جميع الشخصيات الهامة التي تطالعنا عبر شاشات التلفاز وعبر قصاصات الصحف تحمل تلك الشخصية التي تعطي ايحاء بمدى اهميتها وغموضها عطفا على ارتدائها تلك النظارة التي تم طلائها بالسواد واعاقت على الآخرين مساحة لقراءة العينين أو تبيان ملامح الشخص الذي يرتدي هكذا نظارة ،،،

حقيقة منذ طفولتي عندما كانت تنبع من عيني البراءة وتقطر من تقاسيم وجهي الدعة ( اذا كان هنالك شئ من ذلك ! ) في منظر لطالما شاهدت نفسي عبر صوري القديمة وجعلني أذرف الدموع مدرارا على تلك المرحلة الانسانية التي كنت اعيشها قبل ان اصبح مواطن صالح يبرز من وجنتيه بضع أنياب لممارسة متطلبات الحياة في الإفتراس البشري !

كنت حينها اتطلع لذلك اليوم الذي استطيع من خلاله اقتناء نظارتي السوداء الشخصية لكي أمنح شخصيتي مساحة من الأهمية والغموض إقتداء بمنهاج اصحاب السعادة من ذوي النظارات السوداء ،،،

مضت السنون سراعا وأذ بي اصبح قادرا ان اتوجه بملئ ارادتي الحرة الى معرض لبيع النظارات أو ( المباصر ) وفق اللهجة اليمانية وأشير بأزدراء كما تتطلب بروتوكولات الاشخاص المهمين بطرف سبابتي نحو احدى المباصر وأطالب وأنا أحكم قبضتي وأهوي بها بعنف على تلك الطاوله في حقي المطلق والحصري في أمتلاك احداهن ! وكان لي ما اردت .. ولكنني لا زلت اتسائل : هل حصلت عليها عطفا على قدرتي الشرائية أم ان تصرفي قد اصاب البائع بالهلع فأراد ان يكف نفسه شر تصرفاتي وتطلعاتي الغاشمة فمنحني اياها دون قيد أو شرط !

تسللت الى حجرتي في جنح الظلام مثل سارق محترف وهو يحمل بين يديه ذلك الحلم الذي طال إنتظاره .. نعم فالنظارة السوداء ليس مجرد أداة ! بل يبدو وفق قناعاتي ومشاهدتي للقنوات الإعلامية انهاء تعطي حاملها شئ ما يجب التعرف عليه .. والإ لماذا يحرص كل شخص يحمل أسمه صفة ( V.I.P ) على اقتناؤها ! سؤال منطقي يحتاج الى تجربة منهجية في خطوات علمية محضة !

ارتديت نظارتي ووقفت امام المرآة اشاهد نفسي .. ولكنني لم أتمكن من المشاهدة لكي يتبين لي ان اضاءة حجرتي كانت مغلقة ويغلفها ظلام مطبق ! فلعنت المصباح الذي لا يمتلك بعض اللياقة في التعامل بمفرده نحو الحدث الجلل الذي انا بصدد الإقدام عليه ،،،

اتذكر ذات يوم عندما كنت في زيارة لدولة عربية شقيقة حبيبة الى قلوبنا .. وبينما كنت مستقل سيارة الأجرة ويرافقني أخ حبيب .. أخذت اجوب بناظري طرقات تلك المدينة وتقاسيم وجوه اهلها والمعالم التي قد تشدني لزيارتها لاحقا خلال فترة اقامتي .. وحينما توقفت بنا سيارة الأجرة عند أحدى الإشارات المرورية كان امامي مباشرة حافلة وقد وضعت في مؤخرتها ملصق اعلاني يضم ثلاث رجال وهم يرتدون النظارات السوداء ! فتحدثت دون قيد أو شرط اتسائل عن ماهية الشركة التي تعلن عن ( نظاراتها السوداء ) من خلال هذا الملصق .. ولكنني شعرت أن هنالك خطأ ما وصديقي من خلف المقعد وهو يتنحنح وأنا ارد عليه بالقول : يرحمك الله ! بينما رأيت في عيني السائق بجواري امارات الفزع .. فمددت له قنينة الماء في يدي وانا اقول له : ليس امامك سوى العافية ! ظنا مني انه ربما اصيب بجلطة دون موعد مسبق في البطين الأيسر من القلب ! فيما بعد حدثني صديقي هامسا وهو يتلفت ميمنة وميسرة وتحت الطاولة ان ذلك الملصق كان يحمل صورة رئيس البلاد وأبناؤه .. فبلعت وفق المفردة النجدية ( العافية ) وتسائلت : هل هنالك طائرة نستطيع ان نستقلها في التو واللحظة عائدين الى ديارنا .. ولم انسى ان انهي عبارتي بمفردة : أرجوك !

نعود الى حجرتي .. وانا اشاهد نفسي أخيرا بنظارتي السوداء الفاتنة ! حقيقة لم يعجبني مظهري فقد تملكت النظارة معظم تقاسيم وجهي ولم يبقى منه سوى ( لقف ) وهي مفردة يمنية تعني ( فم ) ! وجزء لم يتبين لي في بادئ الأمر ماذا يكون ولكن فيما بعد ظهر إنه أرنبة أنفي !


تم إضافة ( الجزء الأخير ) من الموضوع وما يستفاد منه في الصفحة رقم ( 2 ) .. فكونوا بالقرب ،،،