في عام 2004 كتب غابرييل ماركوتي في عموده الصحفي في صحيفة التايمز ، عن ليش الناس صارت ماتقدّر مهارات غوارديولا في خط المنتصف! ،
وكان عنوانها بـ "التأقلم مع فقدان بيب" ...
" اذا صنعت وصممت آلة طباعه في الثمانينات ، اذا لديك علاقة روحانية مع بيب غوارديولا!، وبشكل مشابه للاعب السابق لبرشلونة، ستكون مميزات
الآلة عتيقة بالوقت الراهن!" ..
هكذا بدأ غابرييل ماركوتي مقالته، لم يكن هدف المقاله تمجيدا لمسيرة بيب غوارديولا الغنية عن التعريف ولم تكن عن قدراته الفنية والذهنية لتحدي الانتقادات
واللعب على مستوى عالي ، مثل باولو مالديني ، ولكن كانت حول كيف اصبحت قدرات غوارديولا في الـ 2004 عديمة الفائدة!
غوارديولا كان وبشكل قابل للجدل افضل صانع العاب متأخر في السنوات العشرون الأخيرة، ولكن وبشكل مشابه لعملية التطور التي حدثت للالات الطابعه عندما
تم استبدالها بالكمبيوترات ، هذا ماحدث لغوارديولا حيث اللعبة الآن اقفلت ابوابها بوجهه.
ليس الهدف من المقال القول بأن مهاراته وقدراته كلاعب قد قلّت، بدنيا كان يعتبر لاعبا عاديا، مجاله كان الوقوف امام المدافعين وتوزيع مختلف انواع الكرات لزملائه
اللامعين امثال هريستو ستويشكوف ، مايكل لاودروب وروماريو الذين يعتبرو اكثر من استفادو من قدراته وحضوره بالملعب. عندما كتب ماركوتي هذه المقالة ،
كان عمر غوارديولا فقط 33 عاما ، وكان من المفترض ان يكون في قمة مستواه!
ولكن الحقيقة هي، انه لم يعد مرغوب به آنذاك. في بداية الألفية الثانية ، اوروبا كانت مهووسة بنوعان من اللاعبين في منتصف الملعب . لاعب وسط قوي
ومفتك للكرات / وصانع لعب كلاسيكي (رقم 10).
معظم الفرق الكبرى كانت تلعب بنموذج destroyer-creator، مثل زيدان ودافيدز باليوفنتوس ، وكين وسكولز في مانشستر يونايتد .
ولذلك ، لم يكن هناك مكان للاعبين الذين يلعبون كصانع لعب متأخرين امثال غوارديولا.
للتعليق حول هذا السياق ، اقتباسا من مقالة ماركوتي: " مهاراته أصبحت عتيقة ، نظام اللعب الحديث اقفل الابوب بوجهه . على الرغم من كونه في
افضل حالاته البدنية ، الا انه ليس هناك مكان له. وبشكل جدير للاهتمام ، عندما يكون اللاعبين الذين يقومون بدور معقد مثل ضبط ايقاع الفريق والحفاظ
على التمريرات مثل غوارديولا ، غير مُقدّرين من المتتبعين للعبة ، هو شئ محبط بشكل او بآخر ".
وعندما اردنا الحصول على وجهة نظر بيب غوارديولا، قال: " اصبحت لاعبا اساسيا بالبارسا بعمر الـ 20 سنة، بسبب وجود مدرب اسمه يوهان كرويف ،
والذي كان يلعب بطريقة مختلفة عن الكرة الشائعة آنذاك ، لو كنت نفس اللاعب قبل 20 سنة موجودا الآن بالبارسا، لم اكن لأصل لمستوى الفريق الأول،
ومن الممكن ان العب بالدرجة الثالثه او ماشابه! " ، ثم اضاف : " ماذا يمكنك أن تفعل؟ ، انا لست سريعا ، لم اكن املك اللياقه التي تجعلني اركض
واركض لمدة 90 دقيقة مثل اللاعبين اليوم ، انا لست جيدا في الكرات الهوائية ، لست قويا بدنيا ، لا اراوغ خصومي ولست مفتكا للكرات ،
ولكن اجيد تمرير الكرة بشكل متقن ".
أي شخص تمكن من مشاهدة برشلونة في بداية التسعينات، سيعرف مباشرة كم هو مقرف ومقلل للشأن عند رؤية مثل هذا التصريح ...
غوارديولا كان يمرر ويستقبل الكرات بدقة مخيفة ، كان يرسل الكرات اينما يريد في الملعب ، لايتحرك كثيرا نحو وعلى الأطراف ، كان دائما امام
لاعبي الدفاع ، نادرا مايخسر الكرات ، كان ببساطة يُسير كامل الفريق بانتظام وببساطة مثل بندول الايقاع!
