مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #42  
قديم 04/04/2010, 11:39 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ عطـــارد
عطـــارد عطـــارد غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 07/02/2009
المكان: في الـ ماضي ..
مشاركات: 441

الـ جزء الـ حادي عشر ..



كان يقطع الطريق الرملي المتيبس قليلاً، وأضواء السيارة تشق عتمة الليل، دون أن يتوقف، وهو يرجو أن يصل إلى الطريق المعبد سريعاً..
طالعته أضواء من بعيد، كانت هناك استراحة كما خمّن.. فشعر بالارتياح وهو يقبض بـ أصابعه على أصابع سمية التي تكوّمت ملتصقة به.. أوقف السيارة ثم خرج منها قرب الاستراحة:
- سنستريح قليلاً، قبل أن نتابع رحلتنا.
- كما تشاء، افعل ما ترغبه يا عامر.
- انتظري قليلاً، سأرى من في الاستراحة وأعود إليك.
- حسناً يا عامر.
دخل عامر فوجد رجلاً مسناً:
- السلام عليكم.. ألا أحد هنا سواك يا عم؟
- لا يا بني، أنا أقيم هنا، ولا سيارات عابرة مسافرة في هذه الأيام فالطقس شديد الحر.
- نحتاج لبعض الماء و الطعام.
- سأحاول أن أؤمن لك ما تشاء.. ولكن كيف تغامر بالرحيل في هذا الجو المضطرب، قد تنشأ الزوابع الرملية في أية لحظة.. العديد من المسافرين فقدوا داخل الرمال نتيجة تلك الزوابع؟
- الحدود بعيدة عن هنا؟
- ليس كثيراً بضعة كيلو مترات فقط.. تسافر وحيداً؟
- لا.. زوجتي معي إنها في السيارة.
- أصلحك الله كيف تسافر مع زوجتك في هذه الصحراء الشاسعة التي لا تخلو من وحوش الليل و قطاع الطرق.
- سافرت كثيراً من قبل ولم أتعرض لأي خطر.. عن إذنك سأحضر زوجتي..
اتجه صوب السيارة: -هيا يا سمية..
كانت نائمة.. لم يوقظها. أحضر الطعام إلى السيارة. وتابع المسير.. منطلقاً على الطريق العام و سمية نائمة إلى جانبه بعمق، وفجأة تذكر شيئاً فتحرك بقلق، وهو يراهم عن بعد :
- إنهم حرس الحدود، يا إلهي كيف لم أنتبه، ليس لدى سمية جواز سفر، كيف سأعبر بها الحدود؟
كان في السيارة متردداً بالاقتراب من رتل السيارات التي تعبر الحدود حين اقتربت منه سيدة عجوز:
- الأستاذ عامر؟
- نعم.. خير يا خالة؟
-.. لك أمانة عندي، انتظرتك طويلاً.. تفضل.
أعتطه مظروفاً وحين فتحه فوجئ مفاجأة لا توصف: ((يا إلهي معقول؟ إنه جواز سفر لـ سمية من أين أحضرته يا خالة؟ ومن الذي أعطاه لك؟))
- زوجي يعمل بالجوازات، وقد أتت لزيارتنا امرأة مسنة مريضة قليلاً، ومعها هذه الفتاة، وطلبت من زوجي أن يجهز جواز سفر لابنتها بسرعة كبيرة.. بارك الله بها، لقد شفت لي ابني من مرضه الطويل.. إنها أشبه بالقديسات.. عن إذنك يا أستاذ عامر..
شعر بالذهول وهو يتأمل جواز السفر، ويحدق بـ سمية النائمة.. ثم خرج من السيارة يقدم أوراقه لـ حرس الحدود وعبر الحدود مع زوجته بسهولة لم يكن يتوقعها.. واتجه صوب الشمال سعيداً للحظ الذي حالفه، ومستغرباً كيف أتاه جواز السفر، بتلك الطريقة التي لا تصدق؟
لابد وأنها(أم سمية) تلك العجوز الغامضة، ذات القدرة الخارقة التي ساعدت ابنتها بطريقة مجهولة.. غامضة أيضاً!!
