سأبوح لكُم بأحد الأسرار التي لطالما حاولت كتمانها, فكما كنتُ أعتقد ( عيب أحد يدري ! ) .
أتذكر , عندما وضعت قدمي وخطيت أول خطوةٍ على أرض كليتي كلية الطب البشري , كنت أحمل هماً وأعتبره من الأسباب الرئيسية التي دعتني لدخول كيلة الطب البشري , ولو أني لم أكن أرغب بها في بداية الأمر ,
لا عليكم ...
الأمر هو , أن أجد لأطفالي البيئة المناسبة للعيش , والدراسة ,إن رزقتُ بأطفالٍ في المستقبل .. مبكر جداً هاه ؟
السبب وراء ذلك الهم وتلك الرغبة الملحة , هو معاناتي (الأليمة والأليمة جداً ) عندما كنتُ طفلاً ! . عندما كنتُ في الثامنة من عمري , كنتُ كأي طفل طبيعي , مرح جداً , نشيط , ذكي دراسياً .. أصلا لم أكن أتنازل عن المركز الأول أبداً , يعني ( كنت دافور ) , ما كان يميزني حينها, ما حباني الله به من الجمال والوسامة في تلك المرحلة العمرية , حتى أني كنتُ أتلقى المدائح من أقربائي وأهلي , وكلمة ( ما شاء الله) .
كنتُ أحب ذلك المنزل الذي كنا نعيش فيه , وأكره ذلك الحي الذي يقع فيه منزلنا .
كانت سمعته سيئة ولا زالت , كان التواصل الاجتماعي في ذلك الحي معدومة تماماً , خلال 3 سنوات عشناها في ذلك المنزل لم نعرف جارنا الذي بجانبنا ! المُهم ,
أحد الأيام لم يكن الوالد متواجداً بالمنزل , وقد حذرني من الذهاب للمسجد بمفردي .
أمرني إن لم يكن متواجداً أن أكتفي بالصلاة في المنزل .
ذلك اليوم ,
قررتُ أن أذهب بمفردي ( الله وأكبر يعني لي سنة ما صار شيء وبيصير في هاليوم ! ) .
خرجتُ من المنزل لصلاة العصر .
عندما انتصف بي الطريق ,
فجأةً أحسستُ بسيارةٍ قادمةٍ من الخلف , لكن كأنها كانت قريبةً جداً !
فصوتُ محركها يبدو بجانبي تماماً , لم أعر الأمر أي اهتمام , إلا أني تمنيت لو كنت بالمنزل !
توقفت تلك السيارة فجأةً , نزل شابُ من السيارة , توجه نحوي , وقفت مذهولاً
أمسك بثوبي من الخلف , وجرني من خلف رقبتي !
بالضبط كما يُجر الخروف !
واركبني بالغصب في تلك السيارة !
حاولت تفادي الأمر والصراخ , لكن ( وييييين , ما عندي أحد ) , فقد كان الشارع خالياً تماماً لحظتها , حاولت فتح الباب والنزول , ولكن في كُل مرةٍ كنتُ أتلقى صفعة من أحدهم على وجهي !
( إسكت ولا كلمة , ترى بذبحك ! ) , كانت تلك الجملة هي جل ما أسمعه طوال الطريق .
مضى السائق , لم أعلم أين كنا سنذهب , كان الشخص الذي بجانبي واضعاً يده على فمي , محاولاً إسكاتي , والآخر ممسكاً بكلتا يداي .
بكيت , واستجديتهم لإنزالي , ولكن كان أحدهم يدخن ! والأخر يضحك !.
فعلاً ( قلوب من حجر ) .
المُبكي في الموضوع , هي تلك الكلمة التي كُل مرةٍ أتذكرها أتيقن فعلاً من حجم برائتي ومن حجم قساوة قلوبِهم .
طوال الطريق كنتُ أقول لهم ( والله لا أعلم الله عليكم ! ) , وكانوا ينظرون لي وبكل إستهزاء ( علمه بسرعة ) !
توقفت السيارة , وصلنا إلى منزلٍ غريب , ترجل السائق وفتح الباب ,أدخلوني بسرعة , ذلك الشخص لا يزال واضعاً يده على فمي .
