ثُمَّ قَالَ: يَاعُمَرُ والقائل النبي صلى الله عليه وسلم أتَدْرِيْ من السَّائِل؟ قُلتُ: اللهُ وَرَسُوْله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم وجده فيما بعد وسأله: أتدري من السائل؟ أي أتعلم من هو؟ فَقَالَ عُمَرُ: اللهُ وَرَسُوْلهُ أَعْلَمُ وهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه لاعلم له من هذا السائل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ الإشارة هنا إلى شيء معلوم بالذهن، أي هذا جبريل أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكَمُ لكنه جاء بهذه الصيغة أي صيغة السؤال والجواب لأنه أمكن في النفس وأقوى في التأثير. من فوائد هذا الحديث:
هذا الحديث فيه فوائد كثيرة، فلو أراد الإنسان أن يستنبط مافيه من الفوائد منطوقاً ومفهوماً وإشارة لكتب مجلداً، لكن نشير إشارة قليلة إلى ما يحضرنا إن شاء الله تعالى، فمنها: .1بيان حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يجلس مع أصحابه ويجلسون إليه،وليس ينفرد ويرى نفسه فوقهم، بل إن الجارية تأخذ بيده حتى توصله إلى بيتها ليحلب لها الشاة من تواضعه صلى الله عليه وسلم [36]
واعلم أنك كلما تواضعت لله ازددت بذلك رفعة، لأن من تواضع لله رفعه الله عزّ وجل . .2جواز جلوس الأصحاب إلى شيخهم ومن يفوقهم،لكن هذا بشرط:إذا لم يكن فيه إضاعة وقت على الشيخ ومن يفوقه علماً. لأن بعض الناس يأتي إلى من يحافظ على وقته ويستغله في العلم، فيجلس عنده ويطيل الحديث، فالمحافظ على وقته،يتململ ويوري مثلاً بقصر الليل أو ما أشبه ذلك، ولكن الآخر لشدة محبته له والتحدث إليه يبقى. .3إن الملائكة عليهم السلام يمكن أن يتشكلوا بأشكال غير أشكال الملائكة، لأن جبريل أتى بصورة هذا الرجل كما جاء في الحديث.
فإن قال قائل:وهل هذا إليهم، أو إلى الله عزّ وجل ؟
فالجواب: هذا إلى الله عزّ وجل ، بمعنى: أنه لايستطيع الملك أن يتزيَّى بزيّ الغير إلا بإذن الله عزّ وجل .
.4الأدب مع المعلم كما فعل جبريل عليه السلام، حيث جلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم جلسة المتأدب ليأخذ منه. .5جواز التورية لقوله: يامُحَمَّد) وهذه العبارة عبارة الأعراب، فيوري بها كأنه أعرابي،وإلا فأهل المدن المتخلقون بالأخلاق الفاضلة لاينادون الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا. .6فضيلة الإسلام،وأنه ينبغي أن يكون أول ما يسأل عنه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل الرسل للدعوة إلى الله أمرهم أن يبدؤوا قبل كل شيء بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. .7إن أركان الإسلام هي هذه الخمسة،ويؤيده حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْس[37] وسيأتي شرحه. .8فضل الصلاة وأنها مقدمة على غيرها بعد الشهادتين. .9الحث على إقامة الصلاة، وفعلها قويمة مستقيمة،وأنها ركن من أركان الإسلام.
.10إن إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من أركان الإسلام، وكذلك بقية الأركان. |