مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #4  
قديم 19/02/2013, 06:44 PM
مجله طله مجله طله غير متواجد حالياً
شبكة الزعيم
تاريخ التسجيل: 26/02/2010
المكان: في المجلس العام
مشاركات: 144






فقرتنا هذه مختلفة من حيث المحتوى والمضمون عما عهدتموه .. نرسوا على مرسى الثقافة .. في شتى بحورها ومحيطاتها

اليوم نرسوا على شاطئ الرواية .. برواية اتخذت من الألم رداء لها , بين صفحاتها تجد المرارة ولوعة الفراق !

تجد الغربة , وتجد الهوية , وتجد الدمعة , وتجد الضحكة , وتجد الحب , وتجد الأخوة , وتجد الشهامة , وتجد الشجاعة

وتجد الضعف , وتجد الأنكسار , آه لن يكفي ما اقول او ما اكتب عن ما ستجده فيها .. فما هي روايتنا ؟


(( رأيت رام الله ))

لـ مريد البرغوثي فلسطيني الجنسية

اصدرت عام 1997

حصلت على جائزة نجيب محفوظ للإبداع عام 1997

.
.
.
( رأيت رام الله )
راوية .. نص شاعري .. سيرة ذاتية ..أدب إنساني ..تاريخ فلسطيني..فلسفة
أي تصنيف شئت !

لن أقول أنها حزينة ؛ لأن كل الأحاديث التي تروي اغتراب الفلسطينين لابد أن تترك غصة !
لكن مريد هُنا .. يكتبُ أحداثه وذكرياته وعصارة أيامه .. بروحه السمحة و لغة الشاعرة
لينسج لنا من الآلام [ لذة ]

وليعذرني إن تللذت بِآلامه !

يبدأ مريد في الفصل الأول من روايته بالجسر الخشبي الرّابط والفاصل بين الأردن وفلسطين
الذي كان قد عبره قبل ثلاثين عاماً ( خارجاً ) من رام الله وهاهو الآن ينتظر السماح له بعبوره ليعود

فيقول : " كيف استطاعت هذه القطعة الخشبية الداكنة أن تُقصي أمة بأكملها عن أحلامها؟..أن تمنع أجيالاً بأكملها من تناول قهوتها في بيوت كانت لها؟ "

.
.
.
ثم ينتقل بعد الجسر
علمٌ اسرائيلي وحارس !
" الحارس فيها يحرُس وطننا.. منّا !
الآخرون هم أسياد المكان..
كل الأجراءات الأمنية والجمركية والإدارية من اختصاصهم هم، من اختصاص (الجانب الآخر) "
.
.
يعود مريد إلى (رام الله) وحيداً .. لكنه جسد الأحباب والأمكنة في خياله..وأعاد أحاديثهم وذكراهم..
تتداعى في ذاكرته صورة أخيه الأكبر (منيف) الذي كان حلمه العودة إلى رام الله ..لكنه مات!

" موته ليس هو الذي منعه من العودة ..بل (منْعه من العودة) هو الذي أماته فيما بعد "

.
.
.
يبدأ مريد بإعادة شريط الذكريات : بداية الحرب وكيف كانت البدايات للنهايات !

فيقول " مدام عيشة ، زميلتنا المتوسطة العمر التي التحقت بالجامعة بعد وفاة زوجها ، جالسة في سيارتها
تحت نخلات الحرم الجامعي، تناديني بلكنة فرنسية و باضطراب:
مٌغيد! مغيدْ! ... الحَغب قامت ، سَأطْنا تلاتة و عِشْغينْ طَيّاغَة! وقفت مائل الجذع ممسكا بباب سيارتها الأيمن ,
كان احمد سعيد سيعدا في مذياع السيارة , والأناشيد عالية , اجتمع حولنا عددٌ من الطلبة , دارت التعليقات
الواثقة منها والمتوجسة . شددت قبضة يدي اليمنى على زجاجة الحبر البيليكان التي لاتفارقني في الامتحانات .
لا اعرف حتى يومنا هذا لماذا رسمت بذراعي قوسا واسعا في الهواء وقذفت المحبرة بكل قوة ,
من هنا, من إذاعة صوت العرب قال لي احمد سعيد أن " رام الله " لم تعد لي وأنني لن اعود اليها المدينة سقطت !


