مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 21/08/2004, 01:56 PM
جبل التوباد جبل التوباد غير متواجد حالياً
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 14/06/2001
مشاركات: 196
تفسير جزء عم لفضيلة الشيخ محمدبن صالح العثيمين - رحمه الله - (سورة البروج )

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }


{وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَـهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَـبُ الاُْخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}.

البسملة تقدم الكلام عليها.

{والسماء ذات البروج} الواو هذه حرف قسم يعني يقسم تعالى بالسماء
{ذات البروج} أي صاحبة البروج، والبروج جمع برج، وهو المجموعة العظيمة من النجوم وسميت بروجاً لعلوها وارتفاعها وظهورها وبيانها، والبروج عند الفلكيين اثني عشر برجاً جمعت في قول الناظم:

حملٌ فثور فجوزاء فسرطان فأسدٌ سنبلة ميزان
فعقربٌ قوسٌ فجدي وكـ ذا دلو وذي آخرها الحيتان
فهي اثنا عشر برجاً، ثلاثة منها للربيع، وثلاثة للصيف، وثلاثة للخريف، وثلاثة للشتاء، فيقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج وله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله بأسمائه وصفاته، ولا نقسم بشيء من المخلوقات لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» ولقوله عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»، قوله تعالى:
{واليوم الموعود} اليوم الموعود هو يوم القيامة، وعد الله تعالى به وبينه في كتابه، ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتماً، كما قال تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنَّا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].
{وشاهد ومشهود} ذكر علماء التفسير في الشاهد والمشهود عدة أقوال يجمعها أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود، والشهود كثيرون منهم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيداً علينا، ومنهم هذه الأمة شهداء على الناس، وأعضاء الإنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عمل من خير وشر، ومن الملائكة يشهدون يوم القيامة فكل من شهد بحق فهو داخل في قوله {وشاهد}
وأما {المشهود} فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة كما قال تعالى: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} [هود: 103]. فأقسم الله بكل شاهد وبكل مشهود.
{قتل أصحاب الأخدود} {قتل} يعني أهلك، وقيل: القتل هنا بمعنى اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله،
و{أصحاب الأخدود} هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار، وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم منها شيء في الشام، ومنها شيء في اليمن، والمقصود أن هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن دينهم، ولكنهم عجزوا فحفروا أخدوداً حُفراً ممدودة في الأرض كالنهر وجمعوا الحطب الكثير وأحرقوا المؤمنين بها ـ والعياذ بالله ـ ولهذا قال:
{النار ذات الوقود} يعني أن الأخدود هي أخدود النار. {ذات الوقود} أي الحطب الكثير المتأجج.
{إذ هم عليها قعود} يعني أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين كانوا ـ والعياذ بالله ـ عندهم قوة وجبروت يرون النار تلتهم هؤلاء البشر وهم قعود عليها على الأسرة، فكهون كأن شيئاً لم يكن، وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان البشر تلتهمه النار وهو جالس على سريره يتفكه بالحديث ولا يبالي.
{وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود} يعني هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين أي حضور لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين، ولذلك استحقوا هذا الوعيد، بل استحقوا هذه العقوبة أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته.
{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} أي ما أنكر هؤلاء الذين سعروا النار بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا، أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل
{إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} وهذا الإنكار أحق أن ينكر؛ لأن المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يساعد ويعان، وأن تسهل له الطرق، أما أن يمنع ويردع حتى يصل الحد إلى أن يحرق بالنار فلا شك أن هذا عدوان كبير، وليس هذا بمنكر عليهم، بل هم يحمدون على ذلك؛ لأنهم عبدوا من هو أهل للعبادة، وهو الله جل وعلا، الذي خلق الخلق ليقوموا بعبادته، فمن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقها.

وقوله: {إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى له الغلبة والعزة على كل أحد، ولما قال المنافقون: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} قال الله تبارك وتعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8]
. وقوله: {الحميد} بمعنى المحمود فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال وكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا جاءه ما يُسر به قاg: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإذا جاءه خلاف ذلك قال: «الحمد لله على كل حال»، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه «الحمد لله على كل حال» أما ما يقوله بعض الناس (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) فهذا خلاف ما جاءت به السنة به، قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله على كل حال» أما أن تقول: (الذي لا يحمد على مكروه سواه) فكأنك الان تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يصبر الإنسان على ما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يُسره، لأن الذي قدره الله عز وجل هو ربك وأنت عبده، هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك، اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً»، فالله عز وجل محمود على كل حال من السراء أو الضراء؛ لأنه إن قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35]. ولما رأى سليمان عرش بلقيس بين يديه قال: {هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر} [النمل: 40]. فإذا أصبت بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح، هي نعمة لا شك لكن اعلم أنك ممتحن بها هل تؤدي شكرها أو لا تؤدي، إن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر، وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10].

