مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 25/02/2004, 12:57 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ srabالهلال
srabالهلال srabالهلال غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 07/12/2002
المكان: السعودية - البديعه
مشاركات: 2,602
لاحياء في الدين؟

مرحلة التكليف الشرعي :

والدي العزيز لقد اتفقنا بالأمس على أن يدور بيننا هذا الحوار حول مرحلة التكليف الشرعي والبلوغ، فأرى أن أول نقطة مهمة هي أن نحدد بوضوح متى تبدأ هذه المرحلة، فمتى يصير الإنسان بالغاً ومكلفاً شرعاً؟

نعم يا بني، إن الإجابة على هذا السؤال هي أول خطوة في هذا الموضوع، فقبل الحديث عن أي قضية متعلقة بالتكليف والبلوغ لابد من تحديد هذه المرحلة تحديداً دقيقاً.

ولما كانت هذه المرحلة هي بداية التكليف الشرعي، ومرحلة فاصلة بين الصغير والكبير في الشرع، جعل الشرع لها علامات واضحة محددة بحيث لا تختلط بما قبلها.

فأول علامات البلوغ إنزال المني، سواء كان ذلك يقظة أو مناماً.

والعلامة الثانية إنبات شعر العانة، وهو الشعر الذي ينبت حول ذكر الرجل، وفرج المرأة.

والعلامة الثالثة بلوغ سن الخامسة عشرة بالسنين القمرية، ويخطئ بعض الذين تسجل أعمارهم بالسنوات الميلادية فيعتبرون البلوغ على أساسها.

وتزيد الفتاة على الشاب بعلامتين الأولى الحيض، والثانية الحمل.

فإذا وجد لدى الشاب أو الفتاة واحدة من هذه العلامات فقد بلغ، ولا يشترط بعد ذلك وجود سائر العلامات.

حبذا يا أبي لو ذكرتني ببعض الأحكام المتعلقة بالإنزال ؟

إنه سؤال يابني له أهميته، فكثير من الشباب حين يبلغ تفاجئه هذه الحالات وهو يجهل أحكامها، أو بعض التفاصيل في ذلك، فيمنعه الحياء من السؤال، مما يوقعه في أخطاء شرعية وهو غير معذور في ذلك مادام يجد من يسأله ويستفتيه من أساتذته ومعلميه.

اعلم يا بني أن ما يخرج بسبب الشهوة قسمان

1 - المذي وهو سائل رقيق يخرج عقيب الشهوة بدون دفق ولا إحساس بخروجه، وهذا السائل نجس يجب أن يغسل ذكره منه ويتوضأ، ولايجب فيه الغسل.
2 - المني وهو سائل أبيض غليظ، يخرج بدفق ولذة، وهو طاهر على الصحيح، ويجب بخروجه الغسل سواء خرج في النوم أو اليقظة، وإذا خرج عمداً بفعل من الصائم بطل صومه، أما إذا خرج من الصائم في النوم، أو بغير عمد فصومه صحيح.

بعض الشباب يا أبي تدركه صلاة الظهر في المدرسة وقد وجب عليه الغسل، فيصلي دون أن يغتسل.

هذا أمر خطير يابني، فلا يجوز للمسلم أن يصلي وعليه جنابة حتى يغتسل، وإذا أصابته جنابة فلا ينبغي أن يمنعه الحياء من طلب الإذن، وإذا لم يؤذن له فإن كان سيصل إلى منـزله قبل خروج الوقت -وهو الغالب- فيؤخر الصلاة إلى أن يصل إلى منـزله فيغتسل ويصلي.

هذه المرحلة هي بداية التكليف فماذا يعني التكليف ياأبي؟

لقد كان القلم مرفوعاً عنك فيما مضى، والآن حين بلغت دخلت مرحلة التكليف الشرعي، فتجب عليك كل الفرائض التي تجب على الرجال، تجب عليك الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، وتجب عليك الصلاة، ويجب عليك الصيام، ويجب عليك الحج، ويجب عليك الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتسجل وتدون عليك الخطايا والسيئات، فالكذب والغيبة والنميمة والعقوق والنظر الحرام...وغير ذلك مما حرمه الله كل هذا حين يقع منك تكتب عليك سيئته وتستحق عليها الجزاء يوم القيامة، أما قبل ذلك فلم يكن شيء من هذا، بل كان أمرك بالتزام الأوامر واجتناب النواهي لتدريبك وتهيئتك لهذه المرحلة المهمة.

أدركت ذلك جيداً، لكن حين يبتلى الشاب بأب غير مطيع لله تبارك وتعالى فيربيه على مالايرضي ربه فهل يكون ذلك عذراً له؟

لايمكن أن يكون ذلك عذراً له يابني فهو الآن يتحمل المسؤولية الكاملة عن نفسه، فلا والده أو غيره سيحمل شيئاً من وزره، ولو كان والدك يأمرك بالمعصية وينهاك عن الطاعة فلا تجوز لك طاعته، وإن أطعته أو اقتديت بعمل سوء رأيته عليه، فستحمل أنت الوزر والذنب كاملاً ولن يحمل عنك هو شيئاً من وزرك، نعم قد يحمل وزر دعوتك للمعصية لكن ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم :" وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا"( ) .

