مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 24/02/2005, 12:25 PM
المحب لزعيم اسيا المحب لزعيم اسيا غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 07/05/2004
مشاركات: 1,715
مافيا الاتصالات في الرياض (تقرير خطير)

[align=center]( الجزيرة ) تقتحم (وكر الثعالب)لتمرير المكالمات الدولية
مافيا الاتصالات تغتصب «حرارة» الرياض بدم بارد



* تحقيق : فهد الغريري:
المكان: البطحاء، التوقيت: بعد صلاة الظهر يوم سبت، قال لي (من الخطر أن تدخل عندهم دون سلاح) قلت له: يارجل . . إننا في وسط الرياض وهم يعلمون أن رجال الأمن في كل مكان، ثم لا تخف فإن لدي من اللياقة والسرعة ما سيمكنني من إطلاق قدمي للريح والهرب وقت الحاجة.

لم آخذ كلامه على محمل الجد حتى دخلت (وكر الثعالب) كما سمّاه مرافقي، هناك فعلاً أحسست بالخوف. (أكثر من 14 بيتاً شعبياً كلها نفس النظام . . إنهم نظام داخل النظام) هكذا علّق أبو وليد ونحن نمشي في أزقتهم، أبو وليد مواطن يحمل همّ هذا الوطن في قلبه، وهو من تبرع بمرافقتي معرضاً نفسه للخطر، وأعطاني المعلومات اللازمة لكشف عصابة لتمرير المكالمات الدولية حيث تستطيع أن تجري مكالمة هاتفية إلى أي مكان في العالم مقابل خمسة عشر ريالاً للعشر دقائق!

إن ربحهم مضمون مئة بالمئة فهم لا يخسرون إلا قيمة التجهيزات فقط أما خط الهاتف المستخدم فهو مسروق من أحد (الكبائن)، هكذا شرح لي رفيقي مدى فداحة الخسائر . .

مؤكداً لي أن خسارة الوطن هي بالتأكيد أكبر من بلايين الريالات التي ترسلها العمالة إلى الخارج سنوياً، إن الخسارة على حد تعبيره هي شعورنا بسرقة مقدراتنا في وضح النهار.

هكذا كنا نتبادل الأحاديث ونحن نتجول في أزقة صغيرة تصب جميعها في شارع (الدركتر)، انتشرت في الأرجاء روائح الأكلات الشرق آسيوية، وتشكلت في الأرض بحيرات صغيرة من المياه التي قذفت بها تلك البيوت ذات الأبواب الصغيرة، والتي خرجت منها الكثير من أسلاك الهاتف (انظر . . . بيت لعمالة وافدة يخرج منه أربعة خطوط هاتف . . . ما تفسير ذلك ؟) قالها مشيراً إلى الأسلاك التي امتدت على الجدران من بيت إلى آخر متسلقة حتى السطوح .

ماذا يحدث في البطحاء ؟ كيف شكلت هذه العصابة تنظيماً إدارياً دقيقاً فيه المدير والمحاسب وموظفو المراقبة والتسويق وحتى الجواسيس ؟ ماذا عن عقوبات القتل التي يوقعونها بالخونة منهم أو بمن يحاول كشف تنظيمهم ؟ ما قصة الغرفة المظلمة التي أدخلوني فيها ؟ و ماذا حدث عندما شك أحدهم فينا بعد أن التقطنا صوراً باستخدام الهاتف الجوال ؟ هذا ما تنقله لكم (الجزيرة)

