مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #47  
قديم 04/11/2010, 05:00 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الزعيم%الهلالي
الزعيم%الهلالي الزعيم%الهلالي غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 08/03/2010
المكان: الشرقيهـ
مشاركات: 3,693
19- وعن زرِّ بن حُبيش قال: أتيت صفوان بن عسال - رضي الله عنه- أسأله عن المسح على الخفين، فقال: ما جاء بك يا زر؟ فقلت: ابتغاء العلم فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب، فقلت: إنه قد حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفرًا- أو مسافرين- أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم، فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئاً؟ قال: نعم: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فبَيْنا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري: يامحمد، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته: (( هاؤم )) فقلت له: ويحك أغضض من صوتك فإنك عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نهيت عن هذا!! فقال: والله لا أغضض .قال الإعرابي : المرء يحب القوم ولما يحلق بهم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب يوم القيامة)) فما زال يحدِّثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه – أو يسير الراكب في عرضه- أربعين؛ أو سبعين عاما. قال سفيان- أحد الرواة-: قبل الشام، خلقه الله - تعالى- يوم خلق السماوات والأرض مفتوحاً للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس منه))(63) [رواه الترمذي وغيره وقال: حديث حسن صحيح] .


الشرح
هذا الحديث من أحاديث التوبة التي ساقها المؤلف -رحمه الله- في بيان متى تنقطع التوبة. لكنه يشتمل على فوائد:
منها: أن زر بن حبيش أتي إلى صفوان بن عسال- رضي الله عنه- من أجل العلم- يبتغي العلم- فقال له صفوان بن عسال: ((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب)).
وهذه فائدة عظيمة تدل على فضيلة العلم، وطلب العلم؛ والمراد به العلم الشرعي، أي: عِلمُ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أما علم الدنيا فللدنيا، لكن طلب العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فيه الثناء والمدح، والحث عليه في القرآن والسنة. وهو نوع من الجهاد في سبيل الله، لأن هذا الدين قام بأمرين:
قام بالعلم والبيان، وبالسلاح: بالسيف والسنان.
حتى إن بعض العلماء قال: ((إن طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله بالسلاح)) لأن حفظ الشريعة إنما يكون بالعلم، والجهاد بالسلاح في سبيل الله مبني على العلم، لا يَسيرُ المجاهد، ولا يُقاتل ، ولا يحجم، ولا يقسم الغنيمة، ولا يحكم بالأسرى؛ إلا عن طريق العلم، فالعِلمُ هو كل شيء.
ولهذا قال الله عز وجل: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة:11]، وَوَضْعُ الملائكة أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب واحتراماً له، وتعظيماً له، ولا يُرَدُّ على هذا أن يقول القائل: أنا لا أحس بذلك؟ لأنه إذا صح الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كالمشاهد عيانا.
أرأيت قوله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا- تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له))(64).
نحن لا نسمع هذا الكلام من الله- عز وجل- لكن لما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم صار كأننا نسْمعه، ولذلك يجب علينا أن نؤمن بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وبما صح عنه مما يذكر في أمور الغيب، وأن نكون مُتَيقِّنين لها كأنما نشاهدها بأعيننا ونسمعها بآذاننا.
ثم ذكر زر بن حبيش لصفوان بن عسال أنه حك في صدره المسح على الخفين بعد البول والغائط.
يعني أن الله تعالى ذكر في القرآن قوله:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[المائدة:6] ، فيقول إنه حك في صدري؛ أي: صار عندي توقف وشك في المسح على الخفين بعد البول أو الغائط هل هذا جائز أو لا ؟
فبيَّن له صفوان بن عسال- رضي الله عنه- أن ذلك جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا سفراً أو مسافرين أن لا ينزعوا خِفَافهم إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم، فدل هذا على جواز المسح على الخفين، بل إنَّ المسح على الخفين أفضل إذا كان الإنسان لابسًا لهما.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فأهوى المغيرة لينزع خفيه فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما))(65) .
ففي هذا دليل واضح على أن الإنسان الذي عليه جوارب، أو عليه خفان؛ أن الأفضل أن يمسح عليهما ولا يغسل رجليه.
ومنها: أنه ينبغي إذا أشكل على الإنسان شيء أن يسأل ويبحث عمَّن هو أعلم بهذا الشيء؛ حتى لا يبقى في قلبه حرج مما سمع، لأن بعض الناس يسمع الشيء من الأحكام الشرعية ويكون في نفسه حرج، ويبقى متشكِّكاً متردِّداً، لا يسأل أحداً يزيل عنه هذه الشبهة، وهذا خطأ، بل الإنسان ينبغي له أن يسأل حتى يصل إلى أمر يطمئن إليه ولا يبقى عنده قلق.
