاؤها من فـضـة من فوقهـا *** ذهــب وعنـــد الله مــــاهو افضـل
أقـــــل مــــن فـيهـا نصيبا حظـه *** أضــعاف دنــيانا وربـــــــــك يجـزل
رأيت فيها الســــاكــنين ربوعهـا *** نــحو الــجنان وفي المنازل أنزلـوا
على الأراـــئك يجلسون حديثهم *** مـــستبشرين بــما رأوه وحـصلـوا
يتذكـــرون حــــوادث الدنيا الـتي *** صــمدوا لـــها وعــلى الإله توكلـوا
طوبــى لكـــم هذي منازلكم فمـا *** خابـــــت مساعي من يجد ويعمل
أجلت طرفي في الوجوه فـلاح لي *** وجــــــه بدا وكأنما هـو مشعـل
وجه الرسول يشــــــع نورا صادقـا *** قد جــاء في حلل السعادة يغفل
ورأيت أصحاب الرسول وقد مضوا *** نـــحو الجنان وفي المنازل أنزلـوا
ورأيت مــــــؤمن آل فرعون الـذي *** نـــبذوا .. وصـــــفحة وجهه تتهلل
والكــــــوثر الرقراق لاتسـأل فمـا *** مثلي يــــجيب وليس مثلي يُسأل
نهــــر كـــــــأن الـدر يجـري بينـه *** أو أنــــه النــــــور الذي يتسلسـل
سبحـــان ربك هاهنا حصل الذي *** مـــاكـــان لولا فـــضل ربك يحصل
ورفعت طرفي لحظة فرأيت مـن *** لاشيء يشبــــــــهـه وليس يمثـل
نــــــور تــــجلـى للخـلائـق كلهـا *** فــــــــتواضعـوا لجـــــلالـه وتذللوا
وقعوا سجودا يلـــــهجون بذكـره *** والـــكون بالـــصمت المهيب مكلل
سجدوا وأما المبطلون فحاولـوا *** أن يســـــــجدوا لكنهم لم يفعلـوا
وصحوت من حلمي ونفسي بالذي *** شاهدت مؤمنة وعيني تهمـل
وشعرت أن مظاهر الدنيا الـتي *** لهوى .. مظــــاهر نشوة لا تكمـل
وعلمت ان الله يمهـــــل عبــده *** عــــطفـا عــــــليـه وأنـه لا يهمـل
وهنا وقفت وفي فؤادي دوحـة *** تحنـــــــــو علي غصونهـا وتظلـل
هي روضة الإيمان يجري نهرها *** عذبـــــا ويشدوا في رباها البلبل
عبدالرحمن العشماوي |