مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #37  
قديم 03/04/2010, 09:34 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ عطـــارد
عطـــارد عطـــارد غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 07/02/2009
المكان: في الـ ماضي ..
مشاركات: 441

الـ جزء الـ تاسع ..



أعاد الشيخ حمدان ترتيب المكان وأقفل الصندوق المتطاول بعدما وضع فيه المخطوط الغريب كما أعاد ترتيب الصناديق مكعبة الشكل، وحرّك الصخرة الكبيرة التي تسدّ مدخل الكهف، وخرج و عامر إلى العراء، ثم أعاد الصخرة إلى مكانها لتمحو أي أثر يمكن أن يعرف على الكهف..
سار عامر صامتاً إلى جانب الشيخ وهو يستعيد الأحداث ويفسرها.. حتى وصلا إلى بيت الشيخ حمدان المنزوي في جانب المدينة المخفيّة تحت الأرض.
قالت لهما سمية بلهفة: - الحمد لله أنكما عدتما أخيراً، لقد عادت أمي إلى سباتها الطويل، أنها لا تتحرك.
هدّأها حمدان:
- لا تقلقي عليها، لم يحن أجلُها بعد.. ربما تغيبُ في سباتها لأيام..
- كانت تبدو حزينة دامعة.. يا لقلبي الذي يعتصره الحزن عليها؟
- سأذهب لرؤيتها، انتبهي لنفسك، هدئ من روعها يا عامر..
- سأفعل يا عماه.
خرج الشيخ حمدان، همس عامر بحب: - سمية أرجوك لا تزيدي من عذابي مازالت صور الكارثة تتخايل أمامي.
- سأحاول أن أتماسك يا عامر.. ولكن والدتي حكت لي أشياء كثيرة مرعبة قبل غيبوبتها.
- سأبعد عنك الخوف والرعب يا حبيبتي، لن أجعل الحزن يعرف طريقه إلينا.
- ولكن القدر أقوى من كل الأماني يا عامر..
- ماذا تقولين يا سمية؟ لماذا هذا التشاؤم؟
- ألم أقل لك، حكت لي والدتي أشياء كثيرةً مُرعبة قبلَ أن تغرَقَ في السُبات.
- مثل ماذا؟ قولي يا سمية.. أرجوك.
- لا أستطيع.. لم تُعطني إذناً.. بذلك.
- لا بأس.. كما تريدين.. ما رأيك لو نذهب لزيارتها معاً؟
- أمي في سُباتها الطويل لن تستيقظ سريعاً، وأخاف أن لا تستيقظ أبداً.. لو تعلم كم هي مُهمةٌ بالنسبةِ لنا.. إنها مِفتاحُنا على العالم، لولاها لكانت عزلتنا شديدة القساوة.. أنتَ الوحيدُ الذي اخترق عزلتنا يا عامر..
- أليست هناك قرى ومدن قريبة من(مودس)؟ ألا يسافر الناس خارج مودس ويستكشفون الأماكن البعيدة؟
- لا يا عامر.. منذ أن تفتحت عيناي على النور، لم أر أحداً يسافر ويعود من جديد، حتى إخوتي ذهبوا ولم يعودوا، لذلك قرر المجلس الاستشاري منع السفر والرحيل، والاكتفاء بالحياة هنا وقراءة أسفار الأجداد والتعلم منها.
- الآن فهمت كيف أخرج حضوري المفاجئ سكان المدينة عن رتابة حياتهم.. ولكني لن أقيم هنا إلى الأبد.. سأعود للبحث عن سيارتي الغارقة في لرمال وأكمل سفري إلى بلدي في الشمال..
همست بخوف:
- كيف؟ وتتركني؟
ضمّها إليه بحب:
- لا.. سأصطحبك معي كـ زوجة وحبيبة.. لا أستطيع الابتعاد عنها للحظة واحدة.. أنت كل شيء في عالمي الآن.
زفرت بحزن وهي تهز رأسها:
- ليس الأمر سهلاً كما تظن.. أمي ستقرر خياري.. حينما تستيقظ من سباتها هذا إذا استيقظت.
- لماذا لا نذهب إليها الآن يا سمية؟ أرجوك.. قلبي يحدثني أن أمراً ما يحدث هناك.
استسلمت لطلبه: - لا بأس يا عامر.. تفضل سنذهب إلى أمي.. وأرجو أن يكون حدسك في محلّه..
وحين وصلا غرفة الأم قالت لهما الخادمة:
- سيدتي نائمة بعمق لم تستيقظ بعد.. والشيخ حمدان إلى جانبها.
- هل منعتنا من زيارتها؟ أقصد أنا و عامر؟
- لم تقل شيئاً من هذا القبيل.
