مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #8  
قديم 03/10/2004, 10:40 AM
prince1111 prince1111 غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 02/12/2001
المكان: نادى الهلال
مشاركات: 2,420



############## الحلقة الثامنة: ##############

عدي يصيب وطبان في رجله
بـ «بندقية سيلفستر ستالوني»
صدام يفتش عن عدي
وحسين وصدام وكامل يهربان إلي الأردن


لم يدم الأمر طويلا حتي أعلن صدام حسين يوم الثامن من أغسطس، اليوم الذي انتهت فيه أخيرا الحرب الدموية والسخيفة ضد إيران عيدا قوميا في العراق ـ «يوم الأيام» ـ. في كل البلاد كان يتم الاحتفال بـ «النصر» علي العدو في الشرق بمظاهرات ضخمة وبالعروض العسكرية، كما كانت القيادة الحكيمة للرئيس ومجهوداته في أثناء ثماني سنوات من الحرب الصعبة موضوعا لأناشيد إطراء لا حصر لها من جانب الشعب المتوحد والشكور.

تحلل العائلة
عادة ما كانت الاحتفالات والأعياد تبدأ في المغرب، وإذا حكمنا بناء علي ما كان سائدا من أجواء الفرح فإن يوم الثامن من أغسطس من عام 1995 كان سيعني مجددا واحدا من أعظم الأيام لصدام.

بدلا من ذلك كان هذا اليوم هو بداية تحلل عائلته، بدءا من ابنه عدي، فأخيه الأصغر غير الشقيق وطبان، ثم كل من زوجي الابنتين حسين وصدام كامل اللذين كانا متزوجين من ابنتيه رغد ورنا.

وطبان الذي فقد نفوذه ولم يعد يشغل الآن سوي منصب «مستشار الرئيس» بعدما كان في السابق وزير داخلية العراق، كان يحتفل بـ «يوم الأيام» عند صديقه حسن الخطاب الذي كان يملك مزرعة صغيرة تقع علي الطرف الجنوبي لمدينة بغداد. كان هناك ما يقرب من المائة والخمسين شخصا من الجنسين مشاركين في الاحتفال. مغنين، وموسيقيين، وراقصات قدموا عروضهم، وحِملان كاملة كانت موضوعة علي الشواء، أما الخمر فكان يسيل أنهارا.

علاوة علي ذلك شارك القوادون البارزون بمجهوداتهم إلي حد ما في الاحتفال، فلم يكن من اللائق علي أي حال أن يفشل الحفل لغياب مجهوداتهم.

نادي برزان
عدي أيضا كان يقيم احتفالا في «نادي الزوارق» علي نهر دجلة في بغداد. عندما كان العم برزان في منتصف الثمانينات، بوصفه رئيس المخابرات القوي، لا يزال يتمتع بحظوة صدام بُني هذا النادي للضباط والعاملين البارزين لجهاز المخابرات المهيب كمكان للترفيه. عندما أصبح برزان خارج رحمة صدام آل هذا النادي إلي الرئيس. كان الرئيس يحتفظ به لقيادات حزب البعث، وللضباط ذوي الرتب العليا، وللوزراء، ولأسرهم كذلك. كان الطعام والشراب، بما فيه المشروبات الروحية، متوافرا بكميات كبيرة ، ولفترة طويلة تمتع نادي الزوارق بسمعة طيبة علي أنه الملهي المستديم لنخبة النظام. إلا أن صدام أغلق في عام 1992 محابس الخمور، ولم يعد تقديم البيرة، والنبيذ، والكحوليات مسموحا به في نادي الزوارق، كما كان علي الضيوف المميزين من ذلك التاريخ أن يدفعوا بأنفسهم ثمن الطعام. بدأوا في الاختفاء شيئا فشيئا، وبعد أن أصبح الملهي الواقع علي ضفاف النهر مهجورا رأي عدي أن الساعة قد أتت، واستولي علي النادي في هدوء شديد. أمر حفنة من حرسه الخاص بالتوجه إلي هناك وفرض السيطرة، كما عين طباخا جديدا ونادلين جددا.

