يوم الوطن .. ذلك اليوم الذي يتيح لنا أن نتذكر بأن هنالك وطن لنا ! ذلك اليوم الذي يضع الوطن عن عاتقه همومه وتحدياته ومسؤولياته التي نصبح ونمسي ونحن نقرأها ونشاهدها ونستمع اليها ! وينادي الوطن فينا بالمستقبل المشرق القادم لا محالة ! منذ سنوات عديدة ماضية لا زلنا نتسائل عام بعد آخر : هل المستقبل المشرق قد أتى ؟!
كان الوطن كريما في يوم الوطن ! وخرجت جموع البشر تهتف بأسم عظمة الوطن .. وأن لا مثيل للوطن .. وأن ذرات تراب الوطن أغلى من كل البشر !
تحدثت الصحافة وقنوات التلفاز وبرامج الأذاعة عن منجزات الوطن في بناء مصنعين للحلوى وآخر للتسالي ! وخرج الشعراء من كل فج يتغنون بأعلى صوتهم أن لا مثيل للحياة في أرض الوطن .. وتحدث المثقفون أن مكان وطننا الحقيقي هو أرض القمر ! وتنافس المسؤولين على القاء الخطب في النعيم المقيم الذي يحظى به أبناء الوطن .. وسارت أرتال المدرعات وراجمات الصواريخ ومسيرات الجنود تعلوهم طائرات من لهب .. ووقف مسؤول آخر امام هذا العرض العظيم يصدح بصوته : شكرا للوطن .. فقد تمكن من أستيراد الأسلحة !
كان الوطن كريما في يوم الوطن ! فقد شارك نجوم المجتمع من مطربين وفنانيين في أحتفالات الوطن ! وأخذ أبناء الوطن يرددون سوية الأناشيد الوطنية والأغنيات العاطفية ! كم أنت عظيم أيها الوطن ولكننا ننسى !
..........
كان ( خالد ) وزوجه ( زينب ) يشاهدان سوية ما ينقله لهما شاشة التلفاز من أحتفال بالوطن .. قال ( خالد ) يحدث نفسه بصوت مسموع : يبدو أن الوطن عظيم يا زينب ولكننا لا ندري !
أجابته ( زينب ) تريد أن تضفي دعابة في قولها : يقولون !
نظر ( خالد ) لها وقد راق له دعابتها .. وقال : حتى أنا سمعت من أحدهم .. أنهم يقولون ! ثم استدرك الحديث نحو زوجه متسائلا : الآن .. هؤلاء الشعراء في قصائدهم .. وهؤلاء المسؤولين في خطاباتهم .. هم يضحكون علينا أو يضحكون على أنفسهم ؟
ضحكت ( زينب ) .. وقالت صادقة : الوطن عظيم يا خالد .. أعظم من كل القصائد وجميع الخطابات .
قال لها ( خالد ) : أذن أطلبي من وطنك أن يقرضنا إيجار المنزل غدا .. فقد أستحق الإيجار ولم أجد من يقرضني ،،،
أستيقظ ( خالد ) كعادته كل صباح وقد أعدت له زوجه ( زينب ) فطيرة وكأس من الشاي يتناولانها سوية ! ثم غادر منزله وهو يودع زوجته ويسألها أن كان لها رغبة في أمر ما حتى يجلبه معه حين عودته .. فأكتفت أن منحته أبتسامتها وعيناها تقولان له : عد سالما فيسعدني منك ذلك ،،،
أستطاع أن يلحق بالباص وأن يحشر نفسه بين جموع الرجال في الوقت المناسب ! فقد تأخر بضع دقائق عندما أستوقفه صاحب المنزل الذي يقطن به يسأله عن الإيجار ووعده ( خالد ) أنه سيلتزم بالدفعه المستحقه مع منتصف الأسبوع القادم حين يقبض راتبه الشهري كما جرت العاده ومن ثم أستسمحه من تأخره ثم غادره تلحقه بضع عبارات متذمرة لم يتمكن صاحب المنزل أن يحتفظ بها لنفسه !
" اللهم أكفنا شر يوم الحشر " هكذا حدث نفسه وهو يرى الأجساد من حوله تكاد أن تعتصره ! ثم أخذ بعينيه يجوب وجوه الركاب التي حملت فئات وشرائح شتى من المجتمع .. فذلك عامل يحمل أدوات عدته وهذا طالب يحمل بين يديه بضع دفاتر وكتب ويتوجه نحو مدرسته وهؤلاء يبدو من تقاسيم وجوههم أنهم من أبناء أحدى القرى ينشدون مصلحة ما مشتركة بينهم وشاب آخر حمل بين يديه ملفا يبدو عليه أنه باحث عن عمل ! ووجوه ووجوه أخرى ولكن عينيه توقفتا مليا على وجه أحدهم ! وحدث نفسه يبدو من تقاسيم هذا الوجه أنه قضى عمره في هذا المقعد من الباص ! راقت له الدعابة التي أطلقها مع نفسه وأبتسم .. وتذكر حين أبتسامته وجه زوجه ( زينب ) !
تذكر أبتسامتها اللطيفة له حين يغادرها وحين يعود اليها .. ثم زادت أبتسامته أتساعا حين تذكر كذبته الدائمه وهو يسألها : ماذا تريدين أن أحضر لك ؟! وهو يعلم يقينا أن ليس بمقدوره أن يحضر لها شيئا خاصة والشهر قد شارف على نهايته ! ثم تبسم قلبه وهو يتذكر عينيها الصادقتين وقولها له : عد سالما .. وهو يعلم أنها تعلم جيدا أن ليس بمقدوره أن يحضر لها شيئا ،،،
( زينب ) يا ملاكي .. هكذا يصفها حين يتذكرها دون أن يقول لها بذلك يوما ! فلا زالت ذاكرته تحمل حديث رجل متقدم بالعمر .. أخذ يوجه تجاربه ويلقي بنصائحه نحو مجموعة من الشباب الذين شارفوا على الزواج في مجلس ما كان حاضرا فيه .. حينها قال الرجل العجوز : لا تمدحوا نساؤكم في وجوههن .. فيصدقن ويكبر رؤوسهن !