منزلٌ غريب , مهجورٌ نسبياً ,
عددٌ من النخل , دراجة طفلٍ بالية , الغبار يغطي كامل الفناء , مدفأة مهشمة في زاوية الفناء , وبقايا رماد قد اختلط بالماء , كرة قدمٍ قاومت عوامل التعرية حتى استسلمت للأمر الواقع ( وماتت ) , لم يعد فيها هواء , تحول لونها للأسود بسبب أشعة الشمس .
كانت نبضات قلبي قد وصلت للحد الأعلى منذ ولادتي , كنتُ أحس بالنبض في أذني من شدته .
( وين نوديه ؟ ) , ( حطه في الملحق ! )
أدخلوني غرفةً جانبية في الفناء , كانت كمستودعٍ أو شيءٍ كذلك , كان عددهم أربعة , أغلقوا علي الباب وتركوني بمفردي, بعد أن حذروني (ولا كلمة , تفهم يا كلب !؟) .
أخذتُ أدعوا الله ,
والله , في كل مرة أتذكر الدعاء الذي كنت أدعوه , أدخل في موجة من الضحك , كنتُ أٌقول
( تكفى يا رب , الله يخليك يا رب ) وكل مرةٍ أحاول إكمال الدعاء تأخذني الغصة , طفل , لم أكن أعلم أن يا رب هي نفسها يا الله .
المُهم ,
حتى تلك اللحظة , لم أفهم ما هو الخطاء الذي اقترفته , ولم أكن أعلم ماذا يريدون بالضبط .
( سمع الله لمن حمده ) , كنتُ أسمع إماماً يصلي , ليس ببعيد , فصوته قريب جداً .
هل أصرخ ؟
لكن, سيقتلونني لا محالة ..
لم أتوقف عن البكاء ( الصامت ) , كان الباب مغلق من الخارج ,
جلست في زاوية الغرفة منتظراً وكل ألم الدنيا يعتصرني .
ما هي إلا دقائق حتى دخل شخصٌ منهم , وبيده سكين !
فعلاً إنها سكين حقيقية , هل سيقتلني أم ماذا ؟
لن أستطيع أن أصف لكم مشاعر الخوف والهلع والألم النفسي تلك اللحظة , لكم تمنيت أن تبتلعني الأرض لحظتها أو أن يسقط ذلك المنزل ونموت جميعاً , أو أن أستيقظ فجأةً وأجدني استيقظت لتوي من أحد تلك الكوابيس المرعبة ,
( شفت هالسكين , قسم بالله لو أسمع صوت واحد , قسم بالله لا أقطع رقبتك )
قالها ويده اليسرى على رقبتي من الخلف , والأخرى ممسكاً بها السكين على رقبتي من الأمام .
( أي شيء أٌقوله لك تسويه وأنت ساكت , ولا نفس أسمع , فاهم ؟ )
لم أستطع أن أجيب بسبب البكاء , ( فاهم ولا لا !؟ ) ..
لم أجب ..
ضغط على السكين حتى أحسست أنه قد قطع رقبتي فعلاً من شدة الألم ,
(إيه فاهم ) خرجت من فمي بعد عناء .. قفلة :
( وتذكر يوم كنا صغار !؟ ..
وتذكر يوم أصرح لك ,
أبي أكبر ... بصير انسان متعلم ,
أبي أكبر ... اببني مدرسة اطفال , عشان الناس تتعلم
وكنت أحلم وكنت أحلم .. أبي أكبر ... أببني بيت وبتزوج !
وتذكر يوم أقول اني ابتزوج ؟
ترى من جدي بتزوج , هذاك الوقت يا ظافر !
كبرنا وكبرت الأيام , وتعلمنا وتغيرنا , وتحقق كل كلامي صدق , إلا أني ابتزوج !
يا خوك شلون بتزوج ؟
اجل اسمع بقول لك سر ,
وتكفى اسمعه وانساهـ ,
أنا ياخوك , من سنتين
غلطت , وقادني جرحي , لأكبر جرح في الدنيا ..
تعرف الي بلحظة, قال : وشو ذا الحب بجرب ,
أبي أعرف صحيح الي يحب .. يموت متعذب !
أنا حبيت يا ظافر
وتعذبت , وعرفت شلون ... تشوف الدنيا بس بعين ! ) من إحدى كتاباتي, فلربما أخرجتكم من جو القصة قليلاً to be continued |