مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 30/03/2010, 08:52 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ عطـــارد
عطـــارد عطـــارد غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 07/02/2009
المكان: في الـ ماضي ..
مشاركات: 441

-3-



تمشى الشيخ حمدان و عامر عائدين بعد أن ودعا الرجال:
- لم أر في حياتي مثل مدينتكم هذه يا عماه، كأنها مدفونة في الصخر.
- لها قصة طويلة كما قلت لك.. كم كان ذلك الزلزال مدّمراً؟ لقد دمّر تسعة أعشار المدينة.
- زلزال؟ وكيف حدث؟ ومتى؟
- منذ سنين بعيدة، ترك لي أحد أجدادي وصفاً دقيقاً عن الكارثة.. إنه مخطوط قديم احتفظ به بحرص في صندوق متين مُقفل.. لا يعرف سرّه سوى ابنتي سمية..
- أيمكن أن أطلع عليه يا عماه؟
- ليس بعد يا بني.. لم يحن وقت كشف ذلك السر..
وصلا بيت الشيخ حمدان قابلتهما سمية على الباب:
- ألا تشعران بالجوع؟ جهزتُ حَساءاً ساخناً بلحم الضأن.
- أحضري الطعام يا ابنتي.. بالطبع نحن جائعان.
- حسناً لحظات وأعود.
تمتم حمدان وهو يتابع سمية:
- سمية فتاة رائعة وأنا أحبها كثيراً.. إنها شديدة الأمانة والصدق.
- وحيدة؟
- لا.. لدي ثلاثة أولاد.. تزوجوا وعاشوا في مناطق أخرى، ولم أسمع عنهم شيئاً بعد رحيلهم.. سمية هي الباقية من أولادي الذين رحلوا عنا.
- زوجتك موجودة؟ أقصد أما تزال حية؟
- إنها مريضة، أثرَ بها إهمال الأولاد لنا.. وقد أمرضها ذلك رغم محاولاتنا التخفيف عنها.
- لم أرها بعد..
- ستراها سريعاً، إنها في إحدى الغرف الخلفية للمنزل.. هناك خادمة خاصة، تساعدها في تدبير شؤونها.
دخلت سمية تحمل طبق الطعام.
- الطعام.. تفضلا.
- سلمت يداك.. يبدو شهياً.
- بالهناء يا عامر.. أنت ضيف وتحتاج لتغذية جيدة.. أبي يأكل القليل.. إنه غير مسرفٍ في تناول الطعام.
- ولكن جسمه مربوع قوي.
قال حمدان:
- الأكل الكثير، ليس مصدراً للقوّة والعضلات المفتولة.. القليل قد يكفي الإنسان في حياته.. وقوته .
- معك حق يا عماه.
- ابدأا، كاد الحَساء أن يَبرد.
- بسم الله الرحمن الرحيم..
شعر عامر بأن سميّة سلبت لبّه.. وحين خلا لنفسه، شعر أنه يغرق شيئاً فشيئاً في حب الصبيّة..
وبعد استراحة الغداء بقليل، أتته سمية بالشاي، وطلبت منه الاستعداد لزيارة والدتها.. وبعد مدة قصيرة وجد نفسه يسير بصحبتها للقاء العجوز..
- أمي إنسانة خارقة الذكاء، رغم مرضها، انتبه إلى ذلك، وأنت تحادثها، هي التي طلبت رؤيتك.. ولم نتحدث نحن عنك أمامها أبداً..
- لابد أن خبر وصولي إليكم قد وصلها عن طريق إنسان مقرب إليها..
- ربما.. وإن كنتُ أشك في ذلك.. فهي ترى في أحلامها كل ما يحدث حولها وتتنبأ بوقوع الأحداث دائماً .
قابلتهما الخادمة: - سيدتي نائمة.. غفت منذ قليل.
قالت سمية: - ألن نُدخِلَ الضيف إذن؟
- بل تفضلا بالدخول.. اجلسا إلى جانبها.. هكذا رغبت.
- أن نراقبها وهي نائمة؟
- رغبتها أن تدخلا فور وصولكما، مهما كان وضعها هكذا أكدت لي.
- لا بأس.. تفضل يا عامر..
كانت تغفو على فراش رقيق، وهي تسند رأسها على وسائد عديدة.. شعر عامر كأنه رأى وجهها من قبل بدا له مألوفاً..
- أمي الآن في أحد عوالمها.. كأنها منفصلة عن عالمنا.
همست الخادمة: - أرجو أن لا تتكلما، حتى ولو بالوشوشة، إنها تنزعج، وقد تستيقظ غاضبة.
- لا بأس.. لن نتحدث أبداً حتى تستيقظ..
