مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #4  
قديم 03/10/2004, 10:15 AM
prince1111 prince1111 غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 02/12/2001
المكان: نادى الهلال
مشاركات: 2,420



############## الحلقة الرابعة: ##############

عدي قتل كامل حنا
ثار صدام وأحاله للمحاكمة فحاول الانتحار


كامل حنا كان مسؤول خدم صدام ومن القلائل الذين يحظون بثقته الكاملة
تنهيدة من الارتياح سرت عبر الشرق الأوسط كله عندما انتهت الحرب بين العراق وإيران في أغسطس من عام 1988. أرسل الرئيس حسني مبارك زوجته سوزان إلى بغداد مع أرق الأمنيات. كانت قرينة الرئيس المصري على علاقة جيدة مع ساجدة زوجة صدام. في أثناء الزيارة أقامت كلتا السيدتين في واحدة من دور الضيافة الرسمية التابعة للنظام على مقربة من القصر الجمهوري المطل على الضفة الغربية لنهر دجلة.

كانت حديقة الأعراس تقع غير بعيدة عن دور الضيافة العشر على جزيرة غنّاء تملؤها الحدائق والأشجار الجميلة في بحيرة شاطئية ضحلة تكونت من أحد فروع نهر دجلة. كان هناك جسر يعبر بك إلى الحديقة التي كان يحيط بها ما يقارب من أربعين بيتا من بيوت الضيافة، والتي كان يمكن تأجيرها للمناسبات الاحتفالية. كانت هناك قاعة خاصة محجوزة لاحتفالات الزواج.

في نهاية جزيرة الأعراس كانت هناك ست دور أخرى للضيافة، وكانت تتمتع بمزيد من الفخامة عن الدور الأخرى. كان لكل دار منها حمام سباحة، وكانت هذه الدور مقتصرة على الرئيس وعائلته، والعاملين المقربين، أي الوزراء وكبار القوم من مجلس قيادة الثورة.

ساجدة تستضيف سوزان مبارك
أمام إحدى هذه الدور كانت هناك سهرة انبعثت منها أجواء من الارتياح الشديد، حينما قررت كل من ساجدة وسوزان مبارك الخلود إلى النوم في دار الضيافة الرسمية التي كانت لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار، حيث أخذت الأجواء بعدها تزداد صخبا على صخب. كان كامل حنا يقيم احتفالا لأحد أقربائه الذي كان يحتفل بعيد ميلاده المتمم لعقد من عمره. لم يُحرم في هذه الليلة من ليالي أغسطس أيٌ من الضيوف الذين كان يقارب عددهم الخمسين من أن ينال ما شاء من الخمور.

كان حنا الخادم الخاص لصدام. كان مسيحيا من الشمال، ولم يكن من عائلة الرئيس، ولم يكن أيضا من تكريت، غير أنه كان شديد الولاء. كان يقوم بتوفير الخدمة للرئيس ، بدءا من تحضير الملابس والأحذية مرورا بإعداد الطعام وانتهاء بإدارة المجموعة الضخمة من الخدم التي كانت تحيط بصدام. وكان الرئيس يقدر حنا تقديرا عظيما. كان كامل حنا من القلة القليلة التي كان صدام يوليها ثقته. كان الاحترام والثقة متبادلين بين الطرفين.

عدي وزجاجة الفودكا
كان عدي يقيم هو أيضا بجوار القصر الجمهوري، حيث انتقل ابن الرئيس البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما للإقامة الدائمة في إحدى دور الضيافة الرسمية. كان عدي يجلس هناك مع صديقه ظافر محمد جابر أمام النافذة مسترخيا كعادته بصحبة زجاجة من الفودكا حينما سُمع دوي طلقات عالية آتية من العرس.

أرسل عدي حارسا من الحرس الخاص إلى هناك ليعرف ماذا يدور، حيث أخبرهما حنا أن الاحتفال الحقيقي لم يبدأ سوى الآن. أخرجت بنادق الكلاشينكوف، وأطلقت منها طلقات في الهواء تعبيرا عن عظيم الفرح وانبهار كل من المضيف والضيوف الذين كانوا مستمتعين استمتاعا يفوق الوصف والذين ازدادوا سكرا على سكر.