ويجوز أن يكون معنى قوله: {الحميد} أنه هو الحامد، فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد، يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامد، وهو كذلك محمود، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها، لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلت عليها، قال الله تبارك وتعالى: {أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} [الواقعة: 64]. الله يسألنا، أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟ الجواب: بل أنت يا ربنا {لو نشاء لجعلناه حطاماً} بعد أن يخرج وتتعلق به النفوس يجعله الله حطاماً، ولم يأت التعبير «لو نشاء لم ننبته» لأن كونه ينبت وتتعلق به النفس ثم يكون حطاماً أشد وقعاً على النفس من كونه لا ينبت أصلاً {لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون} ثم ذكر الشرب فقال: {أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} الجواب: بل أنت يا ربنا {لو نشاء لجعلناه أجاجاً} أي مالحاً غير عذب لا يستطيع الإنسان أن يشربه {فلولا تشكرون} يعني فهلا تشكرون الله على ذلك، وهنا لم يأت التعبير «لو نشاء لم ننزله من المزن»، لأن كونه ينزل ولكن لا يشرب لا يطاق أشد من كونه لم ينزل أصلاً فتأملوا القرآن الكريم تجدون فيه من الأسرار والحكم الشيء الكثير.

{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد. الذي له ملك السماوات والأرض} {الذي له ملك السماوات والأرض} له وحده ملك السماوات والأرض، لا يملكها إلا هو عز وجل، فهو يملك السماوات ومن فيها، والأراضين ومن فيها، وما بينهما، وما فيها كل شيء ملك لله ولا يشاركه أحد في ملكه، وما يضاف إلينا من الملك فيقال: مثلاً هذا البيت ملك لفلان، هذه السيارة ملك لفلان فهو ملك قاصر وليس ملكاً حقيقياً؛ لأنه لو أن إنسان أراد أن يهدم بيته بدون سبب فلا يملك ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن إضاعة المال، لو أراد إنسان أن يحرق سيارته بدون سبب فلا يملك هذا. ولو أنه فعل لحجر القاضي عليه بمنعه من التصرف في ماله، مع أن الله منعه قبل، إذن ملكنا قاصر، والملك التام لله،

{والله على كل شيء شهيد} أي: مطلع عز وجل على كل شيء، ومن جملته ما يفعله هؤلاء الكفار بالمؤمنين من الإحراق بالنار، وسوف يجازيهم، ولكن مع ذلك ومع فعلهم هذه الفعلة الشنيعة

قال: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} قال بعض السلف: انظر إلى حلم الله عز وجل يحرقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة يقول: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا}.

قال العلماء: {فتنوا} بمعنى أحرقوا كما قال تعالى: {يوم هم على النار يفتنون. ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون} [الذاريات: 13، 14]. فهؤلاء أحرقوا المؤمنين وأحرقوا المؤمنات في النار.

وقيل: فتنوهم أي صدوهم عن دينهم. والصحيح: أن الاية شاملة للمعنيين جميعاً، لأنه ينبغي أن نعلم أن القرآن الكريم معانيه أوسع من أفهامنا، وأنه مهما بلغنا من الذكاء والفطنة فلن نحيط به علماً، والقاعدة في علم التفسير أنه إذا كانت الاية تحتمل معنيين لا يتضادان فإنها تحمل عليهما جميعاً، فنقول: هم فتوا المؤمنين بصدهم عن سبيل الله، وفتنوهم بالإحراق أيضاً. {ثم لم يتوبوا} أي يرجعوا إلى الله {فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} لأنهم أحرقوا أولياء الله فكان جزاؤهم مثل عملهم جزاء وفاقاً.

في هذه الايات من العبر: أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم، وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة، المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله سبحانه وتعالى ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم، فمثلاً نحن نسمع ما يحصل من الانتهاكات العظيمة، انتهاك الأعراض، وإتلاف الأموال، وتجويع الصغار والعجائز، نسمع أشياء تبكي، فنقول: سبحان الله ما هذا التسليط الذي سلطه الله على هؤلاء المؤمنين؟ نقول يا أخي لا تستغرب فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا أمثالاً فيمن سبق يحرقون المؤمنين بالنار، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في بلاد المسلمين هذا رفعة درجات للمصابين، وتكفير السيئات، وهو عبرة للباقين، وهو أيضاً إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر.
وفي هذه الايات من العبر: أن هؤلاء الكفار لم يأخذوا على المسلمين بذنب إلا شيئاً واحداً وهو: أنهم يؤمنون بالله العزيز الحميد، وهذا ليس بذنب، بل هذا هو الحق، ومن أنكره فهو الذي ينكر عليه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يقينا شر أعدائنا، وأن يجعل كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير.

