مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #138  
قديم 31/01/2011, 03:58 AM
وقت الغروب وقت الغروب غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 10/10/2008
المكان: فى قلب الهلال
مشاركات: 3,349
مقياس "ريختر".. وكارثة جدة بعد عام..!!

سيل جرار! وطوفان مهول! وسيارات تُجرَف كاللعب! وجثث تطفو على الماء! وأطفال يغرقون! وشيبة مُسْلم ينفجر بالبكاء لفقده جميع عائلته، حتى ليشفق عليه من حول!! وبيوت يغمرها الماء فيهلك أهلها وهم نائمون! وأُسَر تتشرد! وأمهات يصرخن ألماً وأسى على موتاهن! وأطفال ونساء يصابون بالذعر والفزع!!.. إنها كارثة أربعاء جدة قبل عام من الآن، وها هي الكارثة تتكرر في اليوم نفسه بعد عام وشهرين!

لقد أدت هذه الصدمة الكبرى إلى اتخاذ خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - موقفاً صارماً وحازماً تجاه الفساد والمتسببين، وتم تكوين لجنة لتحري الحقائق برئاسة الأمير الحازم خالد الفيصل، وأُعلنت حرب وتصريحات ضد الفساد والفاسدين، وقد أحدثت هذه الصدمة ذعراً لدى الفاسدين في أنحاء المملكة وفي مختلف الوزارات وفروعها، وكانت بمثابة هزة أرضية ضد الفساد بلغت (5.0-5.9) درجة بمقياس "ريختر"، وهذه الدرجة عند المتخصصين تمثل هزة يشعر البشر بها مع تحرك الأشياء، وظهور صوت للزلزال تتضرر بسببه المباني الضعيفة بشكل كبير!! ولكن المباني القوية لا تتضرر كثيراً!! فقد سقطت الصحون وتكسر الزجاج وارتاع الفاسدون من هذه الهزة، وأصبحوا في خوف وترقب لما يلي هذه الهزة من عقوبات وملاحقة لهم، وكان ذلك ملموساً في أوجه هذه النوعيات في كثير من الإدارات!! يلمسه كل ملاحظ! إلى درجة أن بعض هؤلاء بادروا بتعميم تعاميم تخالف مآربهم كانوا قد أخفوها كل ذلك خشية المساءلة، بل وصل الأمر إلى تصريح العديد من هؤلاء في وسائل الإعلام بذم الفساد والفاسدين! من باب التمويه! على حد المثل المشهور "كاد المريب أن يقول خذوني!!"، ثم إنهم وجدوا أن العاصفة قد هدأت، وأن المياه قد رجعت إلى مجاريها ولم يُسمع بتلك العقوبات إلا بشكل بسيط؛ فلم تتعرض بعض الإدارات في أنحاء المملكة إلى مراقبة دقيقة! ولاحظ العديد من هؤلاء أنه بقي كل شيء على حاله! وهذا يُذكّر بالمثل المشهور في نجد "خل كل شيء على تراكيبه"؛ وقد دعا كل ذلك إلى عودة جحافل الفساد لمزاولة نشاطها براحة تامة، في مواقع مختلفة! بل بعض هذه الجحافل عاود مزاولة نشاطه بشراهة!! وبعد عام وشهرين هذه الكارثة تعود، وفي اليوم نفسه!! وبشكل أكبر!! وهذا يجعلنا نتذكَّر قول الله تعالى: {وإن عدتم عدنا}!! وكان من المفترض أن يوظَّف الحدث الأول لإصلاحات بشكل أفضل ابتداء بموقع الكارثة، وانتهاء بسائر الأجهزة الحكومية خارج جدة، وأن تكون هذه الهزة وسيلة لتسريع وتحقيق استراتيجية مكافحة الفساد.. ونتمنى أن نستفيد من الدرس الثاني.

أما أولئك المتسببون في كارثة جدة أو غيرها أيظنون أن الله غافل عنهم؟! أم يحسبون أن هذه الأرواح التي زهقت وهذه الأنفس التي ذعرت وهذه الأُسَر التي شُرِّدت قد خلت ذممهم من تبعاتها ومن سؤال الله عنها؟!!.
أيظن من تقاضى أموالاً كثيرة كانت أو قليلة لأجل احتواء مساحة لا تصلح للبناء بأي طريق كانت!! أو المساهمة في نهب مشروع!! أو الحصول على رشوة! للتقصير في واجب أو الإخلال بمعيار هندسي أن الله غافل عن عملهم هذا؟؟. أيظن من تسببوا في معظم هذه الحوادث قديماً أو حديثاً، ممن ظهرت أسماؤهم أو اختفت لجهل الناس بهم أو الخوف من التصريح بأسمائهم، أنهم قد نجوا من عقاب الله أو من محاسبته! {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون. ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين}!!! ألا فليعلم هؤلاء أن لهم في هذه الدنيا مندوحة للعودة والاعتراف بالخطأ ولو بينهم وبين ربهم!! حتى لا يأتي اليوم الذي لا مخرج لهم منه! حين يُقتَصّ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء! فكيف بحقوق البشر؟!! وفي قصة ذلك الرجل من بني إسرائيل - وأخبار بني إسرائيل تُروى ولا يجزم بها ولا تُكذّب - حين مُنع عنهم القطر من السماء واشتد بهم الحال؛ فاستقوا فلم يُسقوا، فسأل الله موسى، فأخبره بأن فيكم عبداً يبارزني منذ أربعين سنة بالمعاصي، فنادى في الناس "ليخرج من بين أظهركم فبه مُنِعتم". ثم إن هذا الرجل تاب وصدق فيما بينه وبين الله؛ ففرج الله عنهم؛ فقال موسى مخاطباً ربه: بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد؟! فقال: يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم!!

ألا فليتب هؤلاء فيما بينهم وبين الله، وليصلحوا ما أفسدوا بالطرق المناسبة، ولا يلزم أن يتعرّف عليهم الناس، إنما الغاية أن يحيى الضمير في نفوسنا جميعاً، وأن نصلح الخطأ بأي طريق، وأن تُردّ المظالم! {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة39

أما المكلومون من أهل جدة فنقول لهم ما قاله الحسن البصري: "لا تكرهوا البلايا الواقعة، والنقمات الحادثة، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك"؛ وهذا يدعوهم ويدعونا جميعاً لمراجعة النفس والتأمل في حق الله تعالى من الإقلاع عن المعاصي وتجديد التوبة، وعدم إقرار المنكرات التي قد نشاهدها ونتعامى عنها!!! ولا ينبغي أن تمر هذه الحوادث على أنها كوارث طبيعية بعيدة عن تخريجها التخريج الكوني الشرعي! فقد اشتهر لدى أهل العلم الحكمة القائلة "ما نزل بلاء إلا بذنب وما رُفع إلا بتوبة"، والنصوص شاهدة على ذلك؛ قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} الشورى30.
اضافة رد مع اقتباس