همهمت سمية: - ادخل يا عامر.. الحمد لله لم تَمنع عنا زيارتها في سُباتها.
كان تنفسها مضطرباً.. تتنفس بسرعة قليلاً ثم تخمد وتسكن تماماً كأنها ميتة.. خاف عامر وسمية أن تكون العجوز قد دخلت مرحلة الخطر.. هز الشيخ حمدان رأسه:
- من يعلم؟ ما الذي يخبئه الله لها ولنا؟
ولكن تنفسُها عاد من جديد.. بدأت الخادمة في محاولة لإيقاظها:
- سيدتي هل تسمعينني؟
شجعها الشيخ حمدان: - حاولي معها.. قد تستيقظ..
همس الشيخ حمدان موضحاً لعامر:
- لابد أن لغة مشتركة بينهما. إنها تقيم معها منذ بدء مرضها هي تعرف الكثير مما لا نعرفه عنها.
واستمرّت الخادمة تحاول إيقاظ العجوز:
- أتسمعينني يا سيدتي.. الجميع هنا حولك الشيخ حمدان و سمية وذلك الغريب.. إنهم حولك.
فتحت العجوز عينيها بهدوء ونظرت حولها ثم تمتمت: - آه.. اسندي رأسي..
أخذت تحدق شاردة في البعيد:
((آه يا إلهي.. كنت أطير فوق البلدان، رأيت الكثير من الحوادث المرعبة.. آه.. لا أستطيع أن أفتح عيني مازلت أحلق فوق(مودس) المنغلقة على نفسها.. آه.. سمية يا ابنتي))
- أنا إلى جانبك يا أماه.
- ستغادريننا سريعاً وتعانين الكثير.. ولكن عامر سيكون قوياً يحميكِ ويبعد عنكِ الأذى.. آه لا أستطيع أن أفتح عيني.. أنت ستدخلين أمكنة لم تريها من قبل، سيكون كل شيء مدهشاً غريباً.. أرى طريقاً أسود ينقلك فوقه جهاز عجيب يدور يتحكم به عامر.. آه هناك متاعب في الطريق.. الأشرار في كل مكان.. ولكن لا خوف عليكما من قوى الشر.. آه.. لست أدري ما الذي يضغط على صدري؟
سألتها الخادمة: - هل أرفع رأسك قليلاً يا سيدتي؟
لا.. لا داعي لذلك.. اسمع يا حمدان.
- نعم يا أم سمية.. ماذا تريدين؟
- ستظل مدينتنا الصغيرة منسية لسنوات طويلة أخرى، وسيظل سكانها معزولين عن العالم.. آه يا حمدان.. العالم حولنا يزداد حركة وغرابة.. آه.. أنا أدور فوق مدن ليس فيها سوى الأبنية العالية والطرق السوداء التي تسرح فيها آلات كالحشرات السريعة تبدو لي وأنا أطير فوقها.
- ألا تريدين أن تقولي شيئاً يا أم سمية؟
- معك حق.. يجب أن أقول شيئاً للناس فأنا سأعود إلى سباتي الطويل، كان يجب أن لا أستيقظ الآن ولكنني عدت من سباتي من أجل عامر و سمية.. إنهما متحابان.. بارك حبهما يا حمدان.
وانتبه للناس، شعرت بقلبيكما الصغيرين يا بني ينبضان بحب صادق.. رغم كل ما هو موجود حولك من إغراءات فأنت صادق الطوية يا عامر..
- أنت امرأة نادرة يا خالة.
- آه.. حمدان.. اذهب إلى الركن الشرقي من(مودس) هناك شجار بين رجلين حول قطعة معدنية رأياها بين تلال الرمل، إنها ليست قطعة فقط.. ربما آلة كبيرة أشبه بالآلات التي تسير بين المدن ذات الأبنية العالية والطرق السوداء.. آه.. هيا يا حمدان.. اذهب إليهما سريعاً ولا تنسى أن تزور الشيوخ وتقدم لهم المساعدة.. الناس هنا مازالوا راضين بعيشتهم الرتيبة.. وجود عامر بينهم يدهشهم ويزيد من استغرابهم، وفضولهم لمعرفة ما يجري خارج مدينتهم في العالم البعيد"
سعلت سعالاً شديداً، سألتها الخادمة:
- ما بك يا سيدتي، هل أحضر لك الماء؟
- لا بأس.. يبدو أن سباتي سيكون طويلاً بعد قليل.
أحضرت لها كأساً من الماء شربت منه بهدوء:
- اخرجوا الآن.. رافق حمدان يا عامر.. وأنت يا سمية انتظري عودتهما.. لا أريد أن يزعجني أحد حتى تخبركم خادمتي.. هيا.
- ليكن الله معك يا أم سمية..