«اذهب إلى هناك واطلب منهم أن يتوقفوا عن إطلاق النار»، قالها عدي مضيفا: «وإلا فإنهم سيوقظون أيضا أمي وسوزان مبارك».

عاد الحارس الخاص إلى حديقة العرس وأخبرهم الرسالة. إلا أن إطلاق النار من البنادق الرشاشة استمر.

كان ظافر محمد جابر من عُمر عدي وكان يعرفه منذ كانا يذهبان إلى المدرسة الثانوية. بمرور الوقت أصبح السكرتير الخاص لابن الرئيس. قفز الاثنان في تلك اللحظة مع بعض الحرس الخاص في سيارة، وذهبا إلى كامل حنا لحثه على الهدوء ولوضع نهاية للموسيقى الراقصة الصاخبة، وللطلقات الطائشة هنا وهناك بلا توقف.

150 عصا
كان عدي يلبس الدشداشة. عندما غادر المنزل أخذ معه أيضا عصا مِشْي من العاج اتخذ مقبضها شكل رأس الثعبان ولُفت بالخيزران. أما الثعبان نفسه فقد كان فاغرا فاه، ذا أنياب سم قوية.

«كان عدي يري أن عصا المشي تليق على دشداشته»، أخبرني بذلك جابر فيما بعد، مضيفا: «كانت تمنحه وجاهة شيوخ دول الخليج».

كان ابن الرئيس يمتلك 150 عصا مشي بمختلف الأشكال والتصميمات. لم يتعلم أبدا أن يروض نفسه، إذا أعجبه شيء ما لم يكن ليقنَع بنسخة وحيدة منه. في منزل عمه وطبان رأى شيشة أعجبته. بعدها ببضعة أسابيع أتت شحنة كاملة من الشِّيَش من الهند.

«كانت كبيرة ومرتفعة ارتفاع الباب».

كان هذا ينطبق أيضا على الساعات اليدوية، الحلي، الخواتم، النقود، النساء والسيارات الفارهة. لم يكن أي شيء يملأ عيني عدي. في احد الكراجات على مقربة من القصر الجمهوري كان هناك مئات السيارات من طراز بي.إم.دبليو، ليكسوس، مرسيدس، فيراري ورولس رويس. وعندما اتخذ عدي طريقه مع جابر ومع اثنين من الحرس الخاص إلى كامل حنا كان هناك في الوقت نفسه مزيد من السيارات المتوجهة إلى بغداد.

واحة الأعراس
كانت جزيرة الأعراس بمساحتها الخضراء وبأشجارها الواقعة على تلك البحيرة تمثل واحة في عراق تزداد حالته المأساوية يوما بعد يوم. كان يمكن مشاهدة الجراح التي خلفتها الحرب بوضوح في كل مكان.

قبل عام 1980 لم يكن في بغداد أي من الشحاذين إلا قليلا، أما الآن فقد كانت ناصية كل شارع تعج بهم. أمَر صدام بطبع النقود ليستطيع تمويل الحرب. كانت النتيجة ارتفاعا متسارعا في الأسعار حطم مستوى المعيشة للناس تحطيما كاملا. قبل الحرب كان الدينار العراقي يساوي ما يزيد على ثلاثة دولارات. أما الآن فقد ساد الاضطراب أسعار الصرف. كان عليك أن تدفع ألف دينار للحصول على دولار واحد فقط، غير أن أجورنا ـ بالدينار ـ ظلت على حالها.

استفحال الرشاوى
لم يعد في مقدور موظفي الدولة أن ينفقوا على أنفسهم وعلى عائلاتهم مما يدفع لهم شهريا، فكان أن بدأوا في طلب الرشاوى لأداء ما لديهم من أعمال، ومنها إنجاز الطلبات. لم يعد هناك مكتب من المكاتب، أو إدارة من الإدارات، أو وزارة من الوزارات إلا واستفحل الفساد فيها، وعلى كل المستويات.