من خلال هذه الجولة التي تحولت إلى مغامرة مثيرة . . . فإلي التفاصيل:
*******
كانت تلك جولتنا النهارية وسط الأسبوع حيث تجولنا في الأزقة وتسللنا إلى سطوح قريبة اطلعت منها على هوائيات (السيناو) وتمديدات الأسلاك . . بل إني رأيت أحدهم يجري مكالمة فوق السطح، وعندما نزلنا كنت أتحرق للدخول إلى أحد هذه الأوكار ولكن أبو وليد أكد لي أننا لن نتمكن من الدخول واكتشاف الوضع على حقيقته الآن لأسباب عدة كان أهمها اننا نلبس زينا الوطني: الثوب والشماغ والعقال، كان العمال الذين انتشروا أمام الأبواب في الأزقة يتقافزون هاربين بمجرد أن يلوح شماغ من بعيد! ولذلك اتفقنا على أن أحضر يوم الجمعة بعد صلاة المغرب مرتدياً مثلما يرتدون، كما أصر أبو وليد على إحضار شخص آخر يرافقنا لمزيد من الحماية.تجدر الإشارة إلى أن الحكاية بدأت باتصال تلقته (الجزيرة) من أحد المواطنين يفيد بتعرض محل الاتصالات الهاتفية التابع له إلى خسائر ضخمة في منطقة البطحاء بسبب عصابات تمرير المكالمات مؤكداً أنه ليس هو المتضرر الوحيد.ويشتكي الحميدي علي المطيري صاحب المحل قائلاً: في السابق كان دخلنا في الخميس والجمعة يقارب الخمسة والستة آلاف ريال وفي الأعياد يصل إلى 12 ألف ريال، أما الآن فدخلنا ل ايتجاوز الألفين ريال في الأولى والستة آلاف ريال في الأخيرة! سألته - وقد ادهشني الفرق الكبير - إلى هذه الدرجة ؟ فقال: وأكثر من ذلك فهم يزرعون أفرادهم أمام محلات الاتصالات ويبدأون بسحب الزبائن وبالتأكيد أن ربحهم كبير وخسارتنا أكبر فهم لا يدفعون أي تكاليف ...

حتى خطوط الهاتف يسرقونها منا! وأكد المطيري أنه قام بوضع صندوق حديدي على (البوكسية) الموجودة داخل السوق حتى لا يسحبون منها خطوطاً ولكنهم مع ذلك لم ييأسوا ففي كل أسبوع يتم اكتشاف تسريب في الخطوط.


نظام دقيق وتشديد أمني!
الزيارة الثانية: بعد صلاة المغرب يوم جمعة. بعد الجولة الأولى ازددت إصراراً على رؤية ما يدور داخل هذه المنازل التي تم تجهيز أبوابها بعيون سحرية تكشف الواقف في الخارج، يقول أبو وليد: لن يفتحوا الباب إذا رأوا شخصا بملابس أو ملامح سعودية! ولذلك عدت بعد صلاة مغرب الجمعة، وفي ذلك الوقت قد يخيل لك أنك في (بومباي) لولا وجود لوحات السيارات والمحلات! ووجدت دليلي الذي أكد لي أنه دخل عندهم أكثر من مرة وأجرى مكالمات مختلفة لكي يكتشف أوضاعهم من الداخل، كان قد ارتدى ثوباً و سترة سوداء بدون أي غطاء للرأس، سألته ماذا عن الثوب؟ قال ببرود: سيعتقدون أني من اليمن وهذا ما أريده لأننا سنطلب رقماً في اليمن، ثم التفت إلى صديقه الذي أتى معه وظل يمشي خلفنا بخطوات وسأله: هل الرقم معك؟ فأشار إليه بالإيجاب.
كانت الخطوة الأولى هي الدخول في الأزقة وسؤال الواقفين عند الأبواب، وكانت المفاجأة هي رفضهم جميعاً لاستقبالنا بحجة أنهم متخصصين فقط في مكالمات بنجلاديش والهند! وعندما جادلناهم بداعي أن الصفر الدولي مفتوح لأي دولة ذكروا لنا أنهم يقسمون العمل بينهم وأن مكالمات الدول العربية من تخصص زقاق آخر يقبع في الحارة الخلفية.
هنا أكد لي أبو وليد أنهم مرتابون وخائفون منا مشيراً إلى أنهم على درجة عالية من الذكاء والحساسية.عادة عندما تمر بجانب أحدهم متوجهاً نحو محل الاتصالات يقول لك بصوت خافت: تلفون ؟ ثم يتم الاتفاق، وهذا ماحصل لنا بعد خروجنا متجهين نحو المنطقة الأخرى حيث تقدمت تاركاً أصدقائي في الخلف، ويبدو أن سيري منفرداً (بالجنز والقميص) قد أثار طمع المسوقين فإذا بأحدهم يبادرني ثم يقودني إلى أحد تلك الأزقة حيث يقف موظف آخر أمام باب أسود اللون و يبدو أنه موظف الأمن فقد قام بسؤالي بلغته المكسرة: فين يبغا يكلم ؟ وعندما ذكرت له اسم البلد سارع بالسؤال: كم الرقم ؟ لا تندهش من سؤاله عن الرقم ونحن لازلنا في الشارع، إنه يريد التأكد من أنك صادق وذلك بالتأكد من معرفتك للفتح الدولي للبلد الذي ربما تكون قد اختلقته! وبعد أن اطمأن قال لي: أشرة دقيقة خمستاش ريال (عشر دقائق بخمسة عشر ريالاً).