كان يلمس الكرة مئات المرات بالمباريات، يغير اللعب، يبحث عن الفراغات والحلول، حتى ان تأتي لحظة الالهام عندما يرسل احدى تمريراته التي تقطع
بمنجلها دفاعات الخصوم . على كثر ماكانت دقة تمريراته مخيفة ، ماكان يجعله لاعبا خاصا هو قدرته على تنبؤ اللعب واستكشاف الفرص. لم تكن تحركاته
تأخذ الكثير من الوقت، حيث كان الخصم يتحرك وفق تحرك احد زملاء بيب، و بتغيير بسيط لحركة الجسم من قبل لاعب خط الدفاع للخصم، و بلمحة لخطأ
بسيط في اتجاه الحركة ، بووم! الكرة تصل لهدفها بدقة شبيهه بقاذفات الصواريخ المبرمجه!
اذا كيف لـ بيب ان يقول كل هذا الكلام عن نفسه ؟
يقول بيب آنذاك : " انا لم اتغير!، مهاراتي لم تقل . ولكن الكرة الآن مختلفه عن السابق. هي تُلعب على رتم اعلى وهي بدنية بشكل اكبر. التكتيكات الآن
مختلفه عن ذي قبل . يجب ان تكون مفتك للكرات، مثل باتريك فييرا وادغار دافيدز . اذا كنت تستطيع ان تمرر، هذه نقطه اضافية لك. ولكن وبشكل مركز،
حول دور لاعب الوسط المحوري ، كل شئ يتركز حول الدور الدفاعي. واللاعبين الذين من نوعيتي اصبحوا منقرضين ".
كان ذلك في عام 2004، والان في عام 2010، غوارديولا الان هو مدربا للفريق الحائز على لقب بطولة دوري ابطال اوروبا عام 2009.
المدرب الذي غرس طريقة لعبه ومفاهيمه في برشلونه ، من خلال لعبه بـ ثلاثة لاعبين نظروا اليه كمثل اعلى وتشبعوا بطريقة تفكيره باللعب في خط الوسط
وهم تشافي وانييستا وبوسكيتس على الرغم من ان بوسكيتس يبدو دفاعيا اكثر. تشافي وانييستا ايضا كونوا الثنائي الذي جلب الفوز لاسبانيا ببطولة امم اوروبا على الصعيد الدولي.
اي منذ عام 2004 الى 2010، مضت ستة سنوات منذ ان كانت تعتبر عقلية غوارديولا ميتة، ولكن هي الآن الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم!
عوامل مساعده لرجوع فكر غوارديولا
شئ مثير للاعجاب كيف ان الفكر الفني والتكتيكي في كرة القدم يتغير بشكل سريع! ، احد اكبر العوامل المساعده لرجوع فكر غوارديولا هو آخر تغيير
لقانون التسلل وذلك في عام 2005. والذي سمح للفرق الهجومية بتوسيع رقعة اللعب وذلك بسبب قدرة الفريق على الضغط للامام ووجود لاعبين
في مكان التسلل بدون الخوف من احتساب التسلل لأنه اللاعب لايصبح متسللا الا عندما يلمس الكرة او يتداخل في اللعبه ، فبالتالي اصبح على المدافعين
الاهتمام باللاعبين اذا يكونون بخلفهم وايضا اللاعبين الذين يكونون امامهم ، وهذا مااعطى الفائدة للفرق التي تسعىللهجوم والضغط باكبر عدد ممكن من اللاعبين.
والسبب الآخر، هو تغير الرسم من الـ 4 4 2 الى 4 3 3 او 4 5 1. وهذه الخطط تضمنت وجود ثلاثة لاعبين بمنتصف الملعب ، اي وجود
لاعب وسط اضافي ، والذي اجبر تغيير منظومة destroyer-creator الى destroyer-passer-creator. مثل منظومة
ليفربول التي كادت ان تحرز لقب الدوري ماسكيرانو(destoyer) الونسو (passer) جيرارد (creator).
ولكن ، قد يكون هناك تغيير بسيط اخر . في منتصف سنوات الالفين ، كان هناك هوس بنشر دور مكاليلي كأحد تغيرات التكتيك والتقليل من استعمال
صناع الالعاب الكلاسيكي ذو الرقم 10 (لأنه كان يُراقب بشكل شخصي في المباريات). وهذا بدوره ، قل مع الوقت ، لأنه من يلعب دور ماكاليلي
لم يكن هناك احد ليراقبه بشكل شخصي. بالتالي ، صانع الالعاب اصبح يلعب بشكل متأخر واعمق ، ليصبح اكثر كمنظم للعب ، مثل ماهو موجود
بحالة سيسك فابريغاس واندريس انييستا . واللاعب الدفاعي ، اصبح اقل استعمالا من ناحية افتكاك الكرات وتغير ليصبح ممرر للكرات بنفسه مثل
بوسكيتس وكاريك. وبشكل مفاجئ ، اصبحت المبارزة في خط الوسط ليست بدنية او حول افتكاك الكرة وانما اصبحت كلها ترتكز على التمريرات،
وافضل مثال على هذا مباراة الارسنال والبارسا العام الماضي (2-2).
