الموضوع: جميل
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 31/07/2010, 08:36 PM
صقر فيصل صقر فيصل غير متواجد حالياً
كاتب مفكر بالمجلس العام
تاريخ التسجيل: 22/11/2005
المكان: في زمنٍ حياديّ
مشاركات: 1,847
جميل

قبض على كتفي رجلٌ مريبٌ وأنا جالس في غرفة الانتظار، وسألني: ماذا تقرأ؟ فنظرتُ إليه متعجبًا من مسكه لكتفي ونظرته إلي، ولكنني لم أجد حرجًا في الرد على سؤاله وقلتُ: كتابًا عن علم الجَمال! فقالَ: هناك أشياء أهم من هذا! سكتت، وأعدت النظر إلى وجهه، فعلمتُ أن به بأسًا، وأكد ذلك أن جاء مرافق له وأخذه بيده مبتسمًا في وجهي، فرددتها بابتسامة وعدتُ "متوترًا" إلى القراءة.

وما انشغالي بالجمال بدعة لم تُعرف من قبلُ على البسيطة، بل لقد أشغل هذا الموضوع العربَ منذُ الأيام الأولى، فوضعوا حدودًا صريحة في مصنفاتهم بين ألفاظ الجمال، فالجمال غير الحُسن غير الحلاوة غير الملح.

ومن كان الجمال نصب عينيه، رأى الدنيا حلوة خضرة، وإن كان لها غبشها واختلاف موازينها، في اللحظة الجميلة تبدو بيضاءَ من غير سوء، لها صوتٌ يطرب من به صممٌ، وكأنما جُعلتْ راحة وطمأنينة.

واللهُ جميلٌ يحب الجمال؛ هو المتوحد بالجلال بكمال الجمال، وأجملُ الكلام كلامه ((نحنُ نقصّ عليك أحسن القصص))، وأجمل الُخلق خلق القرآن، وأجمل السِيَر وأنجحها سيرة الحبيب عليه الصلاة والسلام الذي نقل لنا كلامَ الله وتخلّق بالقرآن. قرآنًا حسنًا، ورسالةً سامية، نورًا يهدي للتي هي أقوم، والله نور السموات والأرض.

وهناك جمال المخبر والمظهر، من العلم ما يزيّن العقل، ومن المنطق ما يحسن النظرة للأمور، ومن القرآن ما يطهر القلب ويقيم اللسان، ومن السلوك ما يرفع المرء في نفسه قبل الناس.

((ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) والحسنُ الجمال ... لا تسمّ ابنكَ حرب، ولكن سمّه الحسن، ولا تسمه حرب، ولكن سمه الحسين ... ومن الجمال الإسلامي الرفق؛ الرفق بالأبناء، والرفق بالناس، والرفق بالحيوان ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه))، والرفق بالنفس ((إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)).

والجمال يكونُ في الصعب الثقيل على النفس، ((واهجرهم هجرًا جميلا)) بلا أذى، ((فاصفح الصفح الجميل)) بلا عتاب، ((فاصبر صبرًا جميلاً)) بلا شكوى.

وقد اشتغل الفلاسفة أيضًا بالجمال، وجعلوه علمًا، واختلفوا في أسمائه، فهو تارة علم الجمال، وتارة علم الآداب الجميلة، وتارة نظرية الفنون، وتارة فلسفة الفن، وقد عرفه هيجل فقال: "أن يوقظ فينا إحساسات ممتعة عن طريق خلق أشكال لها ظاهر الحياة."

والجمال بشتى صوره يجلب الناس إليه، فإذا سمع المشركون سورة النجم، سجدوا لعظمة ما سمعوا من الهدي، وجماله، وفي الشعرِ إذا وقفَ كعب بن زهير، وقال: بانت سعادُ! ... وأتم قصيدته، أخذ جمالها الحبيب صلى الله عليه وسلم، فألقى بردته على الشاعر، وإذا أطربه حسنُ قول الشاعرة، قال: إيه خناسُ! وإذا أعجب الشعراء جمال امرأة، تسابقوا ليصفوها، وفاز بها - بعد موته - القائل: إن تتهمي فتهامة وطني، أو تنجدي يكن الهوى نجدُ!

وإن للجمال والحسن معي قصصًا تروى، وسأعود بها قريبًا إن شاء الله
اضافة رد مع اقتباس