داخل (وكر الثعالب)
قام موظف الأمن بفتح الباب لندخل ثم أغلقه وظل في الخارج، وجدنا أمامنا درجاً ضيقاً مظلماً إلا من نور خافت تسلل من الدور الثاني، فصعدنا إلى الأعلى حيث وجدنا أمامنا رجل يبدو أنه (مدير الفترة) وأشار لنا بالجلوس في غرفة الانتظار التي وجدنا فيها ثلاثة من العمال ينتظرون دورهم فيما طلب منا المدير أن نعطيه الأرقام فكتبها على ورقة وخرج.كانت غرفة الانتظار بأثاثها القديم وجدرانها الشعبية تخلو إلا من مكتب يستخدمه المدير لتسجيل الارقام، وعدد من الكراسي الطويلة تم تنجيدها بقماش رخيص، وفي الزاوية كان هناك تلفزيون وجهاز فيديو وعدد من الأشرطة لاحظت عليها كلمات بحروف شرق آسيوية.أثناء جلوسنا كنا (ندردش) بصوت منخفض عن هذه المنازل وكيف كانت تحوي في السابق عائلات من أكبر عائلات الرياض وكيف أصبحت الآن مرتعا لهذه الطفيليات تنهش في جسد الرياض والوطن، كيف كانت هذه المنازل رمزا للمحبة والأمن والشرف وكيف أصبحت الآن موضعا للخوف والنهب والاستغلال! وعندما طال بنا الانتظار قمنا متصنعين الاحتجاج على المدير لنخرج من الغرفة، ورغم محاولاتهم المتكررة لإبقائنا داخل الغرفة إلا اني خرجت لأكثر من مرة لأتمكن من تصوير ذلك الهاتف (السيناو) الذي وضع على طاولة في الزاوية وبجانبه مروحة للتبريد عليه عندما ترتفع حرارته بالإضافة إلى ساعة توقيت لحساب الدقائق، عندما أعادونا إلى الغرفة للمرة الثالثة أقسم لي ابو وليد انهم بدأوا يشكون في الأمر مطالبا بأخذ الحذر في اللحظات القادمة ترقبا لأي هجوم أو حركة غير متوقعة.