كان الملهي بصالته الكبيرة، وبمطعمه، وبباره الذي يبدو كسطح سفينة، بما كان يحيطه من مساحات خضراء، وبإطلالته الكبيرة الجميلة علي نهر دجلة كأنه خُلق لمجالس المجون الخاصة بابن الرئيس. كان يستخدم بكثرة، وكانت معظم حفلاته تُقام هنا.

فتيات صغيرات السن
في عشية «يوم الأيام» من عام 1995 كان هذا الملهي الشاطئي ممتلئا بفتيات صغيرات السن. طبقا لأقوال صديق عدي وسكرتيره الشخصي ظافر محمد جابر كان هناك زحام يقرب من خمسمائة امرأة، أما هم فكانوا ما بين ستة أو سبعة رجال إذا اسُتبعد الحرس الخاص الذي كان يراقب الموقف. كان عدي لا يشبع من الأشياء التي كان يُعجب بها.

قل في العاهرات ما شئت، لكن بعضهن كن أكثر جاذبية من الأخريات. في مزرعة حسن الخطاب أدي هذا الوضع إلي كارثة بشكل أو بآخر، حينما أخذ الاحتفال بالعيد الوطني يقترب من مرحلته الحميمية. كان خيار وطبان الأول امرأة رائعة الجمال، وهو الأمر الذي تسبب في وقوع القلاقل، لأن وزير الداخلية لم يكن الوحيد الذي كان يضع عينيه عليها.

فلؤي خير الله كان كذلك مأخوذا بها، وهو لم يكن في تلك العائلة المكونة من الأعمام، وأولاد العمومة، والأصهار من الرجال والنساء وغيرهم من الأقارب الذين كانوا علي رأس الهرم الحاكم في عهد صدام، كان شخصا عاديا.

مملكة الليل
كان لؤي أخا زوجة صدام ساجدة، أي صهره. لكن الأمر لم يقتصر علي ذلك، فأخته كانت متزوجة من وطبان بالذات.

إذن كان اثنان من الأصهار يسويان حساباتهما بسبب ملكة الليل، مما ستكون له عواقب وخيمة.

بدأ كل شيء عندما طلب لؤي من أحد أصدقائه أن ينتزع من يدي وطبان جميلته المختارة، وهو الأمر الذي باء بالفشل. أمر وزير الداخلية اثنين من حرسه الخاص بالتدخل وبالتنكيل بمبعوث صهره، الذي عاد إلي لؤي بخفي حنين والدماء تنزف منه أنهارا. تشاور الصديقان الثملان مليا عما يجب فعله، ووصلا إلي نتيجة مفادها أنهم في حاجة ماسة إلي الدعم.

فكر الاثنان في عدي وتوجها من فورهما إلي نادي الزوارق ليطلبا العون. لم يقدر ابن الأخت أن يقول «لا»، بعدما عرض عليه الخال لؤي وصديقه الذي كان في حالة رثة مرادهما. عدي نفسه الذي كانت الخمر قد لعبت برأسه إلي حد ما كان قد اقتني منذ وقت قصير بندقية جديدة تماما من طراز «جاك هامر». يستعمل سيلفستر ستالوني وأرنولد شوارزنيغر في أفلامهما مثل هذا النوع من الأسلحة النارية اليدوية. لذلك شعر ابن الرئيس أنه مجهز تجهيزا جيدا للوقوف بجانب خاله في تصفية حساباته.

كان الحفل لا يزال قائما علي قدم وساق، لكن وطبان ومعظم حرسه الخاص كانوا قد غادروا مزرعة حسن الخطاب، عندما ظهر عدي ليستوضح الأمر، هو ولؤي، وصديقه المعتدي عليه، وظافر محمد جابر وثمانية من حرسه الخاص. تم التنكيل بمن كان موجودا من أصدقاء وزير الداخلية وحرسه الخاص الذين أوسعوا صديق لؤي ضربا، ثم أطلق عليهم الرصاص.

إصابة في رجله
بعد ذلك قام عدي بإطلاق النار علي المشاركين في الحفل من بندقيته الجديدة. قُتل ثلاثة وجُرح كثيرون.

