مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #11  
قديم 05/11/2013, 11:28 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ هلالي من ارض اليمن
هلالي من ارض اليمن هلالي من ارض اليمن غير متواجد حالياً
مشرف منتدى المجلس العام
تاريخ التسجيل: 02/08/2005
المكان: بين الحلم والأسوار !
مشاركات: 13,589
الجزء السابع

كيب تاون - اليوم الخامس



كان قد حل المساء حينما انتهينا من جولتنا في رأس الرجاء الصالح وتطلب منا ذلك السفر ليلا للعودة الى كيب تاون .. كنت قد بدأت أشعر بالألفة مع المكان وأصبح صورة اخرى في برواز كيب تاون ! .. وحقيقة اننا كبشر لدينا قدرة ربانية عظيمة في التكيف سريعا مع انماط مختلفة ومتباعدة من بيئات مختلفة ! .. اتذكر حينما كنت طفلا في أول زيارة الى مناطقنا الداخلية باليمن حيث تتوقف الحياة بعد صلاة العشاء ويغشو المكان الظلام الدامس وتحيط بك الجبال والشعاب من كل جانب ويسير بالقرب منك رجال القبائل المدججين دوما بالسلاح وتمسي في فراشك على انغام عواء ذئب ينوح ألما على فراق محبوبته في مكان ما ! .. وكنت قادما من صنعاء .. من تلك المدينة التي أعلنت عن نفسها من قبل ان تعرف البشرية معنى المدن ! .. من ارض صنعاء حيث الفل والكادي والغيوم وهتان المطر .. ومجالس القات واحاديث الدين والسياسة والشعر والأدب ! .. ورائحة الارض بعد المطر ! .. ونسائم الأصالة التي ترسم ملامح الجسد والفؤاد معا .. لتبقى صنعاء دوما ارض العرب وتاريخهم ومستقبلهم وان جار الزمن ! .. كنت ابن المدينة بمشروب الـ كندا دراي بنكهة الفراولة مع بسكوت ابو ولد ولعبة اتاري العائلة ! .. راهن القوم ان لا مكان لهلالي من ارض اليمن بيننا سوى يومان وان طال الزمن ! .. فمضت الايام والاسابيع والشهور حتى ضاق القوم مني وهم يطردون ورائي من جبل الى اخر ومن شعب الى ثان .. حتى اذا ما عدت صنعاء مرة اخرى لم يكن ذلك الا بمؤامرة وخديعة دبرت في ليل لم يكن مقمر ! .. وفي كندا قيل لي حين غرة ان الشتاء يصل الى 15 درجة تحت الصفر لذلك حذاري ان تفقد يديك او قدميك او أرنبة أنفك ! .. أعلنت حينها الثورة على كندا وعلى جميع الخونة الذين القوا بي الى هذه المهلكة ! .. ومن ثم وجدت نفسي احمل سيجاري في يدي واتجول بعد منتصف الليل في أجواء بلغت 37 درجة تحت الصفر يرافقني غزال شارد فر من قسوة الغابة ووحشتها ! .. الانسان معجزة ربانية تسير بقدمين ! .. وسبحان القائل : ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) .. صدق الله العظيم ،،،

كان الطريق مساء حينما كنا عائدين الى كيب تاون يحمل معه عبق الذكريات الماضية وقد افترش الطريق امامي يحملني الى حيث الاقدار التي نجهلها ! .. في سفر الليل لطالما وقف كثيرا امام ذكريات ماضية تحمل في سطورها قصص الحب والفراق .. قصص الألم والنجاح .. قصص التفكر فيما نحن فيه والى اين نحن نسير .. وكان الله جل جلاله معي في ذلك المكان حيث الطريق والليل وعظيم سلطانه ! .. هنا في كل ما جالت عيني المكان كان الله ! .. كانت تتملكني النشوة والشعور بالرضى والرغبة في لقاء الحبيب ! .. لذى تساءلت : ايها الموت متى نلتقي ؟! .. ثم حاولت غوايته بحسن المكان وتفرده حيث يمكن ان يمارس عمله في انتزاع الروح دون ضوضاء وبعيد عن أعين المتطفلين ! .. فقاطعتني نفسي متسائلة : وهل أحسنت العمل ؟! .. فالتزمت الصمت وأكملت الطريق ،،،

كنا قد وصلنا في وقت متأخر من الليل وكان ان لفت انتباهي في احد الشوارع حين العودة علامة تشير الى اتجاه ما يفترض ان يذهب بك الى مدفع الظهيرة ( Gun Noon ) ! .. وصلت الى الفندق وتساءلت عن كنه هذا المدفع ؟! .. يبدو ان موظف الاستقبال كان يعاني من امساك مزمن ! .. فحين سألته اكتفى بإجابتي بهمهمات تحتاج الى مشعوذ افريقي خبير في فك طلاسمها ! .. لذلك عندما لم أجد منه اجابه كافية اقترحت عليه ان يقضي بقية ليله في الحمام حتى لا ينفجر فجأة ويصبح المكان غير لائق للاستخدام البشري ! .. رفع ضغطي تبا له ،،،

استيقظنا متأخرين وكنا قد اتفقنا ان نقضي اليوم نتجول في انحاء المدينة ونتحرش بسكانها ! .. فنحن بني يعرب ! .. واليعربي الاصيل يجب ان يتحرش بالناس ويضايقهم .. فاذا لم يجد بشرا تحرش بالمخلوقات الأخرى أو حتى الحجارة ! .. المهم ان يثبت عروبته والاخلاق العظيمة التي يتحلى بها !