تحركت العجوز بعد قليل:
- الماضي مخيف.. والمستقبل.. آه من المستقبل.. أحضري تلك المرأة التي فقدت زوجها، والمرأة الأخرى التي أصابها الجنون.
- حالاً يا سيدتي.
تأملت عامر: - أنت عامر الذي دخل في لعبة الزمن؟
- أنا عامر يا خالة؟ نعم.. ولكن ما الذي تقولينه عن لعبة الزمن.. لا أفهم شيئاً".
- أنا أتحدث بالألغاز أحياناً.. كيف حالك يا ابنتي؟
- بخير يا أماه.. ما زال أبي يريد رؤيتك.
- ليس بعد يا ابنتي.. ليس بعد.. لا أستطيع رؤيته الآن.. اسمع أيها الشاب، لم يحدثك حمدان بعد عن سبب تحول(مودس) إلى مدينة صغيرة مدفونة تحت الصخر. قل له أن يحكي لك حكاية هذه المدينة، إنه طلب مني.. أفهمت؟
- سأقول له أنك تطلبين منه ذلك يا خالة.
- حسناً.. وأنت يا سمية، قلبي عليك يا ابنتي، ستتعذبين لبعض الوقت، ولكن هذا قدرك، لا بأس،
لا أستطيع أن أفسر لك ذلك الآن.. و.. اجلسا صامتين أنت وعامر.. ولا تتحدثا حتى ولو همساً سأرى هاتين المرأتين.
دخلت الخادمة:
- أحضرتهما لك يا سيدتي.. حتى المرأة المصابة بعقلها رافقتني بهدوء، دون مقاومة.
أشارت لها أن تدخلهما، فدخلتا باحترام كبير:
- اجلسا هنا.. استمعي إلي جيداً أنت، فقدت زوجك منذ أشهر، أليس كذلك؟
كانت المرأة التي تكلمت إليها شابة صغيرة حزينة:
- نعم يا سيدتي.
- إنه في مكان يبعد عدة فراسخ إلى الجنوب، ينتظر أن يلتئم جرحه ليعود إليك.. أصابه سهم صياد كان يصطاد حمر الوحش.
- هل أستطيع الذهاب إليه وإحضاره.؟
- يمكنك الطلب إلى الشيخ حمدان أن يزودك بالرجال لإحضاره.. إنه في خيمة صغيرة تعتني به امرأة متقدمة في السن، عثر عليه زوجها وهو ملقىً بين الرمال والدماء تنزف منه.
- شكراً لك يا سيدتي، هل أذهب الآن؟
- لا بأس، رافقيها يا سمية إلى الخارج، واحذري أيتها المرأة من أن تفقديه ثانية.. أنت من سبب له هذه المصيبة، بإلحاحك عليه للذهاب للصيد وحيداً، دن رفيق، لتستأثري بالصيد وحدك هيا اذهبي..
- نعم يا سيدتي.
همهمت وهي تخرج:
- إنها تقرأ الأفكار أيضاً.
قالت لها سمية: - هيا، سأرافقك إلى الخارج.
تابعت العجوز: - وأنت أيتها المرأة؟
- ماذا تريدين أن تقولي لي يا سيدتي الحكيمة؟ أنا بلهاء.. يسخر مني الجميع، حتى أولادي هربوا مني.
- أنت تمرين بمرحلة صعبة وقد اكتشفت جريمة بالصدفة، جريمة فعلها أقرب الناس إليك، وهو ابنك الأكبر.. قتل ضيفكم ليسطو على ماله.. ودفنه بمعونة ابنك التالي خارج الخيمة التي تسكنونها..
- آه يا سيدتي.. كيف عرفت؟ ما الذي أستطيع فعله.. وامرأة ذلك الرجل تبكي وتنوح وتفتش عنه وجثته مدفونة قريباً من مسكني..
- سيأتي بعد أيام تائباً " نادماً"، ويعترف بجريمته، ليأخذ العقاب الذي يستحقه، لن يرحمه الشيخ حمدان.
- أنا أموت يا سيدتي، كنت خائفة على ابني من هذه الجريمة، والآن أتمنى أن ينال عقابه، لم يكن سوى وحش طامع قتل بريئاً يحمل أمانة ليست له كما قال لنا أكثر من مرة..
- اذهبي الآن.. ستتعذبين لبعض الوقت ولكنك ستجدين الراحة بعدها.. رافقها إلى الخارج يا عامر.
- سأفعل يا خالة..
هزت رأسها وهي تبكي بهدوء.
- آه ما أكثر سواد الأيام المقبلة..
قالت الخادمة: - أرجوك يا سيدتي لا تقسي على نفسك كثيراً.
- أرى الدمار يحدث بيننا من جديد.. إنه منظر مرعب يتخايل أمامي دائماً.


:

يـتـبع ..

:


اضافة رد مع اقتباس