المواطن ع.خ هو مواطن سعودي مسكين وجهه مُكفهر عادة مُغطى بالشعر يَحسبه أهل الحي مجنوناً وهو ليس كذلك. إنسان لايشكي مُطلقا مَهما ساءت حالتهُ المعيشية. خريج الكليات الصحية وعاطل عن العمل مِنذ 6 سنين, لم يبقي إدارة أو شركة معنية إلا وقد وَضعَ أوراقهُ فيها طلبا للعمل لكن لاحياة لم تُنادي! كالكثير من السعوديين, يحمل هذا المواطن في خلجاتِ قلبه مشاعرَ إنتماءٍ عظيم لهذا الوطن رغم أنه لاينفكُ عن الإنتقال من شِقة إلى أخرى هَارباً من التضخم الهائل في أسعار العقار والتي أصبحت لِعبة في يدي الأمير الفلاني او التاجر العلاني. أنهكته و قصّت سِنام ظهره أُجور الشِقق والتي لايقدر على دفع أجورها الشهرية الباهضة رغم صغر حجمها ورداءة بنائها فـ جُل مالديه هو دَخلُ غسيل التسع سيارات التي يقوم بغسيلها كل صباح وبشكل شهري. وصل بصاحبنا الحال إلى أن يبيت في زريبةِ بطول وعرض 5 في 4 امتار لاتَصلح حتى للبهائم فمابالكم بإنسان يعيشُ في مملكة الإنسانية! وبرغم أن حياة صاحبنا صعبة للغاية ألا إنه لايُفوت أدنى سبباً على نفسه قدّ يَجعلهُ ينفجر ضاحكاً وهو يحمد الله بين الفينة والاخرى أن جعل الضحك والقهقهة بِلا مقابل مالي في هذه الحياة, فهو تعود على أن كلُ شيٍ في هذه الحياة يتطلب مقابل للحصول عليه. تمر الأيام على صاحبنا وهو يجمعُ قوت يومه من غسيل السيارات التي لاتكاد توفر له أقل مقومات الحياة فلا يجد قوت يومه ولاحتى مايسد به أطيطَ بطنه,تجده يُمسك الصَباح ويُفطر مساءً على بصله!-كما يقولون- لايشكي ولايبكي قلبه أصبح ضد نكبات الزمان طوال الست سنين العُجاف بل تجده ينفجر مقهقا في مواقف ليست وقتا للهزل.ورغم أن صاحبنا يَتذكر بين الفينةِ والاخرى الستة عشر سنة التي قضاها في السلك التعليميّ وهاهو في أسوأ حالٍ ورغم هذا فهو لايَيفك عن ذكر الجملة الشهيرة ” الله لايغير علينا ” ويفعل كما يفعل الكثير من أبناء جلدته كلما سمع عن خبر قبض على العصابة الفلانية او المروج العلاني أردفَ قائلا” أهم شي نعمة الأمن والامان “.
ذات ظهيرة وتحت أشعةِ الشمس الحارقة حيثُ يسكن صاحبنا في أحد الأحياء المتهالكة في مدينة الرياض,حدثه عن أمير معروف عند العامة بأنه يساعد المحتاج ويُقدم الخدمات لمن يَلتمسها, فكر صاحبنا بعقله الباطني عن أنه قد يجد ضالته عن الأمير لكن أردف عقله الظاهري ” لايارجال الله لايغير علينا “ !
عاد صاحبنا إلى زريبته وهو مشغول الذهن لاينفك عن تذكر مـ حدثه صديقه وكأن عقله الباطن قد أستيقظ أخيرا ليُنير دربهُ ويشرح له الحال التي وصل فيها بل ذهب صاحبنا إلى أكثر من ذلك بكثير فأخذت أحلام اليقظة تواريه وأخذ يتخيل نفسه في ذاك البرج العاجي الشاهق ويركب تلك السيارة الفاخرة ويخدمه الخدم والعبيد الذين لايعصون له أمرا ويفعلون مـ يُأمرون,وأستمرت الاحلامُ تواريه فلم يستيقظ منها إلا وهو في منتصف الطريق العام وقد أعاق الحركة المرورية وتبعا لِفعلته تلقى عددا من الشتائم والسباب وهو لايعلم اساسا كيف وصل إلى ماوصل إليه فـ جُل مايُدركه هو أنه قد هَامَ في عالمِ الأحلام كثيراً. عادَ إلى بيتهِ والاحلام لاتنفك عن مواردته فـ أنكب على جبهة الورق يَكتبُ المعروضَ الذي سيقدمه غدا للأمير عله يوفر له عملا أو يعينه ماديا, فكلما خطرت بخلده مقدمة معينة أنهال على الورق كاتباً لها وسرعان مايجدها أقل من مستوى ذاك الأمير!مزقها,رماها خلفه,جهز ورقة ناصعة البياض,أمسك القلم بقوة وبدأ من جديد! ظل طوال الليل يجمل الكلامَ وينمقه وعلى هذا المنوال الروتينيِ حتى غلبه الوسن وهو على جبهة الورق.
