مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #9  
قديم 03/02/2002, 08:13 AM
د . عبد الله قادري د . عبد الله قادري غير متواجد حالياً
كاتب ومفكر إسلامي
تاريخ التسجيل: 06/12/2001
مشاركات: 485
السباق إلى العقول الحلقة (1)

[تعريف مختصر بالسباق إلى العقول]
موضوع جديد للدكتور عبد الله قادري الأهدل، سيرسل إلى المنتديات قريبا في حلقات.
وهو لا يعني ما تعارف عليه الكتاب، من هجرة العقول العلمية من البلدان الإسلامية وغيرها، مما يسمى بالعالم الثالث، أو الدول النامية، إلى الدول الغربية، وإنما يعني أن عقول الناس محل سباق بين أهل الحق وأهل الباطل:
أهل الحق يجتهدون في أن يسبقوا بحقهم إلى عقول الناس،ويحموها من وصول الباطل إليها، ويطردوا منها الباطل الذي أوصله أهله إليها.
وأهل الباطل يجتهدون في أن يسبقوا أهل الحق بإيصال باطلهم إلى العقول، ويحموا تلك العقول، من أن يصل إليها الحق، ويطردوا الحق الذي وصل إليها عن طريق أهله. كما أن لكلا الفريقين وسائل يتخذونها لسباقهم إلى العقول يحققون بها أهدافهم.
ويترتب على السباقين نتائج، إيجابية لمن سَبَق، وسلبية لمن سُبِق.