بالطبع، لايجب ان نقع في الفخ في التفكير بأن هذا المركز او هذا النوع من اللاعبين هو من صنع برشلونة بشكل صافي . هناك العديد من اللاعبين
الشبيهين بغوارديولا ، تمكنوا من النجاح في اوروبا وعلى سبيل المثال اندريا بيرلو ، ولكن حتى في مقالة ماركوتي اشار الى ان غوارديولا
تفطن الى ان دور بيرلو كان ناجحا بسبب اختلاف طريقة لعب الميلان. دافيد بيزارو ايضا لعب دورا ناجحا بسبب اختلاف طريقة لعب روما ،
في الحقيقة روما لعب بدور مختلف بشكل كبير جدا عن باقي الفرق في السنوات الاخيرة. بيزارو لم يجد نفسه بالانتر عندما كان يلعب في خطة 4 4 2.
وايضا، لايجب ان يلمح اي احد الى ان غوارديولا من صنع تشافي وانييستا، هم كانوا مهيئين من قبل مدرسة البارسا. ولكنهم كانوا يحملون الهام واعجاب
كبير اتجاه بيب غوارديولا ، هم لم يكونوا دائما اساسيين في سنوات فرانك ريكارد ، على سبيل المثال في نهائي التشامبيونز 2006 كانوا على مقاعد البدلاء.
اذا، بغض النظر عن ماتوقعه الكل مع بداية القرن الجديد. القوة لم تغلب المهارة، في الحقيقة، النوعية و المهارة هي مهمة بشكل اكبر من ذي قبل .
اعِد قراءة الاقتباسات التي قام غوارديولا بالتصريح عنها، وستظن كما لو انها كانت من عالم اخر، في حين كان لاعبا فائضا قبل 6 سنوات،
فلسفة غوارديولا كمدرب هي الآن بهار كرة القدم.
اين سخرية القدر الكاملة؟ ، عندما بدأ غوارديولا تدريب البارسا ، كان عمره 37 عاما فقط! . وكما تم ذكره سابقا ، قدراته البدنية لم تكن السبب في
اغلاق الابواب امام وجهه (في حين براعته وكماله الاحترافي ، كانوا سيضمنون بقاءه في حاله جيده حتى هذا العمر)، فنياته في التمرير كانت ستبقى
عاليه. اذا، من المنطق القول بأنه كان سيظل يقوم بعمل جيد في ملاعب الكالتشيو او الليغا. مسيرته المهنية كلاعب قد تكون اغلقت بشكل مبكر جدا ،
ولكن كم هو جميل ان يعطي ذلك له الفرصه ليُدخل فلسفته مرة اخرى على الكرة الحديثه بشكل مبكر جدا !.
ختاما ...
من الممكن تلخيص ماتغير في كرة القدم في العشر سنوات الماضية بـ ...
- ان كرة القدم بدأت ترجع للأسلوب الهجومي في السنوات الأخيرة
- لاعب الرقم 10 الكلاسيكي صار غير مرغوب فيه
- لاعب الارتكاز اصبحت له مهام اكبر هجومية والازدواجية في الأدوار شئ يركزو عليه المدربين
- القوة البدنية والسرعه صارت مومهمة كثر ما التمركز والادراك الفني والتكتيكي مهم.
الاستنتاج هنا يكون بــــ
رأينا بروز للاعبين سريعين واقوياء بدنيا ، على حساب لاعبين انيقين ورشيقين امثال ريدوندو وغوارديولا ، هناك لاعبين قد عانوا قليلا في مراكز معينة ..
وبتغيير مراكزهم اصبحوا اكثر عطاء ، امثال بيرلو . ولهذا كان بروز وانخفاض اسهم لاعب الوسط الممرر اكثر اسلوب اخاذ وفاتن في طرق
لعب كرة القدم في السنوات العشر الماضية ... الفكرة من من وراء مقالة الكاتب ، هي ان كرة القدم تتجه بشكل اكبر لطريقة السيطرة على الكرة
من طرق لعب كرة القدم ، ولطالما كان الاحتفاظ بالكرة هو الهدف الأهم في تكتيك المدربين ، سيستمر لاعبو الوسط الغير مثيرين والعاديين
بالظهور بشكل اكثر على الساحة !
إعداد وتصميم : رابطة عشاق برشلونة