أفهم من ذلك أن الشاب الذي لايوقظه أبوه أو أمه لصلاة الفجر لايكون معذوراً في ذلك؟

نعم يابني، إنه يجب أن يتحمل المسؤولية عن نفسه، فيطلب من والده أو والدته أو غيرهم إيقاظه، وإن لم يحصل له ذلك فليفعل الأسباب، لاسيما في هذا العصر الذي تيسرت فيه، فيستطيع مثلاً اقتناء ساعة منبهة، أو أن يطلب من أحد زملائه الاتصال عليه بالهاتف، أو غير ذلك من الوسائل.

لكن بعض الشباب يا أبي يحتج بأن الله رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، فما مدى صحة هذا الاحتجاج؟

هذا إنما يصدق يابني على من بذل الأسباب لأجل الاستيقاظ، فنام في وقت مناسب، وكان لديه مايوقظه ولم يستيقظ فهو حينئذ معذور، وهذا إنما يحصل في حالات محدودة، أما حين يكون شأن الإنسان هكذا كل يوم، أو أن يكون عدم استيقاظه هو الأغلب فهذا دليل على تفريطه وإهماله.

لقد وعيت ماقُلتَه. ولكن بعض الشباب يرى أنه غير قادر على القيام ببعض التكاليف الشرعية، وأنه لازال صغيراً؟

إنك تعلم علم اليقين أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلقك، وهو عز وجل أعلم بك وبقدراتك ونوازعك وشهواتك { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ } (الملك:14)، وهو سبحانه وتعالى قد اختار هذه المرحلة لتكون بداية التكليف، فهذا يعني أنك قادر على القيام بحقوق هذا التكليف، وبأداء ما افترض الله عليك، وأنك قادر على اجتناب كل ما حرم عليك ونهاك عنه.

التكليف والأحكام الشرعية وبناء على هذا فهل رتب الشرع على بلوغ سن التكليف أحكاماً تنقل الشاب إلى مصاف الرجال وأحوالهم غير ما سبق؟ نعم، فالشاب حين يبلغ سن التكليف فله جميع أحكام الرجال بلا فرق، ومما نص الشرع فيه على ذلك-
1 - استحقاق الشاب لماله وزوال حكم اليتم عنه وذلك أنه حين يرث مالاً من غيره فإنه لا يعطى إياه وهو صغير، فحين يبلغ سن التكليف، يختبر فإن كان يحسن التصرف في المال أعطي هذا المال، قال تعالى ((وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)) (النساء6).
2 - أنه لو فعل جريمة توجب الحد كالسرقة والقتل والزنا ونحو ذلك، فإنه يقام عليه الحد بخلاف الصغير.
3 - قبول شهادته في الحقوق والحدود وإجراء الأحكام بناء عليها، شأنه شأن سائر الرجال، ولو شهد برؤية هلال رمضان أو شوال عمل بشهادته، فصام المسلمون وأفطروا. وكيف كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع البالغين؟ نعم يابني، إنه سؤال وجيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير الناس تعليماً وتربية، وقد كان يعامل الشباب البالغين كما يعامل سائر الرجال، ففي الجهاد الذي يكون فيه القتل وإراقة الدماء، والذي لا يحتمله إلا الأشداء من الرجال كان صلى الله عليه وسلم يأذن للشباب الذين تأهلوا له بالمشاركة فيه مع المسلمين شأنهم شأن سائر الرجال، فقد كان صلى الله عليه وسلم حين يخرج للغزو يتفقد الجيش فمن رآه صغيراً أعاده، ومن كان غير ذلك أذن له. والمقياس الذي يفرق فيه بين الصغير والكبير هو البلوغ، فقد أخبر ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عن ذلك فقَالَ عَرَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي…. وقال الشافعي رد النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصحابة، وهم أبناء أربع عشرة سنة، لأنه لم يرهم بلغوا، ثم عرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة فأجازهم، منهم زيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وابن عمر. وهل لسن التكليف أثر في التعامل مع الكفار؟ أعني هل هناك فرق بين البالغ وغيره من الكفار؟ نعم فحين يقاتل المسلمون الكفار فينتصرون عليهم ويأسرون أحداً منهم فإذا كان الشاب بالغاً صار له حكم الرجال بمعنى أنه يجوز أن يقتل، أو يكون رقيقاً للمسلمين، أو يطلق سراحه، أما من لم يبلغ فلا يجوز قتله. لكن ما مصير من يُقتل من أسرى الكفار وهو شاب؟ مصيره مصير سائر قتلى الكفار ويستحق النار، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك بيهود بني قريظة، فحين قاتلهم وأعلنوا خضوعهم لحكمه، حكَّم فيهم صلى الله عليه وسلم أحدَ أصحابه وهو سعد بن معاذ فحكم أن يقتل المقاتلون منهم، فقال صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم«لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل». أرأيت يا بني كيف أن هؤلاء عاشوا مع آبائهم وأمهاتهم اليهود، وتربوا على أيديهم وفي أحضانهم، ولم يكن ذلك عذراً لهم عند الله عز وجل لأنهم قد بلغوا مبلغ الرجال وصاروا هم المسؤولين عن أنفسهم. وهل هناك أمر آخر أيضاً في التعامل مع الكفار يختص به البالغون دون غيرهم من الصغار؟ نعم، فحين يقاتل المسلمون أهل الكتاب فإنهم يخيرونهم بين الإسلام أو الجزية أو القتال ((قَاتِلُواْ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَلاَ يُحَرّمُونَ مَا حَرّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتّىَ يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)) (التوبة29) وهذه الجزية إنما تؤخذ من البالغين المكلفين، فعن معاذٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ، وَمِنَ الْبَقَرِ مِنْ ثَلاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً»(رواه النسائي والترمذي وأحمد) .