السباق إلى العقول –المقدمة(1)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)). [آل عمران: 102]
((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا)) [النساء: 1]
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)). [الأحزاب: 70-71]
ما يراد السباق به إلى العقول.
أما بعد: فإن ما يراد السباق به إلى العقول هو الحق أو الباطل، فأهل الحق يسابقون بالحق إلى العقول، و أهل الباطل يسابقون بالباطل إلى العقول.
الله هو الحق.
والله سبحانه وتعالى هو الحق، كما قال سبحانه وتعالى: ((ذلك بأن الله هو الحق، وأنه يحيي الموتى، وأنه على كل شيء قدير..)) [الحج: [6]
وقال تعالى: ((ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير..)) [الحج: 62-لقمان: 30]
وقال تعالى: ((فتعالى الله الملك الحق، لا إله إلا هو رب العرش الكريم )) [المؤمنون: 116].
وجزاء الله لعباده يوم القيامة على مواقفهم من دين الإسلام في الدنيا، هو الحق، كما قال تعالى: ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق ويعملون أن الله هو الحق المبين..)) [النور: 25]
خلق الله الكون كله بالحق.
والحق جل وعلا خلق الكون كله: السماوات والأرض، وما بينهما وما فيهما وما فوق ذلك بالحق، وقوله تعالى هو الحق، كما قال تعالى: ((وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق، ويوم يقول كن فيكون، قوله الحق وله الملك...)) [الأنعام: 73]
وقال تعالى: ((ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق..)) [إبراهيم: 19]
وقال تعالى: ((وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق..)) [الحجر: 85]
وقال تعالى: ((وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق..)) [الأحقاف: 3]
وقال تعالى: ((خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عمّا يشركون..)) [النحل: 3]
وقال تعالى: ((خلق السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين)) [العنكبوت: 44]
وقال تعالى: ((أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق..)) [الروم: 8]
وقال تعالى: ((خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير)) [التغابن: 3]
أرسل الله رسله وأنزل كتبه بالحق.
وأرسل الحق جل وعلا رسله، وأنزل كتبه بالحق. كما قال تعالى: ((إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا)) [البقرة: 119]
وقال تعالى: ((نزّل عليك الكتاب بالحق، مصدقا لما بين يديه، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان)) [آل عمران: 3]
وقال تعالى: ((إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)) [النساء: 105]
وقال تعالى: ((يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرٌ لكم)).[النساء: 170]
وقال تعالى: ((وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه)) [المائدة: 48]
وقال تعالى: ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق))[الفتح: 28، والصف: 9]
السباق إلى العقول الحلقة الثانية
سعادة أهل الحق بقبول الحق وشقاوة أهل الباطل برفضه.
================================
وقد سعد قوم بهذه الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله بالحق لإيمانهم بها، كما سعدوا بأولئك الرسل الذين أرسلهم بالحق لطاعتهم لهم واتباع منهجهم، ففازوا بالفلاح في الدنيا والآخرة. كما قال تعالى: ((ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)) [البقرة: 1-5]
وشقي آخرون بإنزال تلك الكتب وإرسال أولئك الرسل، لعدم إيمانهم بالحق الذي نزلت به تلك الكتب، وعدم طاعتهم لأولئك لرسل الذين جاءوهم بالحق من ربهم. كما قال تعالى: ((وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين..)) [سبأ: 43]
وقال تعالى: ((وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين، ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا..))[الكهف: 56]
وقال تعالى: ((واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يُرجعون..))[القصص: 39
وقال تعالى: ((وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم..)) [إبراهيم: 22]
والحق ضد الباطل والضلال. جاء الرسل بالحق ودعوا إليه وجاء الشيطان وأتباعه بالباطل والضلال ودعوا إليه، والحق تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل.
كما قال تعالى: ((فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون...)) [يونس: 32]
وقال تعالى: ((ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون...)) [الأنفال: 8]
وقال تعالى: ((بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق..)) [الأنبياء: 18]
ويعترف أهل الحق بالحق عندما ينالون رضا الله اعتراف شكر وغبطة وسرور في جنات عدن. كما قال تعالى: ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون...))[الأعراف: 43]
ويعترف أهل الباطل بالحق، عندما ينالون جزاء إنكارهم له في الدنيا، وهم في نار جهنم يتمنون أن يجدوا شفيعا ينفعهم أو إذنا لهم بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا عملا يكون أساسه الحق وليس الباطل. كما قال تعالى: ((يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون...)) [الأعراف: 53]
والذي كانوا يفتر ونه، هو الباطل الذي آمنوا به في الدنيا، والكفر بالحق الذي أقروا به بعد دخولهم النار كما قال تعالى: ((والذين أمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون..)) [العنكبوت: 52]
والباطل هو الضلال الذي يقابل الحق والهدى، وكل ما عدا الحق والهدى فهو باطل وضلال. كما قال تعالى: ((فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون..))[يونس: 32]
وقال تعالى: ((ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين...)) [القصص: 50]
وقال تعالى: ((أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم...))[البقرة: 16]
والحق يطلق على الثابت المستقر، والباطل يطلق على نقيض الحق، وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه [المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني. الطبعة الهندية ص50]
والضلال أيضا ضد الهداية، وهو العدول عن الصراط المستقيم والزائل المضمحل. [المرجع السابق، ص299، وكتب اللغة مادة (ض ل ل]
وحيث إن الباطل هو ضد الحق-وكذلك الضلال-فإن بيان الحق يوضح معنى الباطل-وكذلك الضلال-.
وقد فصل الإمام [العلامة الحسين بن محمد بن المفضل الملقب بالراغب الأصفهاني المفسر اللغوي، المتوفى سنة 502هـ-. ] رحمه الله معاني الحق في القرآن الكريم، فقال: (أصل الحق المطابقة والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه على استقامة. والحق يقال على أوجه:
الأول: يقال لموجِد الشيء، بسبب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحق، قال الله تعالى: ((و ردوا إلى الله مولاهم الحق...)) وقيل بعيد ذلك: ((فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون..)) [يونس: 30-32]
والثاني: يقال: للموجَد، بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا يقال: فعل الله تعالى كله حق. وقال تعالى: ((هو الذي جعل الشمس ضياءً ا والقمر نورا...)) إلى قوله تعالى: ((ما خلق الله ذلك إلا بالحق...)) [يونس: 5]
وقال في القيامة: ((ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق..)) [يونس: 53]
وقوله عز وجل: ((الحق من ربك..)) [البقرة: 147، آل عمران: 60] ((وإنه للحق من ربك..)) [البقرة: 149]
والثالث: في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق، قال الله تعالى: ((فهدى الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق...)) [البقرة: 213]
والرابع: للفعل والقول، بحسب ما يجب، وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب، كقولنا: فعلك حق، وقولك حق.
قال الله تعالى: ((كذلك حقت كلمة ربك..)) [غافر: 6] ((حق القول مني لأملأن جهنم..)) [السجدة: 13]
وقوله عز وجل: ((ولو اتبع الحق أهواءهم...)) [المؤمنون: 71] يصح أن يكون المراد به الله تعالى، ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة.
ويقال: أحققت كذا، أي أثبته حقا، أو حكمت بكونه حقا.
وقوله تعالى: ((ليحق الحق..)) [الأنفال: 8] فإحقاق الحق على ضربين: أحدهما بإظهار الأدلة والآيات، كما قال تعالى: ((وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)) [النساء: 91] أي حجة قوية. والثاني: بإكمال الشريعة وبثها في الكافة، كقوله تعالى: ((والله متم نوره ولو كره الكافرون..)) [الصف: 8] ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله..)) [التوبة: 33 ، الفتح: 28 ، الصف: 9] انتهى كلام الأصفهاني
ومما ذكره الإمام الأصفهاني رحمه الله يتبين أن الله تعالى هو الحق، كما أطلق ذلك على نفسه في كتابه، وهو تعالى الموجد للكون كله بحسب ما تقتضيه الحكمة، أي جميع مخلوقاته تعالى قد أوجدها وفق الحكمة الكاملة التامة. وأن فعله تعالى حق لأن كل شيء أوجده إنما أوجده بالحق، وأن كل ما جاء به الرسل من عند الله تعالى حق، من عقيدة وشريعة وخلق....
وأن قوله تعالى وكلماته كلها حق.


اخر تعديل كان بواسطة » د . عبد الله قادري في يوم » 03/02/2002 عند الساعة » 08:23 AM
اضافة رد مع اقتباس