مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 13/03/2002, 06:13 AM
طالب العلم طالب العلم غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 11/10/2001
المكان: الامارات - دبي - ديره
مشاركات: 277
من بدائع القصص النبوي الصحيح (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد فإن النفوس تحب القصص، وتتأثر بها، لذلك تجد في القرآن أنواعاً من القصص النافع، وهو من أحسن القصص.

وكان من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن أقتدى بكتاب ربه، فقص علينا من الأنباء السابقة ما فيه عبر، باللفظ الفصيح، والبيان العذب البليغ، ويمتاز بأنه واقعي وليس بخيالي.

" وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى " [ سورة النجم: 3-4] وإن بعض شبابنا قد مالوا إلى القصص الأجنبي الضار، إذ أكثره جنسي مائع أو بوليسي مجرم، يوقعهم في الفاحشة والانحراف كما يريده أعداء الإسلام.

لذلك كان واجباً على الكاتب الإسلامي أن يقدم نماذج من القصص الديني الصحيح فإن فيها تهذيب الأخلاق وتقريب الشباب من الدين.

وإني أقدم نموذجاً من بدائع القصص النبوي، وهي مختارة من الأحاديث الصحيحة، وجعلتها على شكل حوار، ومشاهد حتى كأنك ترى وقائع القصة أمامك، وجعلت لكل قصة عبره في آخرها للاستفادة، فالله تعالى يقول: " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ " [ سورة يوسف: 111].

وقصة هذا الأسبوع عن أبرص وأقرع وأعمى. ونسأل الله ان يوفقنا في سرد هذه القصة وأن يتقبل منا عملنا خالصاً لوجه عز وجل، والله ولي التوفيق:

أبرص وأقرع وأعمى

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن ثلاثة في بني إسرائيل: ( أبرص وأقرع وأعمى ) أراد الله أن يبتليهم ( يختبرهم )، فبعث إليهم ملَكاً:
(( يأتي الملك الرجل الأبرص )).
".


المَلك : أي شيءٍ أحبُ إليك؟
الأبرص : لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس!
" يمسحه الملَك، فيذهب عنه قذرُه، ويُعطى لوناً حسناً، وجلداً حسناً! ".
المَلك : فأي المالِ أحبُ إليك؟
الأبرص : الإبل.
" يُعطى ناقة عُشراء ( حاملاً ) ".
المَلك : بارك الله لك فيها.

"يأتي المَلك الأقرع ".

المَلك : أي شيءٍ أحبُ إليك؟
الأقرع : شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذِرني الناس.
" يمسحه الملَك فيذهب عنه داؤه ويعطى شعراً حسناً ".
المَلك : فأي المالِ أحبُ إليك؟
الأقرع : البقر.
" يعطى بقرة حاملاً ".
المَلك : بارك الله لك فيها.

"يأتي المَلك الأعمى ".

المَلك : أي شيءٍ أحبُ إليك؟
الأعمى : أن يرد الله إلى بصري، فأبصر به الناس.
" فيمسحه الملَك، فيردُ الله إليه بصره ".
المَلك : فأي المالِ أحبُ إليك؟
الأعمى : الغنم.
" يُعطى شاة والداً (( حاملاً )) ".

" كان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم ".

" يأتي الملَك الرجلَ الأبرص في صورة الأبرص ".

المَلك : رجلٌ مسكين قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ عليه في سفري.
" أصل به إلى أهلي ".
الأبرص [في ضيق] : الحقوق كثيرة!!
الملك [في استغراب] : كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرُك الناس؟ فقيراً فأعطاك الله؟!
الأبرص [في إنكار] : إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر! ( أباً عن جد )!!
المَلك : إن كنت كاذبك فصيرك الله إلى ما كنت.

" ثم يأتي الملك الرجل الأقرع في صورة الأقرع ".

المَلك : رجلٌ مسكين قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك الشعر الحسن والمنظر الحسن والمال، بقرة أتبلغ بها في سفري.
الأقرع [في ضجرٍ] : الحقوق كثيرة !!!
الملك [متعجباً] : كأني أعرفك، ألم تكن أقرع يقذرُك الناس؟ فقيراً فأعطاك الله؟!
الأقرع [في استكبار] : إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر! ( أباً عن جد )!!
المَلك : إن كنت كاذبك فصيرك الله إلى ما كنت.

" ثم يأتي الملك الرجل الأعمى في صورة الأعمى ".

المَلك : رجلٌ مسكين قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري.
الأقرع [شاكراً معترفاً] : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم ( لا أعارضك ) بشيء أخذته لله عز وجل.
المَلك : أمسِك مالك، فإنما ابتليتم ( اختبرتم )، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك.
( البخاري 4/146، مسلم رقم 2964).


من عبرة القصة وفوائدها

1- اختبار الله لعباده، سنة الله في أرضه، كما أخبر الله به في كتابه.
2- الابتلاء يكون في الجسم والمال والأولاد وغيرها.
3- الملائكة تتصور أحياناً على هئية البشر، وتتكلم، وتمسح على المريض فيبرأ بإذن الله.
4- لا شيء أحب للمبتلي من ذهاب مرضه ومعافاته.
5- الله هو الذي يُعطي ويمنع، ويُغنى ويُفقر، بتقديره وحكمته.
6- من التوحيد والأدب أن تنسب الشفاء والغنى إلى الله وحده.
" قد كنت أعمى فرد الله بصري ".
7- الإنسان الجاهل يبخل وقت الغنى، والعاقل يُعطى بسخاء متذكراً قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما، اللهم أعط مُنفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً " (( متفق عليه )).
8- بعض الأغنياء ينسون ماضيهم الفقير ويغضبون ممن يذكرهم به.
9- من شكر النعمة، وأعطى الفقراء زاده الله غنى، وبارك له، ومن بخل فقد عرض نفسه لزوال النعمة وسخط الرب القائل:
" لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتهم إن عذابي لشديد " [سورة إبراهيم:7].
10- إنكار النعمة يجلب النقمة، ويسبب الشقاء.
11- الكرم يجلب النعمة ويذهب بالنقمة، ويُرضي الرب، والبخل يجلب السوء ويسخط الرب.
12- المؤمن يفي بما وعد ولا يبخل، والمنافق يعاهد ويعد، ولكن لا يفي بعهده ووعده، كما قال الله تعالى عن المنافقين:
" ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون " [ سورة التوبه: 75 ].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " (( متفق عليه )).

ملاحظه: نقلا من كتاب من بدائع القصص النبوي الصحيح للشيخ محمد بن جميل زينو المدرس في دار الحديث الخيريه بمكة المكرمة.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
اضافة رد مع اقتباس