الموضوع: أمي في ذمة الله
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 18/10/2009, 12:59 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ أبو سواج
أبو سواج أبو سواج غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 25/11/2007
المكان: المجمعة
مشاركات: 697
أمي في ذمة الله

بســـــم الله الرحمــــــن الرحيــــــم


الحمد لله على ماقدّر وكتب ، الحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه ، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد




اليوم سأكتب لكم قصتي ، بحال لم أعتدها من قبل
بعقلٍ قتل فيه الطموح ، ونفسٍ أوشكت على إزهاقها الجروح ، وجسد منهك ، وأدمع من حرارتها ذابت جفوني ..




لطالما بكيت ، ولطالما تجرعت الهم والمآسي ، ولطالما ذقت الألم ، تماماً مثل كل البشر

كنت بعد كل مصيبة أحدث نفسي وأقول : مابعد هذا الهم هم ..
كانت أقدار الله ، تلقمني بعد الحجر ، جبلاً ..
وبعد الهم ، فضاء من هموم ..

فأدركت بعدها أن اعتقادي كان خاطئاً ، وقاعدتي بنيت على طين ..




اليوم فقط ، عرفت أن الدنيا قد تظلم في ثورة النهار ، وأن هواء الكون قد لايمنحك نفساً واحداً ، وأن الطفل قد يشيب في ساعات ..


يوم واحد فقط ، كان أقوى من كل أيامي معها ، لحظة حزن واحدة قتلت سنيناً من سعادتي بقربها ، أو معها ، أو فيها ..



في يوم واحد فقط ، رحلت أمي ، فلم أعد أرى بشراً ..



في أول النهار أتت لتوقظني لعملي ، فصحيت لأجله لا لأجلها ..
صحيت وهمي عملي ، صحيت ولم ألتفت لها ، لم أكلمها


بادرتني بصباح الخير ياولدي ، لم أرد لها التحية ..
شاركني الفطور ياولدي ، سأفطر في العمل مع زملائي ..

ذهبت إلى عملي ، ولم أقبل يدها ولا رأسها ، لم أقل لها حتى كلمة تبهج خاطرها ، الذي خلق لها وأستعملته لي ، وياليتني أستحق ..

غرقت في عملي ، لأجل ذاتي ، وهي تغرق في بيتها ، لأجل ذاتي أيضاً



مرت ساعات العمل سريعاً على غير العادة ، وكأنها تحيى لموتي ، وتفرح لحزني

رن هاتفي مبحوحاً ، بنغمةٍ تصارع غصات البكاء
أحسست بها ، من دون جزم
قبلت المكالمة ، فكانت بداية النهاية


أختي تجهش بالبكاء ، بكاء سيطر عليه الخوف ، وتغلف بالسواد ، لم أفهم من كلامها سوى .. أمي .. أمي


أنهيت المكالمة ، فتحت عيناي على مكاتب الموظفين ، فاذا بصورة أمي تملئ المكان ، تارة هنا ، وأخرى هناك
مرةً تدعوني للغداء ، ومرةً تسأل عن حال قدمي المصابة ، لم أكلم أحداً لأني لا أرى أحد ..

لا تسألوني عن الطريق من عملي إلى حيث توجد أمي ، لا أذكر أبداً لا أذكر


دخلت إلى المنزل ، بل إقتحمت المنزل ، فإذا بشحنة من الطاقة السالبة تستقبلني ، رأيت السواد في عز النهار ، بدأت دقات قلبي بالتسارع شيئاً فشيئاً ، حتى رأيتهاهناك في زاوية الصالة ، آآه يااال فضاعة المنظر ..



أمي ترقد بإحرامها على سجادة الصلاة ، وجهها المضيء ، يداها ، قدماها ، جسدها الطاهر ، كلها أمامي ، لكن من دون حراك ..

أختي تبكي ، وأخواني يأتون من أعمالهم ، وأنا أراها ، لم تفارق عيني وجهها ، أنا من سيوقظها كما فعلت بي في الصباح ، خاطبتها ..



أمي ... أمي ... كأني رأيت جفن عينها يتحرك ...
أمي ... أمي ... لم تستجب ...
مددت يدي ولمست يدها ، حركتها ... لم تستجب ...



أحسست بحجر يقف في حلقي ويأبى الخروج ، صدري يدفع ، وعبرتي تصارع ، وعيني لا تفارق أطهر وجه على الأرض ، ناديتها ..



أمي ... أمي ... أمي



عندها أدركت أنها لن ترد لأنها أصبحت جسداً بلا روح
رحلت أمي ، بعد أن كانت على الأرض ، تطهر كل مكان تطأه قدماها ..
رحلت أمي ، وتركتني وحيداً ، مع نفسي ..

رحلت أمي فلم يبقى بشر ...
رحلت من كانت رمزاً لكل جميل ..
فلا أوفى من أمي ، ولا أحّن من أمي ، ولا أرّق من أمي ...



كسرت قوانين العشاق ، والمحبين ، كانت تحبني وأحبها ، ليس كحب ليلي لقيس ، ولا حب قيس لليلى



لم يكن حبها حيوانياً ، تدفعه غريزة الشهوه
لم يكن وفائها شراع ، تحركه رياح المصلحة
لم يكن حنانها مصطنعاً ولامتكلفاً
كانت أرق علي من نسمة الربيع


كانت تخاف علي ، وتراعيني ، وتسهر لأجلي
كانت تحزن لأفرح ، وتشقى لأرتاح ، وتسهر لأنام ، وتترك لآخذ



كانت معي قبل ساعات ، تكلمني ولا أرد ، تدعوني لأشاركها لقمة الصباح فأتركها ، تنتظر مني قبلة على رأسها ويديها ، فأتعالى وأتكبر ...



عودي لي ولو ساعةً ، عودي أمي
عودي لأطهر فمي بقدميك ، عودي لأرسم بسمةً لشفتيك ، عودي لأهديك قلبي وما ملكت يميني ..
أرجوك عودي .. لأقسم لك بأني أرى النهار بعدك مظلماً ،، والأرض بدونك خالية من البشر ،،

عودي فلا الماء بعدك يرويني ، ولا نفساً بعدك يحييني



أمي رحلت ، ولن تجيب
لن ينفع بكاء ولا نحيب
رحلت من غير رجعة ، رحلت إلى ربي وربها
أرحم مني بها ، وأكرم مني لها
اللهم أرحم أمي ، اللهم أرحم أمي







إنتهت القصة ، وهي من نسج خيالي ، لكنها ستكون لي ولك في يوم من الأيام ، إن قدر الله يومها قبل يومك ، وقد كتبتها لكم لعلكم تتأثرون كما تأثرت وأنا أكتب حروفها ، وتستشعرون أن في بيوتنا أبواب مشرعة لمن أراد الجنه

فهاهي أمك تنتظر قدومك لتقبل رأسها ويديها ، ولاتعصي لها أمراً في غير معصية الله

أما أنا الآن ، فغارق في تقبيل رأس ست الحبايب






كتبـه لشبكـة الزعيـم الموقـع الرسمـي لنـادي الهــلال
أخوكم / أبو سواج
كونـوا بخـير


اضافة رد مع اقتباس