ولم تستيقظ سمية، إلا مع تباشير الصباح الأولى.؟
- أين نحن الآن يا عامر؟ آه يا إلهي..
- أنت معي يا حبيبتي، يبدو أنك نمت طويلاً..
- كان حُلماً غريباً.. قادتني فيه أمي إلى مبنى كبير، لتقابل رجلاً يرتدي مثل لباسك وهي تهمهم ستحل المشكلة لا تخافي.. ولم أعرف عن أي شيء تتحدث.. آه مازلتُ أذكر ذلك المبنى الأبيض الكبير.
- لم يكن حلماً عادياً.. يا إلهي.. ألست جائعة يا حبيبتي؟
- قليلاً.. ألديكَ طعام؟
- نعم.. سنتوقف قليلاً ونتناول بعض الطعام قبل أن نتابع سيرنا.
تابع عامر و سمية طريقهما صوب الحدود الأخيرة.. واجتازاها بسهولة أيضاً وقبيل المغرب بقليل وصل إلى المدينة الصغيرة..
اجتاز الشوارع حتى وصل إلى حيّه الفقير.. كان خائفاً مرتبكاً من استقبال أمه له ومعه عروسه الغريبة من تلك المدينة المجهولة(مودس) بين رمال الصحراء وصخورها..
استقبله اخوته بفرح كأنهم لم يصدقوا وقد انقطعت أخباره عنهم لنحو أسبوعين متواصلين..
منذ أن هتف لهم أنه قادم وسيصل خلال يومين.. استغرقت رحلته أسبوعين في حساب التواريخ، أخذ يبرر لهم تأخره من أنه أراد أن يفاجئهم بزواجه.. وكان الشيء الذي يخاف منه هو أن يتقبلوا زواجه باستغراب وعدم رضا.
ولكنه شعر بالسعادة لأنهم أحبوا سمية التي انطلقت بالحديث تجاريهم بأحاديثهم البسيطة عن المرأة والزواج والأولاد..
ودخل معها إلى غرفة أمه المريضة.. وهو قلق خائف:
- آه يا بني.. خفنا عليك كثيراً.. الحمد لله أنت بخير.
- هذه زوجتي يا أماه.
- رأيتها في الحلم، بارك الله لكما.. لقد أحببتِك كثيراً في الحلم، وسأحبكِ أكثر وأنت إلى جانبي زوجة لابني.
- بارك الله بك يا أماه.
- أماه؟ نعم سأكون بمقام أمك يا حبيبتي لن تشعري بالغربة معي.
غمغمت: - الحمد لله.
شعر عامر أن(ظل أم سمية) معهما دائماً يساعدهما في كل شيء.. ولكنه في تلك الليلة صحا على بكاء سمية.. كانت تفتقد أهلها.. ضمها بين ذراعيه بحنان وهو يكفكف دمعها.. وقد صمم أن يحاول بعد أشهر البحث عن(مودس) المدينة المختفية في قلب الصحراء.
ولم يسلم عامر خلال إجازته من تعليق أقربائه على زواجه.. بل إن بعض بنات عمه حاولن مضايقة سمية بالسخرية من الزي الذي ترتديه، والتي أصرت أن تستقبل به الناس، رغم محاولات عامر أن يجعلها تستعيض عنه بأثواب جديدة كثيرة أحضرها لها لاستقبال الضيوف..
آه ماأروع تلك الزوبعة الرملية التي قذفت به قرب(مودس) وجعلته يعثر على سمية ويتعشقها.. ويعود بها زوجة بعدما عثروا على سيارته، كأنها لم تخدش ولم يمس أحد الأشياء التي بداخلها..؟

:

عاد(عامر) إلى البلاد التي يعمل بها.. ومعه سمية، بعد أن ودعتها أمه بحرارة وبكاء، وهي توصي عامراً بها.. وخلال مسيرته في الصحراء، شعر بالحنين لرؤية(مودس) من جديد ولكنه خاف أن يغامر بالاتجاه الذي تخيله ليضيع في صحراء مترامية الأطراف..
وهكذا تابع طريقه إلى المدينة التي يعمل بها ومعه سمية.. التي كانت شاردة وهي تلتصق به بمحبة وحنان.

:
يـتـبع ..
:

اضافة رد مع اقتباس