مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 04/03/2015, 11:34 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الهلالي دائماً
الهلالي دائماً الهلالي دائماً غير متواجد حالياً
مشرف منتدى الجمهور الهلالي
تاريخ التسجيل: 20/01/2002
المكان: وسط المعمعه
مشاركات: 12,893
Post #من_الأندلس : رحلتي إلى غرناطة و قصر الحمراء

بسم الله الرحمن الرحيم



غرناطة



سأبدأ من حيث انتهى التاريخ ..من آخر المعاقل الاندلسية .. من غرناطة جوهرة المدائن من قصر الحمراء من جنات العريف من حي البيازين من جبال الثلج من منطقة البشرات من اشجار الزيتون من نهر شنيل من دار الحُرة من زفرة العربي الاخيرة ..!!



من كل هذه الاماكن التي تحمل بين حروفها قصصاً كانت بالنسبة لي حُلماً حتى وصلت الى غرناطة فتحول الحلم الجميل الى واقع مؤلم وانقلبت مشاعر الفخر والعزة الى حسرة وكمد على مجدٍ تليدٍ بأيدينا أضعناه !!
آهِ غرناطة ,أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا , حين وصلنا الى غرناطة كنت اتلفت بشوق ابحث عن أي شيء يربطني بهذه المدينة أتفرس بالوجوه عسى أن اجد بها قطرة من الدم العربي ,أتمعن في الاسماء لعلي اقرأ فيه شيء من تاريخنا المفقود , أسابق الزمن أخشى أن يفوتني شيء وأطلب من رفقائي مساعدتي في البحث ,منصور ابحث في الجهة اليمنى وأنت يا راشد ركز على الجانب الايسر و سأظل اراقب ما يظهر لي من الامام , كانت تلك اللحظات اشبه ما تكون بحالة الطوارئ كل الحواس تعمل بتركيز عال نبحث نتكلم نستمع ننظر نستنشق الهواء نشعر بالمكان تملئنا السعادة ينتابنا الخوف ..كانت الشمس على وشك الغروب أردنا ان نفعل كل شيء قبل ان تغرب ويداهمنا الظلام بل تمنينا أن يعود بنا الزمن لتشرق الشمس مع دخولنا غرناطة ولكن هيهات أن يعود الزمن هيهات !!

فإن تراءت لك الحمراء عن كثبٍ
فسائل الصرح أين المجد والجاهُ





كان قصر الحمراء اول ما شاهدناه أول شيء يمت لنا بصلة اول شيء عرفنا في غرناطة لقد أحسستُ بنظراته الينا ! كان شامخاً لكن بانكسار و شاهقاً لكن بخضوع ,بدا لنا القصر مرتفعاً في أعلى الهضبة وبدت لنا قصبة الحمراء عالية كحصن منيع
لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجِنٍّ :: سَكَنوهُ أَم صُنعُ جِنٍّ لِإِنسِ
لكنه مع الاسف لم ينفع أصحابه بل ألهاهم عن كل مكرمة كقصيدة عمرو بن كلثوم ولم يغني عنهم ترفهم وبذخهم شيء حين حمي الوطيس و تكالبت عليهم الاعداء ..!
في هذه اللحظة حدثتني نفسي قائلة ( وما فائدة الحصون إن لم يكن بها رجال ) !!

اتجهنا الى سكننا وكان مقابل بوابة قصر الحمراء لا يفصلنا عن القصر سوى خطوات معدودة أوقفنا سيارتنا في مواقف قصر الحمراء واتجهنا الى الفندق وكان موعد دخولنا للقصر صباح اليوم التالي وقد تم حجز التذاكر مسبقاً .
قررنا ان نقضى باقي اليوم في ارجاء غرناطة ... وهنا تذكرت قول نزار :

غرناطةٌ ! وصحت قرونٌ سبعةٌ
في تينكَ العينينَ بعد رقادي

وأُميةٌ راياتهُا مرفوعةٌ
وجيادُها موصولةٌ بجيادِ

ماأغرب التاريخ كيف أعادني
لحفيدةٍ سمراءَ من أحفادي !!





سرنا بين الاشجار المحيطة بالقصر في طريق منحدرة حتى وصلنا الى ميدان باب الرملة ذلك الميدان الذي جمع فيه النصارى آلاف الكتب من مكتبات غرناطة واحرقوها حيث ظلت النار مشتعلة ولمدة 3 ايام كما قال الرواة !! هناك تناولنا المشويات برائحة تلك النار في احد المطاعم ..








ثم ركبنا الحافلة السياحية متجهين الى حي البيازين , في جولة سياحة تستغرق الساعة وتجوب انحاء غرناطة القديمة والجديدة كنت خلالها أشاهد ما تحويه المدينة بتمعن واستمع الى التسجيل الصوتي بإنصات وكان الحديث بلغة عربية استنتجت من خلاله أن أهالي غرناطة مازالوا يدينون بالفضل للمسلمين على ما بذلوه وقدموه لهذه المدنية في فترة (احتلالهم ) كما يزعمون !