بعد ذلك عاد وطبان لأنه في أثناء مغادرته الحفل انتبه إلي موكب سيارات عدي وعاد ليستوضح ماذا كان في نية ابن أخيه. وما كان عليه فعل ذلك، لأنه عندما هبط من سيارته المرسيدس الكبيرة سوداء اللون مع حرسه الخاص فتح عدي النار من جديد. أُصيب عمه في كلتا ساقيه. لم يجرؤ حرسه الخاص علي الدفاع عنه، ففي آخر المطاف كان ابن صدام هو من يطلق النار.

تفجرت الدماء. وكان وطبان غائبا عن الوعي عندما وضعه عدي في سيارته واتجه به إلي مستشفي ابن سينا.

قال لصديقه جابر: «ظننت أنه كان يريد قتلي رميا بالرصاص. لقد أطلقت عليه النار دفاعا عن النفس».

في السادسة والنصف وصلتني مكالمة. طُلب مني أن أتوجه إلي مستشفي ابن سينا. أمام مبني المستشفي كان هناك حشد كبير من قوات الأمن والحرس الخاص. في المستشفي كان يجلس أخو عدي، أي قصي، والسكرتير الشخصي لصدام عبدحمود عند المدير. كان يبدو عليهم الشحوب، والعصبية، والإرهاق الشديد من قلة النوم.

أجريت عملية وطبان
كان وطبان يرقد بالفعل علي منضدة العمليات. بعد إعطائه المحاليل وبعد نقل الدم إليه عاد إلي وعيه مرة أخري. كان يتألم بشدة وكان مرعوبا من أن ابن أخيه حصده بالرصاص حصدا. كان فخذه الأيسر بصفة خاصة في حالة سيئة. كان الثلث الأعلي من عظمة القصبة قد تهتك بفعل طلقات الرصاص، كما أن العضلات والأعصاب الرئيسية كانت مصابة إصابة شديدة. كان فخذه الأيمن قد أصيب أيضا، غير أن حجم الأضرار فيه لم يكن كبيرا. استقر الرأي علي أن أقوم أنا وجراح العظام في مستشفي ابن سينا بالعملية الضرورية. بعد أن انتهينا من عملنا بعدة ساعات كنا وقوفا أمام غرفة العمليات.. وأتي صدام.

قال لي: «أنا آسف لأننا مضطرون لأن نضايقك بمشاكلنا طوال الوقت».

علي الرغم من أنه كان مشدودا بعض الشيء فإن الهدوء والتماسك كانا باديين عليه. لكنه لم يبتسم كما اعتاد أن يفعل عندما كان يأتي إلي المستشفي.

استعلم عن حالة وطبان.

«جيدة بالنظر لملابسات الأمر، لن يموت، لكن الإصابات الناجمة عن الأعيرة النارية في الفخذ الأيسر حالتها خطيرة جدا».

ذهب صدام وحده إلي أخيه غير الشقيق. بعدها بقليل خرج مرة ثانية من غرفة العمليات وغادر مستشفي ابن سينا بصحبة قصي وعبد حمود. كان من الواضح أنهم في عجلة من أمرهم.

كان لعبد حمود ابن أخت اسمه رافد، وكان واحدا من حرس الرئيس الخاص. كان هو أيضا في مزرعة حسن الخطاب للاحتفال «بيوم الأيام» مع وطبان، وأصيب كذلك، أصابته رصاصة من بندقية عدي تحت العين اليسري بقليل، إلا أنه نجا بأعجوبة. وتسببت الطلقة أثناء خروجها في قطع الأذن اليسري. نقلوا رافدا إلي مستشفي ابن سينا في تلك اللحظة.

سخرية في نطق عدي
بينما كنا نجهزه للعملية روي لي أن وزير الداخلية كان قد سخر من ابن أخيه قبل إطلاق النار. منذ الولادة كان الفك الأعلي لعدي ممتدا للأمام امتدادا كبيرا بشكل غير طبيعي. لهذا كان من الصعب عليه أن يتحدث بوضوح. في الحفل قلده عمه تقليدا دقيقا وجعل من عيبه في النطق مادة للسخرية والمزاح، مما أثار جوا من المرح الشديد في الحفـل. استشاط لؤي الذي هو خال عدي وصهر وطبان غضبا. لم يكن غضب عدي أقل في حدته عندما سمع بذلك، فكثير ممن استمعوا إلي وطبان وكادوا يغرقون في الضحك من نكاته التي كان يلقيها علي ابن الرئيس لم يكونوا حتي من أفراد عائلتهم.

