مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 22/08/2009, 05:35 PM
المنتدى الاستشاري المنتدى الاستشاري غير متواجد حالياً
المجلس العام
تاريخ التسجيل: 28/04/2003
المكان: المجلس العام
مشاركات: 2,104
ღ♥ღ على مـائـدة الإفـطار ღ♥ღ





فكرة واعداد وتحرير : شـذى
كتابـة المقدمـة : القاضي
قطع الصوت : الهنوووف
تصميــم : عسيريه



المـقـدمـة

بقـلم : القاضي

كيف تكتبُ مقدمةً عنْ رجلٍ بحجمِ و هامةِ و مكانةِ الشيخِ الجليلِ عليٍّ ، أديبِ الفقهاءِ
و فقيهِ الأدباءِ. كان بين أظهرنا لكنّه سبق زمانه بعقود. كتبه و برامجه في الرادِّ و في
الرائي (بحسب ما كان يطلق عليهما الشيخ) تترجم له خير ترجمه. محدثكم يتجنب
الكتابة عن من يحبهم و يجلّهم و يعْظُمُ ذلك ، أي التجنب ، إنْ هم لحقوا بالرفيق الأعلى
و مرد ذلك لأنني لا أتمالك نفسي حين أذكرهم فيختلط حبري بدمعي و يعتصرني الألم
فأحار كم يحار الطفل الرضيع إذا بحث عن أمه فلم يجدها.

شهر رمضان له عبق و رائحة زكية عطرة و خلاله تصفوا النفوس و تسمو الأرواح
و ذلك لتشريف ربنا عز و جل له عن باقي شهور السنة، و كذا فعل شيخنا الجليل ،
نوّر الله ضريحه ، فكان أن خصّ هذا الشهر ببرنامج خاصٍ (على مائدة الإفطار) يعرض
في التلفاز يومياً عقب صلاة المغرب في مكة المكرمة. هذا البرنامج ذاع صيته و اشتهر
و ارتبط الناس به و بصاحبهِ أيما ارتباط . المثير للدهشة ، وهو ليس كذلك لمن عرف و تابع
الشيخ رحمه الله ، أن هذا البرنامج بأكمله كان يسجل خلال يومين فقط ، ثلاثون حلقة كاملة
تسجل واحدةً تلو الأخرى ، رحم الله شيخنا الجليل ما أشدّ عزمه على عظم تواضعه.

كنت أرى والديَّ رحمهما الله وهما يشاهدان الشيخ ، و أمثالهما كثر ، فلا تكاد تسمع شيئاً حولك
إلا صوت الشيخ و هو يعلق و ينصح و يشرح. شكّلَ الشيخُ و برنامجه ذاك بعداً آخر لرمضان ،
طعماً حسناً و رائحة زكية . يأتيك بعد بضع عشرة ساعة من الصيام ليخاطبك بكلام لا يمر بأذنك
إلا سريعاً ليستقر في قلبك و جنانك ، فالتصق وقت الإفطار بالشيخ و برنامجه و حين أعادت
قناة المجد بعض حلقاته قبل عامين أتت صور الذكريات تترى و امتلأت المآقي بالدموع.

إني لأنصح كل من يقرأ هذا الكلام أن يقتني كتب الشيخ ليقف بنفسه على هذه الثروة الأدبية
و المعرفية و التربوية ، و أحث بشكلٍ خاصٍّ بـ " حديث النفس" ثم بسلسلة ذكريات الشيخ
و تقع في ثمان مجلدات .

أختم بما قاله الدكتور أحمد السباعي عن الشيخ فقد كتب : ( أكاد لا أعرف قلماً معاصراً
ظلمته الأقلام ، و أديباً عقه الأدباء ، و محدثاً أغفله المحدثون ، و قمة تجاهلها المتسلقون ،
كمثل الطنطاوي ..)














