مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #12  
قديم 10/03/2004, 11:00 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ srabالهلال
srabالهلال srabالهلال غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 07/12/2002
المكان: السعودية - البديعه
مشاركات: 2,602
مقياس محبة الله
لكل شيء مقياس يقاس به، وقد وضع الله مقياس محبته عز وجل: )قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ..( [آل عمران: 31].. إن محبة الله ليس معنى هلامياً أو مبهماً، ولكنه قيمة، يمكن لمسها، والتعرف عليها، وقياسها، ورصد مظاهرها. فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو المقياس، والاتباع عبارة عن أوامر ونواهٍ شرعية، نص عليها القرآن والسنة. أما الابتداع، فإنه دليل انتفاء وكذب ادعاء المحبة لله، ولرسوله.

قال ابن القيم رحمه الله: "والمحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب، وألا يشرك بينه وبين غيره في محبته، وإذا كان المحبوب من الخلق يأنف ويغار أن يُشرك معه محبة غيره في محبته، ويمقته لذلك، ويبعده، لا يحظيه بقربه، ويعده كاذباً في دعوى محبته... فكيف بالحبيب الأعلى، الذي لا تنبغي المحبة إلا له وحده، وكل محبة لغيره فهي عذاب على صاحبها ووبال. ولهذا لا يغفر الله سبحانه وتعالى أن يشرك به في هذه المحبة، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.."(1).

تهديد ووعيد
"ومن أعرض عن محبة الله وذكره، والشوق إلى لقائه، ابتلاه بمحبة غيره، فيعذبه بها في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة. فإما أن يعذبه بمحبة الأوثان، أو بمحبة الصلبان، أو بمحبة الصلبان، أو المُردان، أو بمحبة النسوان، أو محبة العشراء، أو محبة ما دون ذلك، مما هو في غاية الحقارة والهوان، فالإنسان عبد محبوبه، كائناً من كان.

أنت القتيـل بكــــل مــن أحببتـه

فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي"(2).

"أنواع المحبة"
عقد ابن القيم، في كتابه القيم "الداء والدواء"، فصلاً تحت هذا العنوان، وذكر فيه هذه الأنواع:

النوع الأول: محبة الله: ولا تكفي وحدها للنجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، فإن المشركين، وعباد الصليب، واليهود، وغيرهم، يحبون الله.

النوع الثاني: محبة ما يحب الله: وهذه هي التي تدخله في الإسلام، وتخرجه من الكفر، وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.

النوع الثالث: الحب لله وفيه: وهي من لوازم محبة ما يحب، ولا تستقيم محبة ما يحب، إلا فيه، وله.

النوع الرابع: المحبة مع الله: وهي المحبة الشركية، وكل من أحب شيئاً مع الله، لا لله، ولا من أجله، ولا فيه، فقد اتخذه نداً من دون الله، وهذه محبة المشركين.

قال ابن القيم: "وبقي قسم خامس، ليس مما نحن فيه، وهو المحبة الطبيعية، وهي كل ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم، والزوجة والولد، فتلك لا تُذم، إلا إذا ألهت عن ذكر الله، وشغلت عن محبته، كما قال سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ ولا أَولادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ..( [المنافقون: 9]. وقال سبحانه وتعالى: )رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ..( [النور: 37](3).

* * *

شعبة وجوب الخوف من الله عز وجل
إن موضوع الخوف من الله يجب أن تحسمه المسلمة الربانية مع نفسها على عدة أسس:

1. أن الله وحده هو مالك النفس، هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يعطي ويمنع، ويقبض ويبسط.

2. أن الله هو وحده مالك الجنة والنار، وأن نعيم الدنيا وعذابها ضئيلان جداً، ويمضيان سريعاً بالقياس إلى النعيم والعذاب الأخروي.

3. أن مصدر الخوف يجب أن يكون واحداً؛ لأن مصادر الخوف لو تعددت، لشغلت العبد عن الخوف الأكبر، )فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( [آل عمران: 175]. )فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ( [المائدة: 44].

4. أن مجرد الخوف من الله الواحد القهار من أسباب دخول الجنة، )وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ( [الرحمن: 46].

وحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة: "أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت، أوصى بنيه، فقال: إذا أنا مت، فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم اذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه به أحداً". قال صلى الله عليه وسلم: "ففعلوا ذلك به، فقال الله تعالى للأرض: أبدي ما أخذت، فإذا هو قائم، فقال الله تعالى له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا رب - أو قال: مخافتك -فغفر له بذلك"(رواه مسلم).

5. إن الخوف من الله الواحد القهار من أعظم أسباب الاستقامة على الدين والصلاح.

6. إن الخوف من الله وحده أعظم علاج للجبن والخوف من غيره.

وأما الخوف من السباع، ومن مصادر الشرور، ومن قطع الطريق.. باتقاء مواضعها وأسبابها، فإن ذلك من الحذر الواجب شرعاً: )وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( [البقرة: 195]. وكقول موسى عليه السلام لفرعونفَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ..( [الشعراء: 21]. إنه موسى عليه السلام الذي رجع إلى مصر، ودعا فرعون إلى الله، وفضح طغيانه، ولم يخف منه.

مبدأ تربوي
هذه الشعبة من شعب الإيمان تمثل أحد أهم المبادئ في تربية الأولاد، والمسلمة الربانية، بوصفها أماً، وهي تربي أولادها وأحفادها، تربيهم جنوداً للإسلام، يجب عليها أن تؤسس فيهم هذه الشعبة تأسيساً متيناً، تلك التربية تنمي الشجاعة في نفوس الأولاد، وتؤهلهم لأن يكونوا مصلحين.

كتب الشيخ "عبدالله ناصح علوان" في كتابه القيم "تربية الأولاد في الإسلام"(4) يقول: فما أحوجنا إلى مربين جادين وواعين، يغرسون في الطفل، منذ أن يفتح عينيه، خُلُُق الجرأة والشجاعة وقولة الحق... حتى إذا بلغ الولد السن التي تؤهله في أن ينقد، أو أن ينصح، أو أن يقول، قام بواجب النصح ومسؤولية النقد خير قيام، بل انطلق في مضمار الدعوة إلى الله، وفي تبليغ رسالة الإسلام، وفي تقويم الاعوجاج والانحراف، دون أن تأخذه في الله لومة لائم، ودون أن يصده عن إعلان كلمة الحق مستبد أو ظالم".

وذكر الشيخ "عبدالله ناصح علوان" نماذج للشجاعة (في الصفحات من 477 إلى 482)، وتاريخنا الإسلامي ملآن بالنماذج المشرفة، فلترجع إليها من شاءت.



_______________

الحواشي:

1. الداء والدواء، فصل توحيد المحبوب.

2. المصدر السابق.

3. الداء والدواء.

4. الجزء الأول، صفحة 465، المراقبة والنقد الاجتماعي.
عبدالقادر أحمد عبدالقادر
اضافة رد مع اقتباس