مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 21/01/2002, 11:04 PM
روعـــــةالهلاليه روعـــــةالهلاليه غير متواجد حالياً
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 19/01/2002
المكان: الامارات
مشاركات: 5
Post صل قبل ان يصلى عليك

صلّ قبل ان يصلى عليك



قال الراوي :

كنت شاباً لا أعرف غير طريق الضلالة واللهو والعبث والركض وراء الشهوات ، بحثا عنها من زقاق إلى زقاق ، ومن مستنقع إلى مستنقع

ولا أرى الحياة إلا في هذه الدوائر ..

تعب والدي من نصحي وتحذيري ، حتى نفض يده من إصلاحي ، غير أني كنت أسمعه كثيراً يدعو لي بالهداية ، فلا أكترث لما اسمع ..

راتبي أنفقه على ملذاتي وشهواتي ، وقبل أن ينتهي الشهر يكون جيبي فارغاً ..

ذات نهار أشبه بالليل ..

جاءني هاتف يحمل الموت في نبراته .. يخبرني أن أعز أصدقائي مات فجأة وهو على فراشه ، فانتفض جسمي كله ، ودبت فيّ رعدة شديدة ،

وشعرت أن أصابع الموت قريبة من رقبتي ..

ازدردت ريقي بصعوبة بالغة ..

وانهلت دموعي بغزارة وأنا الذي يصعب عليه البكاء .

كنت وهذا الصديق نقضي البارحة في صخب حتى قرب الفجر ،

كيف مات، وقد تركته بصحة وعافية ؟

وأحسست أن الموت يبتسم إلي ساخرا من سؤالي ..

لأول مرة أصلي صلاة الميت ..

وفي المسجد وبينما نحن نتهيأ للصلاة ، حرص أبي أن يكون إلى جانبي ، ولعله بفطنته رأى ما اعتراني من حالة نفسية شديدة ، لم استطع السيطرة عليها ..

فهمس في أذني في نبرة مؤثرة قرعت روحي قرعا :

صلّ قبل أن يُصلى عليك ..!

وكان لهذه الكلمة وقع عنيف على قلبي .. ولذا فقد وجدت نفسي أبكي أثناء الصلاة ،

كنت أتخيل نفسي ذلك الميت ، ثم لا أجد من يصلي عليّ ..

حين انصرف الناس من المقبرة ، بعد أن نفضوا أيديهم من دفن صديقي ،

بقيت وحدي بين المقابر ،

وإذا بي أجهش بالبكاء كالأطفال ، وأنا أرى حولي مدينة كاملة من

الأموات ..

كانوا مثلنا في منتهى قوتهم ، وكانت لهم آمال وأحلام وأمانٍ ، وهاهم اليوم لا

يؤنسهم حتى أحب الناس إليهم ..!

وأحسب أني لم أخرج من المقبرة إلا بعد أن دفنت ذلك الماضي الأسود من حياتي ،

من يومها عرفت الطريق إلى الله عز وجل ، وأقبلت عليه إقبال الظامئ

بعد عطش طويل .

وأدركت أني كنت متوهماً طوال تلك السنوات ،

فقد وجدت السعادة الحقيقية في رحاب الله .. ولله الحمد والمنة ..

وأسأله جل جلاله أن يغفر لي ما مضى ، وأن يحفظني فيما بقى .
اضافة رد مع اقتباس