وفي الاية إشارة إلى أن التوبة تهدم ما قبلها، ولكن التوبة لا تكون توبة نصوحاً مقبولة عند الله إلا إذا اشتملت على شروط خمسة:

الأول: الإخلاص لله عز وجل بأن يكون الحامل للإنسان على التوبة خوف الله عز وجل ورجاء ثوابه؛ لأن الإنسان قد يتوب من الذنب من أجل أن يمدحه الناس، أو من أجل دفع مذمة الناس له، أو من أجل مرتبة يصل إليها، أو من أجل مال يحصل عليه، كل هؤلاء لا تقبل توبتهم، لأن التوبة يجب أن تكون خالصة، وأما من أراد بعمله الدنيا فإن الله تعالى يقول في كتابه: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الاخرة إلا النار}. [هود: 15، 16].

الثاني: من شروط كون التوبة نصوحاً: الندم على ما حصل من الذنب بمعنى ألا يكون الإنسان كأنه لم يذنب، لا يتحسر ولا يحزن، لابد أن يندم، إذا ذكر عظمة الله ندم، كيف أعصي ربي وهو الذي خلقني ورزقني وهداني، فيندم.

الثالث: أن يقلع عن الذنب فلا تصح التوبة مع الإصرار على الذنب، لأن التائب هو الراجع، فإذا كان الإنسان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من أكل الربا، ولكنه لايزال يرابي فلا تصح توبته، لو قال: أستغفر الله من الغيبة، والغيبة ذكرك أخاك بما يكره ولكنه في كل مجلس يغتاب الناس فلا تصح توبته، كيف تصح وهو مصر على المعصية، فلابد أن يقلع، إذا تاب من أكل أموال الناس وقد سرق من هذا، وأخذ مال هذا بخداع وغش فلا تصح توبته، حتى يرد ما أخذ من أموال الناس إلى الناس، لو فرضنا أن شخصاً أدخل مراسيمه في ملك جاره واقتطع جزءًا من أرضه وقال إني تائب، فنقول له: رد المراسيم إلى حدودها الأولى وإلا فإن توبتك لا تقبل، لأنه لابد من الإقلاع عن الذنب الذي تاب منه.

الشرط الرابع: أن يعزم عزماً تاماً ألا يعود إلى الذنب، فإن تاب وهو في نفسه لو حصل له فرصة لعاد إلى الذنب فإن توبته لا تقبل، بل لابد أن يعزم عزماً أكيداً على ألا يعود.

الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة، لأنه يأتي أوقات لا تقبل فيها التوبة، وذلك في حالين:

الحال الأولى: إذا حضره الموت فإن توبته لا تقبل لقول الله تبارك وتعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الان} [النساء: 18]. بعدما عاين الموت وشاهد العذاب يقول تبت فلا ينفع هذا، ومثال واقع لهذه المسألة أن فرعون لما أدركه الغرق {قال آمنت بالذي آمنت به بنوا إسرائيل} يعني بالله ولم يقل آمنت بالله إذلالاً لنفسه حيث كان يحارب بني إسرائيل على الإيمان بالله، والان يقول آمنت بالذي آمنوا به فكأنه جعل نفسه تابعاً لبني إسرائيل إلى هذا الحد بلغ به الذل ومع ذلك قيل له {آلان} تتوب، آلان تؤمن بالذي آمنت به بنوا إسرائيل {وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس: 91]. إذاً إذا حضر الموت فإن التوبة لا تقبل، فلابد من المبادرة بالتوبة لأنك لا تدري في أي وقت يحضرك الموت، ألم تعلم أن من الناس من نام على فراشه في صحة وعافية ثم حمل من فراشه إلى سرير تغسيله؟! ألم تعلم أن بعض الناس جلس على كرسي العمل يعمل ثم حمل من كرسي العمل إلى سرير الغسل؟! كل هذا واقع، لذا يجب أن تبادر بالتوبة قبل أن تغلق الأبواب.

الحال الثانية: إذا طلعت الشمس من مغربها، فإن الشمس إذا طلعت من مغربها ورآها الناس آمنوا لكن الله يقول: {لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} [الأنعام: 158].

=========
يتبع
اضافة رد مع اقتباس