كانت الساعة على مشارف الـ 11 قبل الظهر ! .. تذكرت انني اريد ان ابدأ يومي بزيارة مدفع الظهيرة والتعرف عن كنه هذا المدفع .. وما هي قصته .. ولماذا الظهر ولم يكن العصر ؟! .. خرجنا في اتجاه السيارة ومررت على الاستقبال اسألهم ؟! .. اجابتني احداهن ان المدفع سوف يطلق بعد اقل من ساعة لذى انصحك ان تزور المكان غدا ! .. قلت لها : بل الآن ؟! .. طالعتني ولم تحرم عينيها الناعستين ان ترمقني بسخرية ! .. حدثت نفسي تبا لك ايتها المتعجرفة السوداء اللامعة في عتمة الليل الدهيم ! .. ورغم ذلك منحتها ابتسامتي ونظرت اليها بشغف وحبور ! .. وعرفت حينها كم نحن مجرمون معشر الرجال ! .. قالت لي : لن استطيع ؟! .. قلت لها : بل استطيع ! .. لقد اصبح الموضوع شخصي فغادرتها على عجالة في سباق مع الزمن ،،،

بخصوص شخصنة الأمور .. نحن بني يعرب من أحمق شعوب الأرض في هذه الصفة ! .. المعذرة ليس جميعنا حمقى ولكن السواد الأعظم منا كذلك ! .. اتذكر موظف جوازات في دولة عربية كان قد اصدر لي رخصة اقامة وبها اخطاء بالطباعة ! .. عدت اليه مستفسرا : ان هنالك اخطاء بالبطاقة ! .. نظر لي وهو يتفحصني كبائع حراج محترف يثمن البضاعة بين يديه فكان ان قال لي : هل تعلمني شغلي .. أيش رأيك تجلس مكاني ؟ .. حاولت ان افهمه ان الله لا يحرمني من طلتك البهية ولكنه برر المشكلة التي اعاني منها انه ليس فاضي ! .. ثم التفت الى زميله يسأله عن ساندويتش البيض ورأيه في نتيجة مباراة ما ! .. هكذا تحول استفساري الى مسألة شخصية .. وغادرته دون اجابة مفيدة ودون تصحيح لخطأ مكتفيا بالقول : وجعلني من بين ايديهم سدا !

تناولت جهاز الـ GPS بين يدي مجددا ولكنه أغمض عينيه وتظاهر بانه نائم ! .. عدو الله .. كم أكرهه ؟! .. استعنت بذاكرتي وتقديري فأيقظت كيب تاون من هدوؤها وعجلات سيارتي تصرخ مولولة من ضغط قدمي على دواسة البنزين ! .. هكذا وجدت نفسي في جبل متجه صعودا بين ازقة منظمة .. وقفت اسأل المارة .. ويبدو ان الناس لم تعتاد تساؤلات الغرباء .. فكان البعض منهم يفر وان اطارده في منظر لم يكن لائقا ! .. هكذا وجدت نفسي فوق قمة تلة بالقرب من جبل رأس الأسد وسوف نتطرق للأخير لاحقا وباق من الزمن ربع ساعة ! .. بحثت في دهاليز عقلي عن تلك الفتاه في الاستقبال حتى اشمت منها من خلال توارد الخواطر ولا أدري اذا ما كان الأرسال قد وصلها أم لا ؟!



( مدفع الظهيرة التاريخي )

المدفع اعلاه باختصار شديد هو تقليد خاص من كيب تاون منذ قرابة 100 عام ! .. كل يوم الساعة 12 ظهرا ينفجر هذا المدفع صارخا كما التقليد العثماني لفكرة مدفع الافطار ! .. وكان هذا المدفع مفيد في التاريخ الماضي حيث كان تسمعه المدينة وايضا السفن في عرض البحر فيعرف الناس او القادمين من البلاد الأخرى ان توقيت كيب تاون الساعة 12 ظهرا فيضبطون توقيتهم على ذلك .. كان المدفع في تله عالية مطلة على المدينة وكان هنالك الكثير من الطلاب الذين اصطفوا حول المدفع لمعرفة تاريخه .. وكان هنالك جالية مسلمة حاضرة بقوة من سكان كيب تاون .. شعرت بالألفة لمنظرهم .. وشعرت في اعينهم بالرضى في تواجدي وهم يتبادلون السلام معي وزوجاتهم يتحدثون مع زوجتي ! .. حضرنا مراسم دوي المدفع وفقدنا اسماعنا لبعض الوقت قبل ان يعود مجددا !