* الرحلة الأولى *

رمضــــان

هذا الحديث عن رمضان ، وفي رمضان النور والعطر ، وفي رمضان الخير والطهر ، وفي رمضان الذكريات الكثر ،
ففيه نزل الذكر ، وفيه ليلة القدر ، وكان فيه نصر بدر ، وفي آخره عيد الفطر . ورمضان نور على المآذن ونور في
القلوب ، ورمضان صوم عن الطعام ، وصوم عن الحرام . إن كانت الحياة تنازعا على الحياة ، فهذا الشهر إدراك
لسر الحياة ، وإن كان العمر كله للجسم ، فهذا الشهر للروح ، وإن كانت الدنيا للتناحر والخصام ، فهذا الشهر للحب والوئام .
هذا هو رمضان الذي أبصرت وجهه من كوة الطفولة فأحببته ، ورأيت أثره الخير في كل مكان في دمشق , فأكبرته ،
ثم لم أعد أراه أبداً , فعلمت أني قد افتقدته واضعته . إن رمضان الذي عرفته لم يعد يتردد على دمشق . إن هذا
رمضان جديد
؛ يحمل اسم رمضان الأول ، الذي رأيته أول مرة منذ أكثر من أربعين سنة ؛ ولكنه ليس ذلك الـ ( رمضان )
رمضان القديم كان يغمر أرجاء دمشق كلها , فكنت تحس به حيثما سرت . تراه في المساجد الممتلئة بالمصلين والقارئين ،
والملتحقين حول كراسي المدرسين , وتراه في الأسواق ؛ فلا تجد عورة بادية
؛ ولا منكراً ظاهراً ؛ ولا مطعماً مفتوحاً ؛
ولا مدخناً ولا شارباً ، وتشتري البضاعة وأنت آمن من الغش والغبن
؛ لأن أفسق البائعين لا يغش في رمضان ، والمرأة
تعمل مطمئنة إلى أنها مهما أخطأت فلن تسمع من زوجها كلمة ملام
؛ لأن المسلم الصائم لا يشتم ؛ ولا يلوم في رمضان ؛
والرجل يجيء إلى بيته وهو آمن أن يجد من زوجه نكداً أو إساءة ، لأن المرأة المسلمة الصائمة لا تؤذي زوجها في رمضان ،
ولو تركت بابك مفتوحاً لما دخل لص ، لأن اللصوص يضربون عن العمل ويتوبون عن السرقة في رمضان .

أما رمضان الجديد ، فلا تعرفه هذه الشوارع الجديدة والأحياء الحديثة ، ولم يعرف ـ بعدُ ـ الطريق إليها ، ودمشق
القديمة لم يعد يستطيع أن يسيطر عليها ، فالمساجد مملوءة بالنائمين ، والصائمون تسوء أخلاقهم في رمضان من
الجوع وشهوة الدخان
؛ والشياطين تُصفد في رمضان ؛ ولكن الفساق ينطلقون عاملين فيه كما كانوا يعملون قبل رمضان .
ولقد كان أشد الناس بعداً عن الدين إذا سمع مدافع رمضان تاب وأناب إلى الله
؛ ونزع نفسه الآثمة واستبدل بها
نفساً زكية متعبدة
؛ كما ينزع ثوبه الوسخ ويستبدل به ثوبا نظيفا ؛ والبيوت التي كان يسودها الخصام تتحول في
رمضان إلى دور أمن وسلام والمدينة تصير كلها أسرة واحدة
؛ أو مدرسة داخلية يأكل الناس فيها في وقت واحد ،
وينامون في وقت واحد ، ويقومون في وقت واحد . إذا دنت ساعة الغروب رأيت الناس ـ جميعاً ـ مسرعين إلى
بيوتهم ، وهذا يحمل صحن الفول المدمس
؛ وهذا يحمل الجرادق ؛ والبرازق ، وتكون المائدة منصوبة حتى إن أفقر
الناس يجد في رمضان فطوراً شهياً ، لأن كل صائم في رمضان يتفقد جيرانه ومن حوله ، فلا يأكل هو الطعم الطيب،
والألوان الكثيرة ، وجاره لا يجد الخبز والجبن .وتصطف الأسرة كلها حول المائدة ، يجمعها شعور واحد
؛ شعور
يجمع الغني والفقير
؛ والأمير والأجير ؛ هو الجوع ؛ أغنى الناس يشتهي قبل المغرب ملعقة من حساء أو رشفة
من شراب . والأولاد يقفون على الشرفات
؛ أو على جوانب الطرقات ، فإذا رأوا مصباح المنارة ، أو سمعوا المدفع
صاحوا بنغمة موزونة ولحن موقع : أذّن . أذّن . أذّن . وطاروا إلى بيوتهم كما تطير العصافير إلى أعشاشها إذا رأت
طلائع الليل ، وتخلو الطرق
؛ وتهدف الأصوات ثم ترتفع من كل مكان ؛ من الكوخ ومن القصر على السواء ، كلمة :
الحمد لله ، كلهم شبع ، وكلهم رضي ، وكلهم شكر ، الذي أكل السبعة الألوان والذي أكل الخبز والمسبحة والفول .
ثم يمضي الرجال إلى المساجد ؛ ليصلوا التراويح ، أو يصلوها مع أهليهم ، وتكون الأسواق مضاءة ، والأولاد مزدحمين
فيها ، على بائع المثلجات إن كان الوقت صيفاً أو بائع الفول النابت . ومن أراد لهوا لم يجد إلا الحكواتي يقص قصة عنتر
وكلها بطولة ونبل -
؛ لا كهذه القصص الآثمة الداعرة التي تغضب الكلاب لو وصفت مجتمعاتها بمثل ما وصف به المجتمع
الأمريكي في قصة "طريق التبغ " التي طبعت من سنين قليلة عشرين مرة
؛ وبيع ملايين ؛ أو الكراكوزاتي ..