أستيقظ صباحا على أشعة الشمس النافذة خلالِ جدار غرفته المتهالك بِلا إذن مسطحبتاً معها بعضاً من حراراتها,كانت كفيلةً بإيقاضه كما يحدث يوميا. وقعت عيناها المليئات بالغُمص وآثار النوم العميق على الساعةِ المعلقة على الجِدار فإذا هي قدّ تجاوزت الموعد المحدد لتقديم المعروضات! تماسك ثم لملم أوراقه , لبس ثوبه المُرقع الذي يبدو أنه لايملك غيره هو في الحقيقة كذلك. قبل خُروجهِ مرَ على الثلاجة كعادته عل أمل أن يجدَ شيئا يسدُ رمقه, لاشي كالعادة!! خرج قاصداً سيارته العتيقة والتي من النظرةِ الاولى تعرف أن الزمن أكل عليها وشرب رَكبها وكالعادة لايعمل المحرك من المحاولة الاولى,أخذ يدير المحرك مرةَ وثانية وأخيرا نجح في الثالثة فهمس لنفسه وقتها ” الله لايغير علينا ” تقدم بسيارته بتسارع نحو قصر الأمير وهو يُسمي الله .حينما وصلَ للوجهةِ المعينة ترجل من سيارته وهرول مسرعا عَلهُ يتدارك الوقت, وصل عند باب القصر وهو يجمع أنفاسه وكأنه قد صَال العالم ذهابا وإيابا.دخل من الباب وأنتظر كـ حالِ البقية ,مرت الساعة والساعتين أخذه النُعاس فأستسلم وغفى.ثم مالبث نائما حتى حان دورهُ, قام مُشتتا وأخذ المعروض وسلمه غير مُبالاٍ وخرج من نفس الباب الذي دخل منه ثم عاد أدراجه.
بعد شهر تقريبا, ورده إتصال هاتفي من مساعد الأمير يبلغه بوجوب الحضور غداً لقصر سُموه, رد بالموافقة وأغلق سماعة الهاتف, لم يحرك ساكنا فعقله الظاهري مازال يؤمن بمقولة ” الله لايغير علينا “
عند حلول الصباح الباكر فاق صاحبا من سباته العميق مدركا ان اليوم هو يوم عادي كبقية الأيام. لبس ثوبه وضع شماغه على هامته وقام برش رشتين من عطره الفاخر “بنظره” والذي سعره لايتجاوز العشرة ريالات.سحب جسده لذات القصر بالروتين المعتاد , وصل , ترجل , أغلق الباب بصرامة ولسان حاله يقول الله لايغير علينا, توجه, دخل على مجلس الأمير, صُعق بمعنى الكلمة من حجم الرفاهية التي يحظى بها هذا الأمير ولكن سرعان مـ تراجع بكلامه وقال “وش الغريب؟أكيد هو أمير وأنا مواطن سلتوح وهالأمير يسوى 1000 واحد غيري”. أقترب من الأمير بعد أن قطع المجلس الممل مشيا بالطول أقترب ورى ذلك الشخص المنتصب على ذاك الكرسي الفاخر المُرصع عند أعلاه ببعض الألماس النادر, أخذ الأمير يقلب ناظريه في معروض صاحبنا وأوراقه, صاحبنا لم يحرك ساكنا كعادته, فهو كغيره من السعوديين لايحبذ التغيير حتى لو كان للأفضل ويقصد كل عتيق تقديساً منقع. رفع الأمير ناظريه عن الأوراق وصوب نظره نحو الشاب بنظرة إستحقار وأستعلاء ثم رمى عليه فُتات مالٍ كأنما يرميها لرقٍ مملوك ليس له كرامة, فتلقفها صاحبنا بيديه الخُشن راضياً ثم أردف قائلا : ” الله لايغير علينا ” !!!
مـ يستفاد : نحنُ شعب الله المختار بإعتقدنا, نجزمُ أن وضعنا الحالي من أرغد أحوال العيش بل قد نرى أنفسنا نتفوق من هذه الناحية على زمن القرون الوسطى! لدينا نظرة قاصرة تجاه التغيير حتى وإن كان تغييرا إيجابيا, نقدس العتيق ونرفض بكل الطرق تغييره مما جعلنا نعيش في دوامة من الرجعية.
ماخط أعلاه ماهو إلا من نسج الخيال لكن يلامس واقع المجتمع السعودي, فـ نحن شعبٌ نقدس العتيق ونكره التغيير وأصبحنا علامة مسجلة لن ينساها التاريخ لمقولة ” الله لايغير علينا “
منصور بن فهد
2011/9/22 .. 22:07 م