«كان عدي في جنون الغضب عندما وصل إلي هناك وبدأ بإطلاق النار من حوله»، هذا ما رواه لي ابن أخت عبد حمود.

ليكشف بعدها أيضا هذا الخبر المثير:


هروب حسين كامل
«حدث فجر اليوم ما هو أكثر سوءا، لقد هرب حسين كامل وصدام كامل إلي الأردن، ومعهما زوجتاهما وأولادهما، كما انضم إليهما أخوهما حاكم كامل».

فهمت علي الفور لماذا لم يكن صدام مبتسما كعادته وكان باديا عليه التوتر، عندما جاء قبلها بعدة ساعات لزيارة أخيه غير الشقيق المصاب.

كان زوجا الابنتين حسين وصدام كامل الأثيرين إلي قلب الرئيس. لم يكافئهما بابنتيه رغد ورنا فحسب، بل منحهما أيضا كثيرا من المراكز المؤثرة.

كان حسين كامل وزير الصناعة والتصنيع العسكري ، ومسؤولا مسؤولية خاصة عن برنامج التسليح العراقي. كان صدام كامل بوصفه رئيس الحرس الخاص للرئيس يتمتع هو الآخر بمنصب في منتهي الأهمية. كان يتولي الحراسة الشخصية لصدام ليلة هربه مع أخيه، ومع كلتا الزوجتين، ومع الأطفال.

ربما لا يمكن لأحد أن يتصور كيف كان شعور صدام عندما غدر به هذان الفردان من أفراد أسرته اللذان ربما كانا أقرب الناس إليه.

اختفي جابر، وعدي، وخاله لؤي موقتا بعدما أطلق النار علي وطبان ونُقل إلي مستشفي ابن سينا. اختبأوا عند عبد حسن المجيد الذي كانوا يثقون به. كان عبد خال لؤي وأخا علي حسن المجيد، أي «علي الكيماوي».

البحث عن عدي
كان صدام يبحث عنهم كالمجنون. تلقي قصي الأمر باقتفاء أثر أخيه الأكبر بأسرع ما يمكن. علي مدار عصر ذلك اليوم نجح قصي في توصيل رسالة إلي جابر مفادها أنه يجب أن يتصل به.

سأل جابر عدي عما إذا كان لا مانع عنده.

«يمكنك أن تبدي استعدادك لمقابلة قصي مساء اليوم، ولكن إياك أن تقول له أين أنا. لا بد أن يهدأ والدي أولا».

كان الاحتفال العام «بيوم الأيام» يجري علي قدم وساق في شوارع وحدائق بغداد، عندما توجه جابر إلي القصر الجمهوري لمقابلة قصي.

«لا بد أن تخبرني أين هو! لا بد أن نعقد مجلس عائلة بأسرع ما يمكن».

رفض جابر، فهدده قصي بالسجن.

في أثناء ذلك عرف عبد حسن المجيد هو الآخر أن حسين وصدام كامل قد هربا مع عائلتيهما إلي الأردن. كان الاثنان وَلَدَيْ أخيه، وقد أدرك خطورة الموقف. لهذا اتصل عبد حسن بقصي وأخبره عن مكان اختباء الأخ والخال.

بعدها بقليل اتصل قصي بأخيه.

قال له: «لا بد أن تأتي علي الفور. هناك ما هو أهم من موضوع وطبان يجب أن نركز عليه».