فإذا مضت ساعة بعد صلاة العشاء
؛ انطفأت الأضواء ؛ وخلت الأسواق وانصرف الناس إلى دورهم ليناموا ، ولم تكن
هذه الإذاعات التي لا تسكت لحظة في رمضان ، ولا كانت في البيوت هذه الأجهزة الشنيعة ، مصيبة المصائب
الراد ( الراديو ) الذي تستطيع كل امرأة جاهل ، وكل ولد لعاب أن يزعج به مئة بيت ، ولا يكلفه ذلك إلا أن يمد أصبعه
وهو نائم فيدير زره أنملة ( سانتي متر ) فيدخل الداء العصبي على كل ما سكن هذه البيوت
؛
ويهرب رمضان المسكين بتأمله وخشوعه وطهره .

إن رمضان لا يستطيع أن يعيش إلا في الهدوء والسكون ، فكيف يعيش في هذه الضجة الهائلة ، وكيف يتفرغ الصائم
لعبادته , وكيف يتوجه إلى ربه ؟ وكيف ينام ليقوم إلى السحور ، إذا كان كل صاحب رادّ لا يسمع وحده بل يسمع
أربعين جاراً ، وكانت الأصوات لا تنقطع طول الليل ، والمسحر يجيء من الساعة الواحدة ، وهؤلاء الموسيقيون
الفاشلون الذين عجزوا عن أن يكون رجال فن، فأسبغوا على غنائهم ثوب الدين ، والدين يبرأ منهم وتغزلوا بالرسول
بدلا من التغزل بليلى وسلمى، والبياعون يأتون من طلوع الشمس ، مصلح البوابير ، ويباع الحليب ( واللي عنده سجاد للبيع)
والأولاد الذين يتخذون الحارات والجادات ملاعب للكرة .

وكيف يشعر بوجود رمضان من يركب الترام فيرى أمامه من يدخن وينفخ في وجهه الدخان ، ويرى المطاعم مفتحة
والأكلة يأكلون ، ويرى الناس إن صاموا عن الشراب وعن الطعام ، لا يصوم إلا القليل منهم عن الكذب والغش والغيبة
والبذاءة والحلف بغير الله ، أو الحلف كاذبا بالله ، ولا يصوم إلا القليل عن الغضب والبطش والأذى . وليس الصيام
ـ في الحقيقة ـ إلا تدريب خلقي
؛ ليس الصوم جوعا وعطشا فقط ، خلق الله ملائكة ؛ وخلق شياطين وخلق وحوشا وسباعاً.
فالملك خير كله ، والشيطان شر كله ، والسبع طبيعته البطش ، لولاه ما عاش ،
وخلق الإنسان من الثلاثة جميعاً ، ففي الإنسان
ملك وشيطان وسبع ، الملك له الإيمان والرحمة
والطاعة والخشوع والسمو النفسي ، والشيطان له الشهوة المحرمة والكذب

والاحتيال والإفساد ، والسبع له الغضب والبطش والقهر . والصيام في الحقيقة صيام عن السبعية والشيطانية ؛ لتخلص النفس
في هذا الشهر للملكية . فإذا لم تظهر على الصائم أخلاق الملائكة ، وإذا بقي يغضب ويبطش كالسبع ، ويشتهي ويفسد كالشيطان
فإنه لم يعرف حقيقة الصيام .