( منظر لملعب كيب تاون الذي انشئ لاستضافة بطولة كاس العالم 2010 م )



( منظر لمنطقة الواجهة البحرية )



( صورة للطرقات المؤدية الى مدفع الظهيرة )

غادرنا المكان واتجهنا لقضاء اليوم في وسط المدينة وكان من المواقف اللطيفة ان شاهدنا شخص يبدو انه يعاني من مشكلة عقلية أو نفسية ما ! .. لم يكن شخصا سويا في تصرفاته وكان مسلم ! .. كان يلحقني من مكان الى اخر وهو يرفع يديه يقرأ الفاتحة حتى يبرهن لي كما يبدو إنه مسلم ! .. وعندما كنت اقف لمشاهدة المعروضات يقف بجواري ويتهجم على البائعين الذين يبدو انهم يعرفونه ويبدأ يكيل لهم الشتائم ويناديهم بالقول ايها النصارى الكافرين ! .. حقيقة لم احرم نفسي من الابتسام .. ولم يكن ذلك والعياذ بالله شماتة مما يعاني .. أو تأييد لكي نهاجم الآخرين .. ولكن يبقى للجنون مساحة لا يمكن ان يصلها الاخرين ! .. ويقال ان رجل كان يكره السلطان ويشتمه في كل مكان .. فتم القبض عليه وتقديمه للسلطان ليأمر بقتله او القاؤه بالسجن ! .. قال له السلطان : لماذا تشتمني ؟! .. ويبدو ان الرجل شاهد غضبة السلطان والرجال من حوله يتقلدون سيوفهم فقال له : أنا مجنون .. والمجنون مرفع القلم عنه ! .. فضحك السلطان وأطلق سراحه ! .. ويبدو ان العالم العربي في حاجة ان يصبحوا مجانين حتى يتحدثوا دون خوف !



( صورة لوسط المدينة حيث شارع كتدرائية جورج S.T Georges Cathedral )

وكنا قد وصلنا اثناء تجولنا الى سوق شعبي يطلق عليه ساحة السوق الخضراء ( Green Market Square ) حيث تباع الطنافس من الاعمال اليدوية من التحف والهدايا ويبدو انه مكان لمساعدة الاسر الفقيرة على العمل والاتجار .. تصرف ذكي جدا من حكومة كيب تاون في دمج الفئات الفقيرة مع المجتمع بدلا من نفيهم او تجاهلهم او منحهم شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع .. وكان ان دخلنا السوق وكان في لقاءنا فرقة شعبية تمارس الرقص .. كانوا ينظرون نحوي .. فقلت لهم : هل تعرفون الرقص العربي ؟! .. فطمر احدهم متطوعا وهو يحرك خصره وجذعه ميمنة وميسرة .. فاجئني تصرفه فانجرت ضاحكا وانا أقول لزوجتي لقد شوه بنات الليل من العرب سمعتنا ! .. قالت لي : بنات الليل في عالمنا هم نخبة المجتمع ؟! .. قلت لها : يبدو انني خربت اخلاقك واصبحت تتكلمين في علم الفضاء ! .. حدثيني عن الطبيخ وأدوات المطبخ هكذا احسن ،،،



( صورة للساحة الخضراء وتبدو فرقة الشيخة الهام شاهين ! )



( صورة من المعروضات في الساحة الخضراء )



( صورة لكنيسة في الساحة الخضراء ويبدو انها تعتني بالأشخاص الذين يعرضون منتجاتهم )

أكملنا سيرنا الى ان وصلنا منطقة اخرى عبارة عن حديقة غناء لبيع الورود والأزهار يطلق عليه سوق الزهور ( Flowers Market ) .. وحقيقة انا من الاشخاص المفعم حبا لهذه المخلوقات النباتية .. لذلك وجدت نفسي التقط الكثير من الصور في مطارة من البائعات اللاتي ضايقهن تطفلي واقتحام محراب ازهارهن !








ثم بعد ذلك توجهنا الى احد الشواطئ في كيب تاون ويطلق عليه ( Green Point Lighthouse ) .. واترككم مع الصور ،،،





( التقطت هذه الصورة وانا اتذكر وصف النبي عليه الصلاة والسلام لحال المسلمين إنهم كغثاء السيل ! .. والله المستعان )





كنا على مشارف المساء وقد اعتصر الجوع الطرف الأيمن من جزر لانجرهانز ! .. فقررنا الذهاب الى الواجهة البحيرة ( Waterfront ) لصعود الدولاب الكبير والذي يقال انه اكبر دولاب في العالم ! .. وفي اليمن هنالك مصطلح شعبي يطلق فيه على الشخص ( الأحمق ) مسمى ( دولاب ) ! .. وبناء على مقدار الحماقة يتم تحديد مقاس الدولاب ! .. فنجد دولاب صغير وآخر دولاب كبير وكل واجتهاده في فن الدولبه !



( هذا اطلقت عليه : دولاب أكبر نوع ! )



( منظر لـ كيب تاون من أعلى الدولاب وقد غشيتها السحب )



( حيا بكم .. تفضلوا على العشاء تحت زخات المطر )



نلتقيكم مع الجزء الـ ثامن إن شاء الله يوم السبت القادم



ودمتـم في خيـر
اضافة رد مع اقتباس