أُرسل جابر بتصريح صحفي مكتوب بخط اليد إلي الصحف، وإلي الإذاعة، وإلي التلفزيون، مفاده أن وطبان تعرض في أثناء الاحتفال «بيوم الأيام» إلي حادث. ولم ترد تفاصيل أخري.
كما جاء فيه: «نتمني له الشفاء العاجل»


مجلس العائلة
ترأس صدام مجلس العائلة الذي عُقد في الساعة الحادية عشرة مساء في أحد القصور. كان الهدوء والتماسك باديين علي الرئيس. تم الاتفاق علي أن يتوجه عدي، وجابر، و«علي الكيماوي»، ومانع عبدالرشيد ـ رئيس المخابرات العراقية ـ إلي الأردن في محاولة لإقناع حسين وصدام كامل بإعادة التفكير.

في الساعة الرابعة فجرا توجهوا بالسيارة عبر الصحراء في اتجاه الغرب. في حدود الساعة الثانية عشرة ظهرا كانوا في عمان. بمساعدة الملك حسين حاولوا بلا جدوي الحديث مع ابنتي صدام، غير أن الاثنتين رفضتا. في مدار عصر ذلك اليوم تأكد أن الحملة لن تكلل بالنجاح، وبعد وجبة غداء خفيفة مع السفير العراقي في عمان قرر الوفد العودة إلي بغداد.

«في رحلة العودة كلها كانوا يضغطون عليَّ. أرادوا مني أن أتحمل أنا ذنب إطلاق الأعيرة النارية، مما من شأنه أن يسهّل علي الرئيس كثيرا من الأمور، كما قالوا لي. لكني رفضت أن ألعب دور كبش الفداء»، هذا ما رواه لي ظافر محمد جابر فيما بعد.

الصراع علي عاهرة والعائلة
طالب إخوة صدام الثلاثة غير الأشقاء بالإجماع بمعاقبة عدي لفعلته. غير أن الرئيس رفض، فنشر الغسيل القذر من خلال محاكمة علنية لا يفيد لا العائلة، ولا النظام. كما أن دور وطبان في هذه القصة المؤسفة يمكن وصفه بأي شيء إلا بأنه محترم. وزير داخلية لعبت الخمر برأسه قليلا وصهره في صراع علي عاهرة، لم يكن ذلك مما يمكن نشره في أوساط الرأي العام. كان الذنب يتحمله الطرفان.

لم يكن من السهل علي سبعاوي، وبرزان، ووطبان أن يقبلوا قرار أخيهم غير الشقيق. سبّب هذا القرار الضغائن في العائلة. عندما كنت أقابلهم كانوا دائما يشتكون من أن الرئيس لم يحاسب عدي علي النحو الصحيح. غير أن صدام طلب من عدي الذهاب إلي عمه في مستشفي ابن سينا وأن يقدم له اعتذاره المطلق، بل وأن يأخذ معه مسدسا ويطلب من وطبان أن يطلق عليه النار في الموضع نفسه من النصف السفلي من الساق الذي هتكته البندقية الخاصة بعدي.

ازدراء عدي
فعل عدي ما أُمر به. قبل وطبان الاعتذار ومنحه عفوه الرسمي، لكنه رفض أن يطلق النار من المسدس علي النصف السفلي من ساق عدي، ولو فعل لكان الأمر قد سُوي علي الطريقة البدوية.

كان الإخوة الثلاثة يزدرون ابن أخيهم قبلها بالفعل، وبطبيعة الحال زاد الأمر بعد هذه الواقعة سوءا. غير أن الإخوة الثلاثة لم يكونوا علي علاقة جيدة تماما بعضهم مع بعض. كان الواحد منهم يغتاب الآخر، ويحاول أحدهم وضع العراقيل في طريق الآخرين، ما أمكن له ذلك. ازداد الأمر سوءا علي سوء حينما قرر سبعاوي تأييد قرار صدام بعدم معاقبة عدي. كان أكبر الإخوة الثلاثة آنذاك رئيسا للأمن العام ولم يرغب، كمـا كان واضحا، أن تطول فترة تحديه للرئيس خوفا من أن ينزع الأخير عنه منصبه المهم.