لقد كان رمضان الذي يجيء دمشق من أربعين سنة رمضان حقيقيا ، وما أدري أمات وجاء غيره ، أم قد شاخ وعجز أن يطوف
دمشق كلها فصار يثبت وجوده في المفكرة والتقويم وفي أضواء المآذن ومدافع القلعة فقط ، فقط لا غير ، أم أنا الذي تغير وتبدل؟
كنت أنظر قبل أربعين سنة بعين صبي لم يقترف إثماً . فكنت أرى رمضان ، فلما أثقلت الآثام أجفاني لم أعد أراه !
أين ذلك الرمضان ؟ أين هو ؟ دلوني عليه دلوني عليه أجد فيه ماضي الذي فقدته ، وأُنسي الذي أضعته . رمضان الذي يتوب
فيه كل عاصٍ ، ويتصل فيه كل منقطع ، ويشهد فيه كل محجوب ، وتسطع فيه الأنوار في كل قلب ، حتى لتمتلئ بالرضا
والاطمئنان والحب ، ويقوم الناس في الأسحار ساعة يتجلى الله على الوجود تجلي الرحمة والغفران وينادي المنادي من السماء :
ألا من سائل فأعطيه ألا من مستغفر فأغفره ، فيهتفون من أعماق قلوبهم : يا أرحم الراحمين ، ويسألون الله ويستغفرونه ؛ فيحسون
أن قد صعدوا بأرواحهم إلى حيث يرون الأرض كلها ومن عليها ذرة تجول في هذا الفضاء . الدنيا كلها بأطماعها وأحقادها ومغرياتها ،
ويتذوقون اعظم اللذات
؛ اللذة التي لا تقاربها لذة ، لذة الاتصال بالله ؛ ومناجاته في سكنات الليل ، وهدآت الأسحار , فتسطع أنوار
الإيمان في كل قلب ويمتلئ بالرضا والاطمئنان والحب ، والقلب كالنسر الذي يضرب بجناحه في طباق السماء ولكنا قيدناه بقيود
المادة ، ثم أغرقناه في حمأة المطامع والشهوات . فكيف يطير نسر مقيد الجناح غارق في الطين ؟ هذا هو رمضان .؟.. فحلوا القيود
عن قلوبكم واغسلوها من أوضار الحمأة التي غمستموها فيها ، ودعوها ترتفع لتطلّع على جمال الوجود ،
وترى من هذا المرقب العالي جمال رمضان .

من كتاب ( صور وخواطر )





من طرائف الشيخ


يقول الشيخ : ومن طريف أخبار ذوي الغفلة من الوعّاظ، أن أحد مشايخنا جاءه من يقول له: إن ( منيرة المهدية ) تغني وترقص
في ( العباسية )، فأعلن غضبه في درسه في الجامع الأموي، وقال: كيف ترقص هذه المرأة أمام الرجال، وهي كاشفة جسدها،
مبدية مفاتنها؟! أين الدين، وأين النخوة؟ فقالوا: نعوذ بالله، وكيف يكون هذا؟! وأين - يا سيدنا - ومتى؟ قال: في العباسية،
في الليل، بعد صلاة العشاء. وكان نصف المقاعد خالياً، فامتلأت تلك الليلة المقاعد كلها! فليتنبه الواعظون،
فكثيراً ما تكون المبالغة في وصف المنكر دعاية له!







1- هلمجرا
كبير استشاريي منتدى الجمهور الهلالي





لم يكن الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - مجرد شيخا عابرا في حياتنا كمسلمين ،
بل كان مربيا فاضلا ورمزا من رموز الدعوة الإسلامية .. لما يتمتع بأسلوب سهل يسير وعفوي يحاكي العقل والقلب معاً







اعادني الحديث عن الشيخ الجليل الى امسيات رمضانية هائلة وذكريات [ طاغية ] من زمانٍ مضى ..
نتسمر بها حول التلفاز مع والدتي ( رحمها الله ) ووالدي واخوتي ..
نصغي بصمتِ الى حديثٍ ماتع لتلك اللغة العربية الفصحى بلكنة شاميّة جميلة
كلمات عفوية منه تمس القلوب ، وتعمر النفوس وتزرع املا وتجدد حياة
اعادني الحديث عن شيخنا الجليل الى اول كتاب اقتنية للشيخ " مع الناس " ..
وانا بعمر مبكر.. واول دهشة اتعرض لها في ثنايا قصص الكتاب .. واول سلسلة كبيرة امتلكها في مكتبتي مكونة
من [7] مؤلفات للشيخ علي الطنطاوي .. واول شغف لحالة اسمها القراءة


لله درك ياشيخنا الفاضل ..
وطاب ممشاكَ في قلوبنا
.
.
تركتنا وفي القلب غصة وبالعين عبرة
تركتنا وقد انهكتنا الويلات وسطت على نشرات اخبارنا انباء الحروب
تركتنا وقد [ تراخت ] الهمة ودبت بنا الغفلة

هانحن نستحضر ذكراك العطرة
فقد مضيت ولم يمضِ اثرك بنا

.
.
رحم الله الشيخ علي الطنطاوي رحمة واسعة، وجعل مثواه الجنة، مع النبيّين والصدّيقين والشهداء.




وفي الختام انتظرونا في رحلة أخرى مع الشيخ
لنستكمل الإبحار في روائعه .

مشرفوا واستشاريوا المجلس العام
يتمنون لكم صياماً مقبولاً وافطاراً شهياً