(7) النقل للسكن الجديد ..
في الأسبوع الثاني وهو يعتبر البداية الفعلية للدراسة في الجامعة و في صبيحة يوم السبت كان موعد انتقالي للسكن الجديد ( الموعود ) الكل كان يتحدث عنه وأنه أفضل سكن في الجامعة ..
كم كانت مفاجأة عندما شاهدت السكن فقد كان لايصلح حتى سكنا للحيوانات ..
هذا السكن من أجنحة وكل جناح يتكون من 6 غرف وحمام واحد مشترك ودش واحد ومطبخ ..
ومن سوء حظي ان جيراني الخمسة أربعة منهم صينيين وكل منهم يشترك في الغرفة مع صديقته بشكل
غير قانوني ...!!!!!
والخامس يوناني ( جيزاني ) المولد حسب ما ذكرته لي والدته حينما قابلتها أول مرة ، حيث كان والده يعمل مهندس طرق في إحدى الشركات وهو الآن يعمل في دبي ..
لم أذق طعم الراحة في تلك الغرفة ..فالجيران الصينييون مزعجون بل أنهم يلعبون بالكرة أحياناً في المطبخ القذر ..!!. ومما زاد الأمر سوءاً أن الصينين من أكثر الشعوب اقتصاداَ فلا تتعجب مثلاَ حينما تفتح الثلاجة وتجد بقايا عظام سمكه وعليها آثار أسنان وقد حفظت لأكلها في الوجبة القادمة. المشكلة أن الصينين من أكثر الشعوب أكلاَ للخنازير ولك أن تتخيل الثلاجه حينما يشاركك فيها 8 منهم فلا تتعجب أذا فتحت الثلاجه وبدا لك وكأن خمسة خنازير قد ذُبحت في ذلك اليوم ووضعت في الثلاجة.
لم استطع تحمل الوضع أكثر من أسبوعين فطلبت النقل لأحد أسكانات الجامعة والذي يتكون من شقق صغيرة .. أخبرتني الموظفة أن هناك قائمة انتظار طويلة وأن علي الأنتظار حتى يحين دوري ..
المشكلة انني وقعت عقداً مع ادارة سكن الجامعة لمدة سنة ..، طلبت مقابلة مدير السكن (اللوطي كما يفتخر هو بذلك علناَ) والذي لم يكن متواجداً في حينها ..فقابلت نائبه وأخبرته بعدم ارتياحي في السكن وانني أعاني من قلة النوم بسبب الازعاج مما يؤثر على سير دراسة الطب ..
طلبت منه النقل لأحد مساكن الجامعه والذي يعتبر قديم نسبياً في شقة مستقلة أو إرجاع مالي الذي دفعته ..ابدى النائب تعاطفه معي ووعدني خيراً ..
في صباح الغد وصلني خطاب نقل السكن وكم كانت فرحتي بالنقل لشقه عمرها 30 سنة ..!!!
انتقلت إلى الشقة التي تعتبر بمثابة (القصر) بالنسبة لي بعد تلك السكنى..
تكونت الشقة من غرفة وفي زاويتها مطبخ وحمام مستقل ..نقطة مهمة الحمام لم يركب فيه (دش للسباحه) فيمنع منعاً باتاً استخدام شطافات المياه..!! أي من اراد السباحه فليستخدم البانيو ..!!
مما لفت انتباهي أن في العمارة كثير من الإعلانات والتحذيرات من هذه التحذيرات مثلا : ممنوع تركيب واستخدام الدش للاستحمام واكتفي بالبانيو للاستحمام ..!! وذلك خوفاً من تسرب الماء للطوابق السفلى ..
أذكر أن أحد سكان العمارة والذي يسكن في الطابق 15 نسي أن يغلق الماء فتسربت المياه لغرفة الحارس في الدور الأرضي ..!!
اصلحت الادارة ما فسد بسبب التسرب وارسلت فاتورة الاصلاح للمتسبب لتسديدها ..