انفجرت سمية بالبكاء أوقفتها العجوز بإشارة من يدها:
- لا تبكي يا ابنتي.. يجب أن تظلي قوية متماسكة.. مع السلامة.. هيا أنقذ الرجلين يا حمدان قبل أن يفتكا ببعضهما.
- حالاً.. هيا يا عامر.. وأنت يا سمية ابقي في غرفتك.. لن نتأخر طويلاً..
همهمت العجوز لخادمتها وهم يخرجون:
- أعيديني إلى وضعي.. آه.. يجب أن أعود إلى عوالمي الغريبة.
- نعم يا سيدتي..

:

توجه الشيخ حمدان و عامر صوب الركن الشرقي من(مودس) لم يكن المكان بعيداً اجتازا الأزقة الضيقة بين البيوت الحجرية، ولم يكن الضوء المتسرب من الفتحات العلوية للمدينة كبيراً ولكنه كان كافياً لرؤية الطريق..
كان هناك تجمع لبعض الناس من سكان المدينة، وصلت الأصوات إلى الشيخ حمدان و عامر، فهرعا مسرعين صوب المكان.. كان هناك رجلان يتعاركان عراكاً شديداً، كما وصفتهما أم سمية:
- لقد اكتشفتها أولاً، ولن أدعك تقاسمني، سأضعها في ساحة المدينة ليتفرج عليها الناس، ستدر علي ربحاً وفيراً.
- لولا مساعدتي، لم تستطع استخراجها من تلة الرمال تلك.. لي الحق بجزء منها.
- أترون يا ناس.. يريد ثمن مساعدته؟
- إنه حقي..
دخل الشيخ حمدان ومعه عامر بين الجمع:
- ما الذي يجري؟ أمعقول أن أرى الشجار يتطور إلى هذا الحد؟ لماذا تحملان السلاح؟ أتريدان استخدامه؟
- لقد حاول الاعتداد على حقي يا شيخ حمدان ، تصور عثرت على قطعة معدنية ضخمة جميلة في إحدى تلال الرمال، استغرق مني ذلك جهداً كبيراً، لا أنكر أنني استعنت به، ولكنه يرغب بمقاسمتي .
قال الرجل الآخر: بذلتُ جهداً كبيراً أيضاً.. وهذا من حقي.
وتدخل أحد الشيوخ: -حاولنا إقناعهما بالهدوء، ولكن كلاً منهما أصرّ على موقفه .
سأل حمدان: - أين هذا الشيء الذي تتشاجران من أجله؟
- إنه في الأعلى سأستخدم الخشب الطويل لجره لساحة القرية.
- يجب أن أراه.
- يجب أن تحكم بالحق، إنه ملكي يا شيخ حمدان أرجوك.
- ولكن لولاي لم تكن تستطيع إخراجه، ساعدتك وبذلت جهداً يوازي جهدك أيضاً.
- توقفا عن الكلام.. أريد رؤية هذا الشيء هيا.
سار الجميع نحو المكان الذي دل عليه الرجل كان قد غطى ذلك الشيء بقماش بمساحة كبيرة وحالما رفع الغطاء صرخ عامر مذهولاً بفرح: - سيارتي.. عثرت عليها أخيراً.
أوقفه الرجل: - ماذا تقول أيها الغريب؟ ابتعد عن هذا الشيء إنه ملكي..
- سيارتي بوضع جيد أيضاً.. لا أصدق نفسي..
عاد الرجل يهدده:
- لا تقترب منه.. أحذرك.
أوقفه حمدان:
- هذا الشيء هو ملك له، هذا الغريب حضر به إلينا.
أدار عامر محرك السيارة فبدأت بالحركة صاح فرحاً: - إنها تعمل.
ابتعد بها وسط دهشة الجميع: - إنه يسير وحده.. يا إلهي.
أيقظهم حمدان من دهشتهم:
((استمعوا إلي جيداً.. ذلك الشاب قذفته إلينا زوبعة رملية طمرته الرمال، وطمرت هذا الشيء بعيداً عنه.. كنّا نحاول البحث عنه قبل أيام.. ولم نكمل بحثنا.. هذا الغريب أتى من البعيد بهذا الشيء، إنه من عالم مختلف عنا..وسيرحل به إلى بلاده البعيدة.. لا نستطيع أن نقف في وجهه)).
صرخ الرجل: - يا حسرتي على الجهد والتعب الذي بذلته من أجله.
وأكمل الآخر: - وأنا أيضاً بذلت الكثير من الجهد.
- سنرى ما يمكننا أن نكافئكما به على صنيعكما من أجل هذا الضيف الغريب.
قال شيخ: - أليس من العار أن تطالبا بمكافأة؟ إنه عمل خير، وعمل الخير لا يجب أن يكون له ثمن.