دارت مناقشات مستفيضة عن أكثر شخص مناسب لعلاج وطبان. كان لا بد من إجراء عمليات جراحية في العظام والأعصاب. أوضح صدام بشكل لا لبس فيه أن المال لا يلعب دورا. بدون النظر للتكاليف كان لا بد لأخيه غير الشقيق أن يحصل علي أفضل مساعدة طبية يمكن الحصول عليها. طرأت علي رأس صدام أن يستعين بمساعدة الجراح الكوبي العالمي الفاريس كامبريس كان الاثنان تربطهما علاقة صداقة جيدة، كما هي الحال أيضا مع فيدل كاسترو الذي كان يرسل لصدام بانتظام السيجار الهافاني.

فريق فرنسي
في نهاية المطاف استقر الاختيار علي فرنسا. أتي فريق من الأطباء من باريس إلي مستشفي ابن سينا في بغداد، وأجروا ما يلزم من العمليات الجراحية الكثيرة المعقدة لكي يقف وطبان علي قدميه.

كانت رغبة صدام أن يتلقي أخوه غير الشقيق ما يلزم من المساعدة في العراق. لم يكن يرسل أفراد العائلة للعلاج الطبي بالخارج إلا مكرها. ولذلك شعرت بالخوف وخشيت أن تُجر قدمي في واحدة من تلك المؤامرات المحيطة بالرئيس التي لا حصر لها عندما انتحي بي سبعاوي جانبا ذات يوم من أيام الخريف بعد زيارة لأخيه في المستشفي ليحدثني بيني وبينه فقط في أمر مهم.

وضع ذراعه حول كتفي.

«يا دكتور علاء، هل تحدث أخي برزان معك في إمكان إرسال وطبان إلي سويسرا لمواصلة علاجه الطبي هناك»؟

كان برزان في ذلك الوقت لا يزال سفير العراق لدي الأمم المتحدة في جنيف.

«لا، مطلقا، فهو لم يتصل بي، ولم يقترح مثل ذلك الأمر».

إلصاق تهمة
لم يزد سبعاوي عما قاله، لكنني كنت مستعدا لأسوأ الاحتمالات فيما يخص مدير الأمن العام. في قطيع الذئاب المحيط بالرئيس كانت شعبيتي تتناقص يوما بعد يوم. كان يثير لديهم الريبة والحسد أن يكون شخص ما قريبا للغاية من الرئيس. إن تحويل وطبان إلي مستشفي في سويسرا كان سيشعل غضب الرئيس. بدا لي الأمر أن سبعاوي يريد أن يتهمني ويتهم أخاه في جنيف بأننا نحن أصحاب هذا الاقتراح.

بهذه الطريقة كان الرجال الذين هم علي شاكلته يتخلصون من الناس الذين كانوا لا يحبونهم.

بعدها بعدة أيام أتي صدام إلي مستشفي ابن سينا ليزور وطبان وليودع الجراحين الفرنسيين الذين أجروا مزيدا من العمليات الجراحية في النصف السفلي من ساق وطبان. بعدها سيسافرون قاطعين الصحراء ليستقلوا الطائرة من عمان إلي باريس. كان سبعاوي برفقة صدام.

قال الرئيس: «لا بد أن أشكركم علي مجهوداتكم الرائعة، وعلي ما برهنتم عليه من شجاعة بقدومكم إلي هنا، علي الرغم من الدعاية المستمرة للولايات المتحدة ضد العراق». كان واضحا لي ماذا كان يدور هناك بجانب سرير الرجل المريض. دعوه في حاله، هذه كانت رسالة صدام إلي أخويه غير الشقيقين. في صباح اليوم التالي أُعفي سبعاوي من منصبه كمدير للأمن العام.

إحراق ألف سيارة
أخذ حجم هواية عدي في اقتناء الأشياء يتضخم تضخما مذهلا في خريف هذا العام الممتلئ بالأحداث. بينما كان معظم العراقيين يزدادون فقرا علي فقر، ومرضا علي مرض، وبؤسا علي بؤس، كان ابن الرئيس يستورد السيارة الفارهة وراء الأخري ليضمها إلي مجموعته. في أثناء ذلك كان عدي يمتلك في خريف عام 1995 العاصف ما يقرب من ألف سيارة.