في صباح اليوم التالي كان الموعد المنتظر فاتجهنا الى قصر الحمراء وكتبت هناك هذه الابيات :

في ساحة الحمراء سالت أدمُعي
وبكيت من ألم بكاء مودعِ

وقرأت في جدرانها تاريخنا
يشكو إلى بحسرة وتوجعِ

ويقول لي ما ذا تريد تزورني
أولم تكن نحو الدمار مشيعي ؟

يا أيه العربي دمعك باردُ !
ويداك هدت في الشدائد أضلعي

قد بعتني بالأمس في سوق الهوى
واليوم تنبش في جراحي وتدعي

ها أنت أنت كما عهدتك سابقاٌ
نزقُ وتقتلك المطامع لا تعي

القدس تصرخ والعراق جريحة
والشام اضحت بلقعاً في بلقعي

وارك في بلد الفرنجة سائحاً
وكأنهم لم يقتلوك بمدفعِ !!

ارحل فما لك في فنائي موضعاً
ارحل ولا تطمع بموضع أُصبعي

وارجع لغيك نائماً متخاذلا
ما كنت يوماٌ في حياتك مقنعي !!

بعد ذلك تجولنا في قصر الحمراء أو كما يسميه الاسبان الهمبرا وفي كل جوانب القصر كنا نجد شعار بني الاحمر ( لا غالب الا الله ) منقوش في كل زاوية ..

















هناك شاهدنا بعض ما بقى من آثارنا في الاندلس وما يحيويه ذلك القصر من افنية ونوافير وتماثيل وحدائق ذات بهجة ,وشاهدنا الكثير من السائحين قدموا من ادنى الارض وأعلاها يتجولون في انحاء قصر الحمراء يلتقطون الصور ويتبادلون القُبلات ,وكنت اتساءل هل يعلم هؤلاء أن هذا القصر وتلك المدينة إرث أجدادي !















هناك تذكرت المجاهد البطل موسى بن أبي غسان الذي رفض معاهدة تسليم غرناطة وطالب الجميع بمقاتلة الغزاة والجهاد في سبيل الله حتى النصر او الشهادة لكنه لم يجد أذناً صاغية فقد هد الوهن القلوب وسكن الذل العقول لذلك فضل هذا المجاهد الموت على أن يرى الاعداء يستلمون غرناطة وخرج على فرسه وحيدا ليواجه كتائب النصارى ويقاتلهم حتى استشهد رحمه الله .

هناك تذكرت آخر المجاهدين الابطال الذي ظل يقاتل النصرى ويذيقهم الويلات بعد تسليم غرناطة في منطقة البشرات رافضاً الصلح معهم ,حتى خانه احد اعوانه وقتله في أحد الكهوف ففرح بذلك النصارى واحضروا جثته الى غرناطة مبتهجين بموته وقطعوا رأسه وأحرقوا جسده في أكبر ساحات غرناطة ثم وضع الرأس في قفص من حديد و بقي معلقا 30 سنه!













بعد هذه المشاهدات والذكريات غادرنا غرناطة محملين بمشاعر مختلفة لا يمكن وصفها ولا يجدي شرحها لكن كان لي رأي سطرته في ذلك الوقت سأنقله هنا ختاماً لهذا لموضوع هذه الرحلة الغرناطية.

(( في قصر الحمراء بغرناطة ورغم جمال المكان وشموخه وتاريخه ..إلا انني لم اشعر سوى بأنه قلعة حصينة بُنيت بترف لحماية الفاسدين ولصناعة الدسائس وأن الزخرفات والنقوش ليست إلا غطاء من ملوك بني الاحر لواقعهم المشين وذلهم المقيت !! لذلك شممت في جوانب القصر رائحة الخيانة ممزوجة بالذلة وشاهدت في جدرانه أشكال الخوف و دلائل الجبن .. حتى تمنيت لو أن الفونسو وإيزابيلا جعلاه قاعا صفصفاً كي تنمحي آثار هذا الذل ويُدفن تاريخ تلك الخيانات .. قد يلومني البعض على هذا الحديث وهذه المشاعر .. لكن للأسف أعتقد أن أهل غرناطة وقصرها وحكامها وشعبها هم من باع الاندلس بتخليهم عن اخوانهم في المدن الاخرى بل ومشاركة الاعداء في حربهم !! لذلك سأحملهم وزر ضياع الاندلس الى الابد.
وحقيقة تمنيت أني لم أزر تلك المدينة وقصرها لأنها عصرتني ألماً وزادتني قهراً بحكامها الخونة وتاريخها الموجع وأعادتني لواقعنا المرير الذي نعيشه في عالمنا العربي هذه الايام ..والله المستعان ))

عانقتُ فيها حين ودَّعتُها
رجُلاً يُسمَّى طارقَ بنَ زيادِ !!

دمتم بحفظ الله ,,,
اضافة رد مع اقتباس