فهذا زر بن حبيش- رحمه الله- سأل صفوان بن عسال- رضي الله عنه- عن المسح على الخفين؛ وهل عنده شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم.
فهذا الحديث فيه دليل على ثبوت المسح على الخفين، وقد تواترت الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأخذ بهذا أهل السنة، حتى إن بعض أهل العلم، الذين صنَّفوا في كتب العقائد، ذكروا المسح على الخفين في كتاب العقائد؛ وذلك لأن الرافضة خالفوا في ذلك؛ فلم يُثبِتوا المسح على الخفين وأنكروه، والعجب أن ممن روى المسح على الخفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومع ذلك هم ينكرونه ولا يقولون به، فكان المسح على الخفين من شعار أهل السنة ومن الأمور المتواترة عندهم؛ التي ليس عندهم فيها شك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام أحمد: ((ليس في قلبي من المسح شك))، أو قال: ((شيء فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه)) ولكن لابد من شروط لجواز المسح على الخفين:
الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حينما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ، ومسح عليهما)).
ولا فرق بين أن تكون هذه الطهارة قد غسل فيها الرِِّجل، أو مسح فيها على خفٍّ سابق.
فمثلاً: لو توضأ وضوءاً كاملاً، وغسل رجليه، ثم لبس الجوارب؛ يعني الشرَّاب أو الخفين، فهنا لَبِسَهُما على طهارة.
كذلك لو كان قد لبس جوارب من قبل ومسح عليهما، ثم احتاج إلى زيادة جورب ولبسه على الجورب الأول الذي مسحه- وهو على طهارة-، فإنه يمسح على الثاني، لكنْ يكون ابتداء المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني ؛ هذا هو القول الصحيح؛ أنه إذا لبس خفًّا على خف ممسوح فإنه يمسح على الأعلى، لكن يَبني على مُدة المسح على الأول.
ولابدَّ أن تكون الطهارة بالماء، فلو لبسهما على طهارة تيمُّمٍ فإنه لا يمسح عليهما؛ مثل رجل مسافر ليس معه ماء، فتيمَّم ولبس الخفين على طهارة تيمم، ثم بعد ذلك وجد الماء، وأراد أن يتوضأ، ففي هذه الحال لابد أن يخلع الخفين ويغسل قدميه عند الوضوء، ولا يجوز المسح عليهما في هذه الحال، لأنه لم يلبسهما على طهارة غَسَلَ فيها الرجل، فإن التيمم يتعلق بعضوين فقط؛ وهما الوجه والكفان.
الشرط الثاني: أن يكون المسح عليهما في الحدث الأصغر، ولهذا قال صفوان بن عسال: ((إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم)) فإذا صار على الإنسان جنابة؛ فإنه لا يجزئ أن يمسح على الجوربين أو الخفين، بل لابد من نزعهما وغسل القدمين؛ وذلك لأن الطهارة الكبرى ليس فيها مسح إلا للضرورة في الجبيرة، ولهذا لا يمسح فيها الرأس، بل لابد من غسل الرأس - مع أنه في الحدث الأصغر يمسح؛ لكن الجنابة طهارتها أوكد وحدثها أكبر، فلابد من الغسل، ولا يمسح فيها على الخف؛ لهذا الحديث، ولأن المعنى والقياس يقتضي ذلك.
الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، كما صح ذلك أيضاً من حديث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- في صحيح مسلم قال: ((جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم))(66).يعني: في المسح على الخفين:
فإذا انتهت المدة فلا مسح، لابد أن يخلع الجوربين أو الخفين، ثم يغسل القدمين، ولكن إذا انتهت المدة وأنت على طهارة فاستمرَّ على طهارتك، لا تنتقضُ الطهارة، ولكن إذا أردت أن تتوضأ بعد انتهاء المدة فلابد من غسل القدمين.
ثم إن زر بن حبيش سأل صفوان بن عسال: هل سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الهوى شيئاً؟
الهوى: المحبة والميل، فقال: نعم، ثم ذكر قصة الأعرابي الذي كان جهوري الصوت فجاء ينادي: يا محمد؛ بصوت مرتفع.
فقيل له: ويحك! أتنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع؟ والله - عز وجل- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[الحجرات:2] ، ولكن الأعراب لا يعرفون الآداب كثيراً؛ لأنهم بعيدون عن المدن وبعيدون عن العلم.
اضافة رد مع اقتباس