بعد لحظات تخللها الكثير من الاحتجاجات جاء المدير يناديني وخرجت متوجها للزاوية التي يقبع فيها الهاتف ولكنه قال لي: لا . . أنت هنا! وأشار بيده إلى غرفة انفرج بأبها عن ظلام دامس فاقتربت بحذر لأجد غرفة صغيرة يبدو لي أنها كانت دورة مياه وقد وضع في داخلها كرسي واحد فقط، التفتّ إلى (المدير) متسائلا فمد يده لي (بالسماعة) وقال لي: كلام داخل غرفة بس! وكان إجراء المكالمة داخل الغرفة من شأنه إفساد خطتنا بالتقاط صورة لي وأنا أجري المكالمة، ويبدو أن هذا ما قد انتبه له أعضاء العصابة بدليل أني عندما بدأت في المكالمة قمت وفتحت الباب خارجاً في النور مشيراً بيدي إلى صديقي كي يصورني بسرعة فإذا بالمدير يأتي مسرعا من خلفه ويدفعني بقوة إلى الغرفة مرة أخرى ملتفتا بنظرات نارية إلى صديقي وجواله! عندها أنهيت المكالمة بسرعة وخرجت و أخذ مني المدير خمسة ريالات في مكالمة لم تستغرق دقيقتين محتجا بأن اليوم الجمعة ولذلك فالمكالمات غالية الثمن!

ما أجمل الرياض..
عندما خرجنا من الوكر مطرودين لفحني هواء بارد أنعشني، أخذت نفسا عميقا ساعد في تخفيف حدة التوتر الذي مررت به في الداخل، استنشقت الهواء مرة أخرى بقوة رغم الروائح الكريهة في الجو، تأملت السماء وأنا أقول: ما أجمل الرياض لولا هؤلاء! فعلق أبو وليد قائلا: لست وحدك من يقولها . . . بل حتى أصحاب (الكبائن) الذين حاربهم هؤلاء في رزقهم دون أن يجدوا حلا أو مفرا منهم.
وفي عودة إلى محل الاتصالات يقول الحميدي المطيري: نذهب للشرطة فيقولوا ليس من اختصاصنا، قدمنا شكوى للاتصالات فاكتفوا بتحمل قيمة الخطوط المسروقة منا والمكالمات التي أجريت وقت السرقة، ذهبنا للدفاع المدني والمباحث الجنائية فعملوا مداهمة للمكان وألقوا القبض على الزبائن فيما هربت العصابة، نقوم بتقطيع أسلاك هواتفهم فيعيدونها في نفس اليوم، حاولت الهرب ببيع المحل فوجدت خسارتي ستصل إلى 400 الف ريال! هل تستطيع أن تخبرني من هو القادر على مكافحة هذا الوباء الذي ينهش فينا وإبادته تماما حتى ألجأ إليه ؟ أخبرني!

السلم الوظيفي والعقوبات
يبدأ التدرج الوظيفي في هذه المنظمات من المسوقين وهم من يقف أمام (الكبائن) والمحلات في الشوارع الرئيسية، كما يقف حولهم بطريقة عشوائية عدد كبير من الجواسيس الذين يراقبون أي تحركات مريبة خوفا من الجهات الأمنية أو حتى من الخيانات الداخلية! ثم يأتي موظف المراقبة الذي يقف على باب المنزل، أما في الداخل فهناك مدير الفترة ومعه آخرون مهمتهم حساب الوقت والحراسة داخل الموقع. وقد أكد لي رفيقي أن هناك موظفين لن نستطيع رؤيتهم الآن وهم: المحاسب الذي يأتي في آخر كل ليلة ليجمع (الغلّة) بالإضافة إلى المدير العام الذي يوزع الموظفين على الأعمال ويحاسب مدراء الفترات ويأمر بالعقوبات.

سألته: العقوبات على ماذا وما نوعها ؟ قال ابو وليد: العقوبات توجه للخائنين من ابناء الجاليتين البنغالية والهندية وهم من يقوم بالتبليغ أو بعمل أي مخالفة، وتختلف العقوبات ما بين الموت أو على أقل تقدير الضرب حتى تحطيم الأضلاع! مشيراً إلى حادثة قتل البنغالي التي شهدتها البطحاء مؤخرا وأنه يظن سبب قتله يتعلق بموضوع تمرير المكالمات الهاتفية بالذات! علق صديقنا الآخر مازحا: أحيانا لا يكون القتل أو الضرب عقوبة للخائنين، بل قد يكون حماية لهم من رجل أمن أو صحفي فضولي مثلك . . فانتبه!
جريدة الجزيرة[/align]