مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #2  
قديم 30/04/2010, 08:27 PM
DR.KHALID DR.KHALID غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 22/10/2006
المكان: تـ ائـ هـ .. حينما أستقر ) سـ أخبركم (
مشاركات: 915
كنت أكره التدخين , وأحتقر من يضع ذلك السم الهاري بين شفتيه ,

حتى صادفت يوماً في إحدى المقاهي ذلك الهرِم , الذي رسم الزمن على وجهه جميع ملامح وتعرجات المشاعر التي ستجدها في أي وجه , إلا مشاعر السعادة !

أكاد أجزم أنه لم يشعر بطعم السعادة طوال حياته !


اعتقدت في بداية الأمر أن به جنون , على الأقل تدل على ذلك حركاته وتصرفاته وطريقة كلامه , وطريقة وضع السيجارة في فمه , قلتُ لهُ مداعباً , أو بلهجتنا ( قاط !) :

يا عمي حرام عليك , تحط هالدخان في فمك , بكره اذا طقيت الثانية وش بتقول البنت بالله ؟


رمقني "العم" بنظرة مفادها ( مسوي أسلوب يعني ؟ ) , وقال :
ي ولدي , أنت اذا طفشت وش تسوي ؟ , تروح تشكي على أحد .أنا زيك , أشكي وأسولف لهالدخان, لي 28 سنة محد فاهمني في هالحياة الا هو !



عندها , تأكدت أن براد الشاهي ( أبو أربع ) فارغ تماماً إلا من بقايا ورق الشاي وأغلقت التلفاز القابع في زاوية الجلسة وأغنية المرحوم طلال ( وترحل , صرختي تذبل .. في وآآآآدي لا صدى يوصل, ولا باقي أنييييين !! وترحل .. ) , وجمعت أغراضي المتناثرة,

وأوراق مادة علم الأمراض التي جلبتها معي , أخذاً بنصيحة أحد الأطباء عند ما نصحني مداعباً ( أحسن وقت للمذاكرة , وانتا تعسل ! )

بالمناسبة لم أرى ما تحويه تلك الأوراق من أول مرةٍ جلبتها معي لتلك الجلسة, أتوقع أن السبب أني لم أعمل بالنصيحة كما يجب, بالعامي (ما عسلت !).

جمعت أشيائي وقفلت عائداً الى صومعتي في منزل الوالد , فبعد تلك الجملة لم أستطع النظر في عيني ذلك الرجل ...

/
\
/
\


عندما أصلُ إلى جلستي المعتادة في قلب أحد المقاهي الواقعة خارج مدينة الرياض , التي أعتدتُ أن أزورها بين الحين والآخر , حتى أصبحت كالروتين المعتاد خلال الأسبوع .

عندما يلمُ بي أمر ما , عندما أقع في مشكلة , أو أحمل هماً , مباشرة أتوجه إلى مكاني المفضل .
كنتُ أراهم , جميعاًُ ( يعسلون ) , كنتُ كالغريب في ذاك المكان .
فقط آتي لأحتسي شاهي ( أبو أربع ) ثم أعود أدراجي !
ذلك الإبريق دائما ما يكون كفيلاً بإعادتي إلى مودي الطبيعي !
لا أعلم أين يكمن السر , هل هي نوعية الشاهي ؟ أم شطارة من أعده ( العم سراج ) ؟
أم المكان برمته , أم ( رائحة المعسل ! ) , أعتقد أن السبب
هو جو الرياض الرائع الذي إن كنت محظوظاً وابتسم لك الحظ
فستعود بحالة متوسطة من ضيق في التنفس, مع سعال شديد,
( وعيونك تدَمع! ) خصوصاً أن جلستي المفضلة تقبع بعيداً
جداً عن أقرب صالة أو جلسة مغلقة .. هناك بالخارج في الغبار
الطلق , في أغلب الأحوال كانت ستدمع حتى لو كنت خارج
الرياض , الأمر يستحق : ) .
المهم, أنني أحببت ذلك المكان , وأحبني بدوره , أو كما أعتقد !
\
/
\
/

عندما أسند ظهري إلى تلك المسندة الموضوعة على طرف جدارٍ
قد بانت فيه معالم الشيخوخة , كأنما أزحت جميع الهموم عن
كاهلي , ووضعتها بجانبي , هي أيضاً متكئة على نفس المسندة وعلى نفس الجدار ..

غالباً ومع أول رشفة من شاهي العم سراج , الشاهي المذكور
آنفاً .. يبدأ شريط ذكرياتي بالعودة إلى الخلف , والخلف جداً ..
ذكريات قديمة رائعة , وأخرى حزينة , وأخرى ( حزينة جداً ) .

لا تهم نوعية الذكريات , إن كانت جميعها محتواةُ في كلمة ( البراءة ) .
يا الله , كم كنتُ مختلفاً جداً !

عندما كان يحلُ علينا فصل الصيف , الأجواء الصيفية رائعة جداً
في مدينة الرياض , الجو حار جاف ليلاً , حار (جداً) جاف
صباحاً , مع أشعة الشمس التي تأبى دائماً إلى أن تتسلط على
شريط ( أبو نورة ) , الذي كنتُ أخبئه أسفل خزان المياه القابع
في سطح المنزل !

فحسب قانون المنزل, لم يكن مسموحٌ لنا باقتناء تلك الأشياء , كانت أشبه باقتناء سلاح أبيض مع محاولة الاعتداء والتهديد العام لشخصٍ ما !


ذلك الشريط الذي كان إهداءً من عمتي ( بيني وبينكم , سرقته من درجها ) , كنتُ أحفظ كل حرفٍ
في كل أغنية , كل وصلة وكل لحن , وحتى الوقفات التي
يتوقفها أبو نورة لالتقاط أنفاسه كنتُ أعلم أين سيقف بالضبط .
قصة عشقٍ بيني وبين أغنية ( يا أبو فهد ) ....
قفلة :
(( يا رب من له حبيب , لا تحرمه من حبيبه ... ))

يتبع ..
اضافة رد مع اقتباس