تقع العماره في أحد الأحياء الفقيرة والغير آمنه من المدينه ويقابلها مسجداً للصوفية. يكثر أنتشار ( المومسات ) ومروجي المخدرات في الحي فلا تتعجب أذا أقبلت عليك فتاة ( شمطاء ) قبيحة المنظر وتسألك أن كنت تريد أن تقوم ب Business . أذكر أن أحداهن سألتني هذا السؤال وكان مستوى اللغه الأنجليزية في تلك الأيام على ( قد الحال ) فارتبكت ولم أفهم المقصود وأجبتها أنني طالب في الجامعه ولست هنا للتجارة!!!. ضحكت بصوت عالي ثم همست لي أن كنت أود أن أمارس ( الرذيلة ). أصبت بصدمة من ذلك فركضت بأتجاه المبنى حتى أسلم منها ومن شرها.
بالمناسبه تعتبر ممارسة الرذيلة مخالفة قانونية تستلزم السجن لأن فيها أهانة وأستغلال للمرأة!!. أذكر قبل فترة قصيرة حين قام قاتل محترف بقتل 5 عاهرات في مدينة Ipswatch في مدة 10 أيام وتم نشر السيرة الذاتيه لتلك العاهرات وتبين أن جميعهن مدمنات مخدرات و يمارسن الرذيلة للحصول على المال من أجل المخدرات.
لنعد لموضوعنا .......
يتميز المبنى بوجود الحراسة الدائمة وكميرات المراقبة الأمنية على جميع الأدوار والمنافذ حتى بدى لي وكأنني أعيش في قلعة أستخبارية. تُعرف بريطانيا العظماء بأنها من أكثر دول العالم أستخداماً لكميرات المراقبه الأمنية فقبل 6 سنوات قُدر عدد الكميرات الأمنية في جميع أنحاء بريطانيا بأكثر من عشرة الآف كميره. بل أن بعض كميرات المراقبه في بعض أجزاء لندن تسجل مايحدث صوت وصوره!!. جميع الطرق السريعه مربوطة بكميرات مراقبه فلا تتعجب لو تعطلت بك السيارة ( لا قد الله ) وأنت على أحدى الطرق السريعة وجاءتك دوريات شرطة المرور على وجه السرعة للمساعدة.
توطدت علاقتي بحُراس الأمن كثيراً والسبب أنني كنت أول من يخرج من العمارة صباحاً وربما كنت آخر من يعود تلك الأيام. أحدهم تم فصله لأنه تلفظ على شخص أسود بكلمة (أسود.. أبن زنى ) وتم تعيين أبن أحد الحراس الأخرين ليحل محله. بريطانيا تعتبر بلد المساوة فهي أفضل بلد أوربي وربما غربي بعد كندا من حيث المحافظة على حقوق الأقليات. من هذه القصة أخذت عبرتين أن الأنسان له قيمة لكونه أنساناً وليس لأي أعتبرات أخرى والعبرة الأخرى أن بريطانيا ( العظماء ) يوجد فيها واسطة ولكن بطريقة أخرى تختلف عن الواسطة في بلادنا وقد تأكدت من ذلك حينما دخلت مجال العمل وسأتي على ذلك فيما بعد.
مايك حارس الأمن كان أكثر حراس الأمن قرباً لي. مايك خدم في البحرية الملكية البريطانية في بطن غواصة وكثيراً مازار مصر أثناء مروره في قناة السويس. كثيراً ماكان يخرج من غرفته أذا رأني قادماً من بعيد لألقاء التحية وتجاذب أطراف الحديث. كان كثيراً مايحدثني عن حياته ومشاكله ( الصحية ) وأمنياته أن يعود شبابه يوماً !!!
جيراني المقابلين لي أتراك قبارصة لازلت على تواصل معهم ..، الزوجة تعمل محاضرة في الجامعة وزوجها يدرس الدكتوراه وقد تخرج الآن..
قضيت في تلك الشقة 4 سنوات ليس حباً فيها ولكن كسلاً مني في إيجاد البديل الافضل. أفضل وأسوء أيام البعثه قضيتها بين جدران تلك الشقة. النفس البشرية قد ترتبط ببعض الأماكن ليس لخصوصيتها بل للذكريات التي تحملها بين جدرانها وهذا ما حدث معي فكثيراً ما تعود بي الذكريات بحلوها ومرها كلما مريت بالشارع الذي تقع عليه تلك العماره. |