كان هناك نحو مائة من أغلي وأجمل السيارات مركونة في كراج يقع علي الأراضي التابعة للقصر الجمهوري والقائمة عليها حراسة مشددة: رولز رويس، وبينتلي، وليكزس، وأودي، وعديد من سيارات الـ بي. إم. دبليو.، والمرسيدس، وبورش، وفيراري ولامبورغيني. في الكراج، كانت هناك، علاوة علي ذلك، مجموعة رائعة من السيارات القديمة كانت أحب ما يملك ابن الرئيس إلي قلبه.

في ضحي يوم من الأيام تصاعدت ألسنة اللهب السوداء من القصر الجمهوري. كان الكراج يحترق، ولم يقم أحد بمحاولة إطفاء الحريق.

كالمعتاد زار صدام أخاه غير الشقيق في مستشفي ابن سينا، لكنه ثار ثورة عارمة حينما رأي أن قدرة أخيه غير الشقيق علي المشي مرة أخري أمر معقد جدا وسيستغرق وقتا طويلا. في ثورة غيظه توجه إلي كراج عدي، وأمر حرسه الخاص بإحضار صفيحة من البنزين، وأعواد الكبريت.

في هدوء أخذ الرئيس يدخن سيجارا ضخما من الهافانا، وهو يستمتع بانتقامه من ابنه، وبالسيارات التي أخذت تلتهمها النيران.

عدي يبكي سياراته
غادر صدام المستشفي حيث شقيقه وطبان المصاب عندما أسرع عدي وظافر محمد جابر ليعاينا حطام السيارات المحترقة عن آخرها في هذا الكراج الفخم. كان قصي هو الآخر قد أُخبر بالعملية الانتقامية لوالده وكان موجوداً قبلها في المكان.

«لماذا لم تَحُل بينه وبين ذلك»؟، صاح به عدي، وهو علي وشك البكاء وقد خرج تماما عن شعوره. «هل نسيت أنني أنقذتك من السجن»؟

كان عدي دائما ما يذكر إقامة أخيه الأصغر في السجن عندما كان لسبب أو لآخر غير راض عنه.

في عام 1984 اعتدي قصي ـ وقد لعبت الخمر برأسه قليلا ـ علي دبلوماسي سعودي في فندق المنصور في بغداد بالضرب. ليس من الواضح علامَ دار الشجار، غير أن الدبلوماسي تقدم بشكوي لوزارة الخارجية العراقية. علم صدام بالأمر وأمر بوضع ابنه الأصغر في السجن. حُبس قصي في زنزانة في السجن نفسه الذي أقام فيه عدي وجابر بعد الاعتداء علي الخادم الخاص للرئيس كامل حنا وقتله. غير أن مقام الابن الأصغر للرئيس كان قصيرا للغاية، فبعد عدة أيام لا غير هب عدي لنجدة أخيه. ظهر عدي مع بعض الأصدقاء في مكتب مدير السجن وطالب بالإفراج عن أخيه. عندما رفض المدير أطلق عدي النار علي ساق المدير من بندقية كلاشينكوف وأرغمه علي الإفراج عن قصي.

في أعقاب ذلك اختفي الاثنان عند بعض أقارب صدام إلي أن هدأ صدام. وبعدها لم يعد أحد يذكر تلك الواقعة.

«كان عليك التدخل ومنع والدنا من فعل ذلك»!، واصل عدي اتهاماته لأخيه.

«أتيت متأخرا للغاية، كانت النار قد اشتعلت في الكراج بالفعل»، أجابه قصي مضيفا: «ولكن لحسن الحظ استطعت أن أمنعه من الزحف علي سياراتك الأخري». كان الكثير منها موجودا علي بعد مرمي حجر من القصر الجمهوري في أحد المخازن. بأسرع ما يستطيع هرول عدي إلي هناك. تحصن خلف أجولة الرمل أمام المدخل وأحضر مدفع رشاش ثقيلا.

غير أن صدام لم يواصل حملته العقابية الخاصة بعض الشيء لابنه. «لو كان ظهر هناك، لكان عدي قد قتله علي الفور»، كان هذا هو تقدير جابر للحالة النفسية لصديقه.




اضافة رد مع اقتباس