بدأ الأمر أول ما بدأ مع الضباط ذوي الرتب العالية الذين تلقى كثير منهم في أثناء الحرب رشاوى محترمة لكي ينقلوا الجنود من قطاعات الجبهة إلى أماكن أقل دموية، بل إن بعضهم استطاع أن يبني منازل ومزارع مما حصلوا عليه من رشاوى في مقابل نقل وحدات كاملة من الجيش. اهتز ما كان لدى الشعب من تقدير كبير للجيش العراقي في الماضي اهتزازا عنيفا منذ أن انقض صدام على نظام الخميني الإسلامي في الشرق.

.. وانتشار الدعارة
بالنسبة إلى عائلات كثيرة كانت الدعارة هي السبيل الوحيد عندما لم يعد هناك ما يكفي من المال، وعندما كان هناك هذا العدد الهائل من الأفواه التي يجب أن تُطعم، بعدما سقط الأخ أو الأب ليختفي بذلك عائلهم.

مع الفقر زادت أيضا معدلات السرقات وغيرها من الجرائم.

غير أن الميراث المأساوي للحرب كان يكمن في هذا العدد الكبير من المعاقين. ما يقرب من 150 ألفا من العراقيين قضوا نحبهم في الأعوام الثمانية التي استمرت فيها الحرب وجُرح 750 ألفا، كثير جدا منهم تعرض لإصابات وعاهات مستديمة، سواء الجسدية منها أو النفسية.

لم يكن العراق على أدني استعداد لرعايتهم. كان مستشفى ابن القف هو المستشفى الوحيد المتخصص، وكان قد شيد بمساعدات دانمركية في أثناء الحرب لإعادة تأهيل مصابي الحرب شديدي الإعاقة. لم تكن طاقته الاستيعابية كافية بأي شكل من الأشكال. كان الآباء والزوجات المنهكون يُحضرون أبناءهم المعاقين بعد منتصف الليل خاصة ليضعوهم في جنح الظلام في حديقة المستشفي حيث كان العاملون به يجدونهم في الصباح. ومع ذلك لم يكن من المتاح تقديم العون لهم، ناهيك عن أن الأطباء وفنيي العلاج الطبيعي الدانمركيين كانوا خائري القوي من العمل الكثير.

أما إمكانات العلاج بالنسبة لعشرات الآلاف من الجنود الذين كانوا يعانون من مشاكل نفسية نشأت من جراء الخوف الذي تعرضوا له في ساحة القتال فكانت أسوأ كثيرا، حيث لم يكن هناك ببساطة أيٌ من الإمكانات لمعالجتهم. وليس من المألوف في العراق كمـا هي الحـال في الشـرق الأوسـط الحديث عن المشكلات النفسية من أساسه، كما ينظر إلى المرضى الذين يخضعون للعلاج النفسي نظرة دونية، حيث تحـاول العائلات مـا أمكن لها ذلك أن تخفـي ما تعتبره في داخلها عارا ليس دونه عار.

وقتها كان يوجد في كل مدينة، في كل قرية، وفي كل حي تقريبا شباب يعانون من مشاكل نفسية مستعصية. كان يحز في نفسي كطبيب أن أشاهد ذلك دون أن أفعل شيئا.

أشك في أن يكون أي من الحاضرين لاحتفال كمال حنا في العرس الذي أخذ يتزايد صخبا على صخب مهتما بما عليه العراق من حالة سيئة.

اخجلوا
غير أنه عندما ظهر عدي بصحبة عصا المشي الخاصة به المصنوعة من العاج ساد المكان صمت القبور. أخذت الطلقات، والموسيقي، والرقص في التوقف من فورها. يبدو أن حنا كان قد شرب كميات كبيرة من الويسكي حتى أنه اضطُر الى الاستناد الى غيره حتى يستطيع مواجهة زائره. حسبما يتذكر جابر فإن عدي كان قد افتتح النقاش متوعدا.

«اخجلوا من أنفسكم»، قالها عدي مضيفا: «رجوتكم عبر الحرس الخاص أن تهدأوا قليلا. لكنكم لم تعيروا الأمر اهتماما. تاه حظك، لتنزل عليك كل مصائب الدنيا! أدب سيس (من التركية، تعني دون أدب) يا لك من خصي معدوم الخلق»!