.
.
.

ومن بعدها يعرف الغريب ! بتعريف حزين ومؤلم لاينتج إلا عن معاناة مؤلمة ! فمن ما قال :

" الغريب هو الذي يقول له اللطفاء من القوم .. أنت هنا في وطنك الثاني وبين اهلك .. , هو الذي
يحتقرونه لأنه غريب أو يتعاطفون معه لأنه غريب والثانية اقسى من الأولى !


.
.
.

وبعدها يصل مريد إلى رام الله بعد غياب دام ثلاثين عام , وصل ليلا لم يرى شيئا نام طويلا .. قام صباحا فماذا بدأ به ؟

بدأ مريد صباحه الأول بفتح النافذة ويتساءل عن البيوت الأنيقة فوق (جبل الطويل)
لتأتيه الإجابة
- " مستوطنة "
"يالها من بداية الاستئناف بالوطن ! "


"إذا سمعت من خطيب على منبر كلمة (تفكيك المستوطنات)
فاضحك واضحك كما تشتهي .إنها ليست قلاعاً من الليجو أو الميكانو التي يلهو بها الأطفال .
إنها إسرائيل ذاتها .إنها إسرائيل الفكرة والأيدولوجيا والجغرافيا والحيلة و الذريعة.
إنها المكان الذي لنا وقد جعلوه لهم .المستوطنات هي كتابهم. شكلهم الأول. هي الميعاد اليهودي على هذه الأرض.هي غيابنا.
المستوطنات هي التيه الفلسطيني ذاته."

ذات مساء أخذ محمود درويش ثمانية مؤلفين من (برلمان الكتاب الدولي) إلى تلة تطل على القدس عبر مستوطنات يهودية وحواجز
للجيش يقول درويش :
"أردت أن أريهم كيف تهمشت جغرافية فلسطين بالمستوطنات، كما لو أنها المركز وكما لو أن المدن الفلسطينية هامشية"


.
.
.

الرواية متخمة بذكريات واحداث مريرة

الأمكنة والمدن وذكريات الصبا والصورة الجميلة
دير غسانة..مسقط رأسه
دار رعد..بيتهم القديم
شجرة التين
مكتبة صندوقة ..
زيارة القدس -التي باتت اليوم حلاماً مستحيلا-
ساحة المضافة
بودابست
بيروت
قصائده وديوانه الأول

وأماكن وأوقات وأشخاص .. مات منها الكثير.
"يكفي أن يواجه المرء تجربة الاقتلاع الأولى حتى يصبح مقتلعاً منها إلى الأبدية."


الرواية تحكي بتفصيل شديد الألم عن رحلة العودة المريرة .. وكيف كان يفكر في كل لحظة !

وكانت ايضا تتكلم عن الغربة وتفاصيل سماعه خبر الإحتلال !

الرواية قوية ادبيا , وبلاغيا , ومعنى , وقصة حقيقية !

تجردت وحكت عن حياة ابن القرية الفلسطينية ! خرج من زيتونها واجبانها مختارا ! راضيا ..
عاد لها , قاصداً باكياً لكن لم تكن العودة على ماكان يريد ..

.
.
.

