مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 07/09/2009, 05:43 AM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة النمل (6)

‏[‏87 ـ 90‏]‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏
يخوف تعالى عباده ما أمامهم من يوم القيامة وما فيه من المحن والكروب، ومزعجات القلوب فقال‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ‏}‏ بسبب النفخ فيه ‏{‏مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ انزعجوا وارتاعوا وماج بعضهم ببعض خوفا مما هو مقدمة له‏.‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏ ممن أكرمه الله وثبته وحفظه من الفزع‏.‏ ‏{‏وَكُلٌّ‏}‏ من الخلق عند النفخ في الصور ‏{‏أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ صاغرين ذليلين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا‏}‏ ففي ذلك اليوم يتساوى الرؤساء والمرءوسون في الذل والخضوع لمالك الملك‏.‏
ومن هوله أنك ‏{‏ترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً‏}‏ لا تفقد ‏[‏شيئا‏}‏ منها وتظنها باقية على الحال المعهودة وهي قد بلغت منها الشدائد والأهوال كل مبلغ وقد تفتت ثم تضمحل وتكون هباء منبثا‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ‏}‏ من خفتها وشدة ذلك الخوف وذلك ‏{‏صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ‏}‏ فيجازيكم بأعمالكم‏.‏
ثم بين كيفية جزائه فقال‏:‏ ‏{‏مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ‏}‏ اسم جنس يشمل كل حسنة قولية أو فعلية أو قلبية ‏{‏فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا‏}‏ هذا أقل التفضيل
‏{‏وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ من الأمر الذي فزع الخلق لأجله آمنون وإن كانوا يفزعون معهم‏.‏
‏{‏وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ‏}‏ اسم جنس يشمل كل سيئة ‏{‏فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ‏}‏ أي‏:‏ ألقوا في النار على وجوههم ويقال لهم‏:‏ ‏{‏هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏
‏[‏91ـ93‏]‏ ‏{‏إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏
أي‏:‏ قل لهم يا محمد ‏{‏إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ‏}‏ أي‏:‏ مكة المكرمة التي حرمها وأنعم على أهلها فيجب أن يقابلوا ذلك بالشكر والقبول‏.‏ ‏{‏وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ‏}‏ من العلويات والسفليات أتى به لئلا يتوهم اختصاص ربوبيته بالبيت وحده‏.‏ ‏{‏وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ أبادر إلى الإسلام، وقد فعل ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه أول هذه الأمة إسلاما وأعظمها استسلاما‏.‏
‏{‏و‏}‏ أمرت أيضا ‏{‏أن أَتْلُوَ‏}‏ عليكم ‏{‏الْقُرْآنُ‏}‏ لتهتدوا به وتقتدوا وتعلموا ألفاظه ومعانيه فهذا الذي علي وقد أديته، ‏{‏فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ‏}‏ نفعه يعود عليه وثمرته عائدة إليه ‏{‏وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏}‏ وليس بيدي من الهداية شيء‏.‏
‏{‏وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏}‏ الذي له الحمد في الأولى والآخرة ومن جميع الخلق، خصوصا أهل الاختصاص والصفوة من عباده، فإن الذي ينبغي أن يقع منهم من الحمد والثناء على ربهم أعظم مما يقع من غيرهم لرفعة درجاتهم وكمال قربهم منه وكثرة خيراته عليهم‏.‏
‏{‏سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا‏}‏ معرفة تدلكم على الحق والباطل، فلا بد أن يريكم من آياته ما تستنيرون به في الظلمات‏.‏ ‏{‏لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ‏}‏
‏{‏وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ بل قد علم ما أنتم عليه من الأعمال والأحوال وعلم مقدار جزاء تلك الأعمال وسيحكم بينكم حكما تحمدونه عليه ولا يكون لكم حجة بوجه من الوجوه عليه‏.‏
تم تفسير سورة النمل بفضل الله وإعانته وتيسيره‏.‏
ونسأله تعالى أن لا تزال ألطافه ومعونته مستمرة علينا وواصلة منه إلينا، فهو أكرم الأكرمين وخير الراحمين وموصل المنقطعين ومجيب السائلين‏.‏
ميسر الأمور العسيرة وفاتح أبواب بركاته والمجزل في جميع الأوقات هباته، ميسر القرآن للمتذكرين ومسهل طرقه وأبوابه للمقبلين وممد مائدة خيراته ومبراته للمتفكرين والحمد لله رب العالمين‏.‏ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‏.‏

على يد جامعه وممليه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، وذلك في 22 رمضان سنة 1343‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)



الحمد لله
اضافة رد مع اقتباس