«إنه حفلي الخاص»، أجابه حنا مضيفا: «إنك تدس أنفك في كل شيء. أخرج نفسك منها هذه الليلة»!

رفع عدي العصا المصنوعة من العاج عاليا.

«يا كلب. كيف تجرؤ على مجرد التفكير في الحديث معي بهذا الشكل»؟

وعاجل عدي حنا بضربة على رأسه ليخر الخادم الخاص على الأرض.

«سأحكي ذلك لوالدي»، قالها عدي قبل أن يغادر هو وجابر، والحارسان الخاصان الحفل بعد أن توقف صخب الحفل!

لقد قتلته
اعتقد الأربعة أن كمال حنا سقط لأنه أفرط في الشراب وأن الضيوف الآخرين سيساعدونه على النهوض.

اتصل صدام بابنه مع أول خيوط الفجر. كان عدي مندهشا، فقد كان من غير المعتاد على الإطلاق أن يقيم الرئيس اتصالا مباشرا معه على هذا النحو. بدأ يروي لوالده عن كامل حنا وعن أحداث الليلة، غير أن صداما لم يمهله الفرصة للحديث.

«لقد قتلته»، قالها صدام في برود شديد مضيفا: «ستبلغ الشرطة الآن عن الحادث لتلقي الجزاء الذي تستحقه».

عندما نُقل خبر قتل كمال حنا على يد عدي إلى الرئيس خرج صدام عن شعوره تماما.

«سأقتله بيدي هاتين»، خرج صوت صدام راعدا في حضرة زوجته ساجدة. كان قد نُقل إليها خبر ما حدث، فما كان منها إلا أن غادرت دار الضيافة التي كانت تقضي فيها ليلتها مع قرينة الرئيس المصري متوجهة إلى البيت على عجل.

أفزعت ثورة الغضب العارمة التي انتابت صدام والدة عدي، التي اتصلت في يأس بصهرها برزان وروت له ما هدد به صدام. «لا بد أن تأتي حالا وتهدئه».

شعر رأسه.. واقف
عندما ظهر الأخ غير الشقيق في قصر الرئيس كان صدام لا يزال في ثورة غضبه، ولا يمكن التحدث إليه. في ذات مرة أسرّ برزان إليّ بأن العائلة كانت تستطيع أن تري متى كان الرئيس غاضبا حقا، فإنه حين يغضب كان شعر رأسه يقف مثل القنفذ، كما هي الحال الآن.

فيما بعد أخبرني برزان بالآتي: «لو كان عدي بالمقربة منه لكان قد قتله بلا شك. لم أره أبدا غاضبا وخارجا عن شعوره بمثل هذه الدرجة».

شيئا فشيئا أخذ الرئيس يهدأ، وكان في مقدور برزان أن يتحدث معه.

«الآن دعنا نفكر في الأمر في هدوء شديد. إذا قتلت ابنك، فإن هذا لن يعيد كامل حنا إلى الحياة، ولن نجني وقتها سوى الخسارة، خسارة مزدوجة سواء في حجمها أو في تأثيرها. من الأفضل تقديم عدي للمحاكمة، وعلى القضاء تقرير مصيره».
قال صدام: «سأقدمه للمحاكمة».


محاولة انتحار
أصابت عدي صدمة عندما تكشف له ما جنت يداه. تناول أنبوبا من حبوب منومة، وابتلع كل ما فيه.

عندما بدأت الحبوب تأتي مفعولها، وسقط عدي على الأرض نقله حرسه الخاص إلى مستشفي ابن سينا. كان هذا المستشفي الصغير في الأصل عيادة خاصة، تم تحديثها وتوسعتها بعد الانقلاب واستيلاء حزب البعث على الحكم. كان في المستشفي عشرون سريرا وغرفتان للعمليات، كما كان حسب المعايير الغربية مجهزا تجهيزا لا بأس به بالأجهزة الطبية الفنية. كان الأطباء والممرضات الأكفاء يعملون تحت رقابة أمنية. عادة ما كان يقوم جراح وطبيب باطني بالاشتراك مع عشر ممرضات بالخدمة ليل نهار.




اضافة رد مع اقتباس