مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #2  
قديم 06/03/2004, 11:00 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ srabالهلال
srabالهلال srabالهلال غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 07/12/2002
المكان: السعودية - البديعه
مشاركات: 2,602
ما أشد حاجة الدعاة إلى الله إلى الرفق!

ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين
الدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل، والأنبياء، وأتباعهم، والصالحين، ومن تشبَّه بهم، فالتشبه بالرجال فلاح ونجاح.

قال صلى الله عليه وسلم لعليّ عندما بعثه إلى اليمن داعياً ومفقهاً لأهلها: "لئِن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النعم".

لقد قصر الله الخيرية في هذه الأمة على المؤمنين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فقال: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، وأوجب على طائفة من هذه الأمة التفرغ للدعوة: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وقال: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".

والدعوة إلى الله واجبة حسب الطاقة في كل الظروف والملابسات، فيوسف عليه السلام عندما ألقي في السجن ظلماً وعدواناً باشر وظيفته رغم مشاق الحبس وظروفه: "يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عندما أودع سجن القلعة بدمشق، وعندما سجن كذلك ظلماً وعدواناً بالإسكندرية، لم يحل ذلك بينه وبين وظيفة الدعوة، فقد ظل يباشر الدعوة إلى الله وسط المسجونين، وقد استفادوا من وجوده الشيء الكثير، ولهذا عندما أدخل القلعة تلا قوله تعالى: "وضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب".

الحمد لله والصلاة والسلام على أفضل رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

لقد أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يرفقا بعدو الله وعدو نفسه فرعون، مع سابق علمه بكِبْره، وصلفه، وكفره، وعناده، قائلاً: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أويخشى".[1]

ما أمس حاجتنا معشر المسلمين، سيما الدعاة، إلى الرفق والتلطف في شأننا كله، في:

1. معاملتنا لأهلينا ومن نعول.

2. معاملتنا للآخرين.

3. تعليمنا للناس.

4. دعوتنا لهم.

5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لقد مدح اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بقوله: "ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"[2]، وشهد له بحسن الخلق فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم"[3]، ووصفه بصفتين من صفاته العلا، فقال: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه من عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم".[4]

وقال تعالى: "وقولوا للناس حسناً"[5]، أي خاطبوا جميع المخلوقين بالحسنى، وقال مخاطباً الأمة في شخص نبيها صلى الله عليه وسلم: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"[6]، جاء في تفسيرها: (هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين، دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة، فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين، وقد قيل إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورُجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة، والله أعلم).[7]

لقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم والرفق والرفقاء، وبيَّن أن الله عز وجل رفيق يحب الرفق، فقال لأشج عبد القيس رضي الله عنه: "إن فيك خَصلتين يحبهما الله: الحِلم والأناة".[8]

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق كله".[9]

وفي رواية عنها لمسلم[10]: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".

وعنها كذلك عند مسلم[11]: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه".

وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "لا تكوني فاحشة، فإن الفحش لو كان رجلاً لكان رجل سوء".

قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "وقولوا للناس حسناً: (قال سفيان الثوري: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، أبو العالية: قولوا لهم الطيب من القول، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به، وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً، مع البرِّ والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يُرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: "فقولا له قولاً ليناً"، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله باللين معه، وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيَّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ؛ فقال: لا تفعل! يقول الله تعالى: "وقولوا للناس حسناً"، فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالحنفي؟!).[12]

قال يحيى بن معاذ رحمه الله في تفسير قوله: "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أويخشى" مخاطباً ربه: (هذا رفقك بمن يقول أنا الإله، فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله؟!).

وقد قيل إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان، فشاور هامان، فقال: لا تفعل، بعد أن كنت ملكاً تصير مملوكاً، وبعد أن كنت رباً تصير مربوباً؟!

فويل لهامان من فرعون، وويل لفرعون من هامان، والويل ثم الويل لكل من اقتدى بفرعون وهامان من الحكام، والوزراء، والمستشارين، الذين يزينون الباطل ويصدون عن الحق.

وعلى العكس من ذلك فإن الغلظة، والفظاظة، والعنف، والشدة، والفحش، والتفحش لا تأتي بخير قط إلا مع الكفار المعاندين والمنافقين الجاحدين، كما قال تعالى: "إلا الذين ظلموا منهم"، بعد أن تستنفد معهم الوسائل اللينة.
اضافة رد مع اقتباس