قال حمدان: - معك حق.. ولكن إن رغبا بمكافأة، لن نتأخر في تقديمها لكل منهما.
انبرى الرجل رافضاً الفكرة:
- لا يا شيخ حمدان ما دام الوضع هكذا لا أريد شيئاً.
وقال آخر:
- وأنا أيضاً يا شيخ حمدان لا أريد شيئاً..
تنهد حمدان بارتياح:
- الحمد لله.. الآن ثبت لي أن أبناء(مودس) مازالوا يحتفظون بنزعة الخير لديهم.. هيا تصافيا وتصالحا.
- بارك الله فيك يا شيخنا..
كانت السيارة بوضع جيد، شكرهما عامر بارتباك: - لا أدري ما أقول لكما.. وبماذا أكافئكما؟
- لا تقل شيئاً.. نحن سعيدان بعثورك على هذا الشيء.
- نعم.. لا نريد شيئاً منك.. نتمنى لك التوفيق.
كان العثور على السيارة أمراً مفاجئاً لعامر، الذي عاوده هوس الرحيل وقد تذكر أقوال أم سمية عنه وعن سمية ورحيلهما معاً..
ولم يلحظ الحزن الذي سيطر على الشيخ حمدان، وقد شعر بنيته للرحيل بابنته بعيداً.. كانت سمية المخلوقة الوحيدة التي شعر نحوها بـ حب يفوق الوصف كانت ابنته و صديقته ومستودع أسراره، والوحيد الباقي من أبنائه ولكن رغبة الأم كانت بمثابة أمر لا يمكن مخالفته.
ركن عامر سيارته في مكان يطل على مدخل المدينة الشرقي، ثم هبط وبقية الرجال إلى المدينة.. وتفرق عنه الجميع ولم يبق سوى الشيخ حمدان الصامت الدامع..
وكأنما شعر عامر بحزن الشيخ حمدان.. هذا الحزن الذي بدا سببه واضحاً وهو اصطحاب عامر لسمية معه.. وفي بيت الشيخ حمدان دار حوار افتتحه عامر بالقول:
- ستكون سمية أمانة في عنقي يا عماه، لن أسمح لشيء أن يزعجها مهما كان
تنهد حمدان وهو يربت على كتفه:
- لا بأس يا بني.. تلك هي رغبة أم سمية، ستتزوجان غداً وإن رغبتما بالرحيل سريعاً سنسهل لكما ذلك ما استطعنا..
- وأنا جاهز يا عماه لتنفيذ رغبتك.
زفر الشيخ بحزن:
- سترحلان بالتأكيد، سريعاً أعلم ذلك، أنت من عالم مختلف، ويجب أن تلتحق بهذا العالم..
أكدت سمية: -إنه قدري يا عامر، حكت لي أمي كثيراً عنه.
هز حمدان رأسه بحزن:
- هيا نستعد ليوم الغد، سيكون احتفالاً كبيراً لم تشهده(مودس) منذ زمن بعيد.
وقضى عامر ليلته الأخيرة في(مودس) وهو يفكر بالأيام المقبلة.. حيث سيكمل رحلته مع سمية إلى بلاده في الشمال ..
كان سعيداً برحلته مع الفتاة التي تعشّقها قلبه.. متجاهلاً الكآبة التي ظهرت على محيّا الشيخ حمدان رغم تظاهره بالسرور والفرح.
انفرد بـ سمية لدقائق قبل أن يتدفق الضيوف إلى بيت الشيخ حمدان تعبيراً عن مواساتهم له برحيل ابنته الوحيدة الباقية..
وأتت خادمة أم سمية تسأل عن عامر.. وحين التقى بها قالت له هامسة:
- استيقظت سيدتي للحظات وطلبت مني أن أنقل إليك الاتجاه الذي يجب أن تسلكه في الرحيل بـ آلتك مع سمية..
- هل حددت لكِ هذا الاتجاه؟
- قالت لي فقط ليتجه عامر بآلته بحيث يكون نجم القطب إلى يمينه فسيصل الطريق الذي ينشده لا تنسى يا سيدي.
- لن أنسى أبداً.. بارك الله فيك.
سأله حمدان: - قالت لك عن الوجهة التي يجب أن تسير بها؟
- نعم.
- لم تنس شيئاً أبداً.. كن مطمئناً يا بني، ستظل قلوبنا معك ما دمت إلى جانب سمية، إنها أغلى شيء في حياتنا.
- إنها أعز من عيني.. لا تقلق يا عماه".
دارى الشيخ رأسه منسحباً وقد سالت الدموع من عينيه رغماً عنه..

:
يـتـبع ..
:



اضافة رد مع اقتباس