كما أن السطور لاتخلو من الحديث عن أدباء وفنانين بارزين

رضوى عاشور "الروائية المصرية":
إذ كانت تدرس مع مريد في جامعة القاهرة تزوجها فيما بعد وأنجبت "تميم البرغوثي"
إلا أن الظروف السياسية في مصر أقصت مريد ومنعته من الإقامة في مصر منذ كان تميم في شهره الخامس حتى أصبح في الثانوية العامة-
عدا بعض الزيارات والدعوات لحضور الأمسيات الثقافية-

غسان كنفاني..
الروائي الفلسطيني الذي أُغتيل في بيروت من قبل المخابرات الإسرائيلة

محمود درويش ..الشاعر الفلسطيني الخالد
التقى به مريد في فندق(رام الله) وتحدثا في أمور عدة.

.
.
.

حينما ينظر العالم للقدس كرمز مقدس .. كرمز للدين
ويحصرونها فقط في قبة الصخرة !
فإن مريد يذكرنا بجانبها الإنساني

"لايعرف العالم من القدس إلا قوة الرمز.قبة الصخرة تحديداً هي التي تراها العين فترى القدس وتكتفي.
القدس الديانات،القدس السياسة،القدس الصراع هي قدس العالم.
العالم ليس معنياً بقدسنا، قدس الناس.
قدس البيوت والشوارع المبلطة والأسواق الشعبية حيث التوابل والمخللات ،قدس الكليّة العربية،والمدرسة الرشيدية، والمدرسة العمرية،
قدس الجبنة البيضاء، وزيت الزيتون والزعتر،وسلال التين والقلائد والجلود،وشارع صلاح الدين.
قدس حبال الغسيل...
هذه القدس هي قدس حواسنا وأجسامنا وطفولتنا.
هي القدس التي نسير فيها غافلين عن (قداستها) لأننا فيها.
لأنها نحن.
هذه القدس العادية،قدس أوقاتنا الصغيرة التي ننساها بسرعة لأننا لن نحتاج لتذكرها،ولأنها عادية.
العالم معني ب(وضع)القدس،بفكرتها وأسطورتها.
أما حياتنا في القدس وقدس حياتنا ،فلا تعنيه.
إن قدس السماء ستحيا دائما.أما حياتنا فمهددة بالزوال. "

وفي نهاية الرواية ..

لم يغادر مريد رام الله إلا وقد اطمئن من إجراءات (لم الشمل) التي تمكن ابنه "تميم البرغوثي" من رؤية فلسطين

واصدر لها جزء ثاني في عام 2009 اسمه :-

( ولدت هناك , ولدت هنا )

اقتباسات من الرواية :-

" نجحت وتخرجت حصلت على ليسانس من قسم اللغة الإنجليزية وآدابها , وفشلت في العثور على جدار اعلق عليه شهادتي ! "

" لماذا يظن كل شخص في هذا العالم ان وضعه بالذات هو وضعٌ مختلف !؟ هل يريد ابن آدم أن يتميز عن سواه من بني آدم حتى في الخسران ؟ "

" الغربة لاتكون واحدة .. انها دائما غربات ! "

" الليلة وكل من في البيت نائم , والصباح وشيك , اسأل سؤالا لم تجد لي الأيام جوابا عليه حتى هذا المساء ..
مالذي يسلب الروح ألوانها ؟
مالذي , غير قصف الغُزاة أصاب الجسد ؟ "

وهكذا انتهت تحفة ! من تحف الروايات المؤلمة كانت تجسد فلسطين الثروة والعزة في شخصية ابن القرية الكاتب الأديب
اسلوب الرواية يأخذ العقل لتصورها فتجعل كل حرف تقرأه صوره في ذهنك تتخيل الأمكنة والنظرات والمستوطنات .. واخيه منيف ايضا
تتخيل الوجوه والتقاسيم وكل تلك التفاصيل ..
عندما تقرأ الرواية يشدك اسلوبها وتعيش وكأنك تشاهدها فلما ! بل لن يصل افضل المخرجين لأن يصور لك مايكتب بكل تفاصيلها المذهله !
الرواية جميلة جدا انصحكم بها جدا !


اضافة رد مع اقتباس