أعد النظر في حياتك وما أول وصية توصي بها من بلغ هذا السن؟ إن الانتقال إلى هذه المرحلة يستوجب منك أن تفكر كثيراً في نفسك، وأن تراجع حياتك كلها، فلم يعد يقبل منك اليوم ما كان يقبل فيما سبق. وابدأ بعبادة الله تعالى وأهم شيء في ذلك الصلاة فهي كما أخبر صلى الله عليه وسلم«إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ»(رواه أحمد والترمذي والنسائي). وحين أوصيك بالعناية بشأن الصلاة فهذا لا يعني أني أتهمك بأنك تترك الصلاة بالكلية، لكن ما شأنك مع صلاة الجماعة؟ وهل أنت تعتني بالخشوع في الصلاة؟ وهل تؤديها بطمأنينة؟ وهل ترعى سائر آدابها؟ ثم انظر في حالك مع والديك ومدى عنايتك ببرهما؛ فقد قرن الله حقهما بحقه تبارك وتعالى، وعد النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر فعن أنس -رضي الله عنه- قال سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَبَائِرِ فقَالَ«الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْن،ِ وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ». وتفقد لسانك ونظرك وسائر جوارحك، ثم انظر في أصدقائك واعلم أن المرء يوم القيامة يحشره الله تبارك وتعالى مع من يحب، وأنه على دين خليله. ثم ما شأن اهتماماتك؟ هل أنت لا تزال تعيش آمال الأطفال وتفكر تفكيرهم؟ فقد ودعت مرحلة الطفولة ودخلت عالم الرجال بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ما أمنياتك وطموحاتك فالمؤمل فيك ألا تقف طموحاتك وأمنياتك عند الحياة الدنيا، بل تتجاوز ذلك. إنك بحاجة إلى أن تقف مع نفسك وتفكر كثيراً في حالك، ثم تصلح لا يرضي ربك ومولاك. لكن بعض الشباب يا أبي يقول متع نفسك في شبابك وتستطيع تدارك ما فات حين يتقدم بك السن. هذا المنطق يا بني بعيد عن الحقيقة لأمور الأول أن المتعة الحقيقية هي في طاعة الله والاستقامة على شرعه، لكن المعرضين لا يدركون ذلك. الثاني الشباب فرصة لا تعوض، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يوم القيامة حين تشتد الأهوال بالناس وتدنو منهم الشمس حتى تكون كقدر ميل، في ذلك اليوم يكرم الله طائفة من عباده فيظلهم في ظله ومنهم «شاب نشأ في طاعة الله»، فهل يمكن أن يقارن متاع الدنيا وشهواتها العاجلة بهذا النعيم والتكريم الرباني؟ الثالث أن المرء سيسأل يوم القيامة عن أمور منها عمره، ثم يسأل عن شبابه، فيسأل عن مرحلة الشباب مرتين، فبالله عليك ماذا يقول اللاهون العابثون؟ الرابع أن مرحلة الشباب مرحلة طاقة وحيوية ونشاط، ما أن تنتهي حتى يبدأ العد التنازلي بعد ذلك، ويعود الإنسان كما أخبر عز وجل ((اللّهُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ ثُمّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةٍ ثُمّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)) (الروم54). فهل يسوغ لعاقل أن يقول سوف أؤخر الاجتهاد في الطاعة والعبادة إلى أن تنقضي مرحلة الشباب، مرحلة الحيوية والنشاط والفتوة، وتأتي مرحلة الشيخوخة والعجز والضعف؟ الخامس وهو أهم الأمور، من يضمن للشاب أن يمتد به العمر حتى يبلغ مبلغ الكهول والشيوخ، فقد يدركه الموت وهو لما يزل شاباً؟ بل ولو ضمن له البقاء فهل يضمن أن يوفق للاستقامة والتوبة؟

ماتوا في ريعان الشباب نعم يا أبي إنه أمر يغفل عنه كثير من الشباب، فهلا ذكرتني ببعض النماذج اللذين ماتوا وهم في سن الشباب. نعم يا بني، هذا عمير بن أبي وقاص -رضي الله عنه- استشهد في غزوة بدر وعمره ستة عشر عاماً، وفيها استشهد من الشباب حارثة بن النعمان، ومعوذ بن الحارث. أما النماذج المعاصرة فأعرف منها عدداً، شباب ثلاثة -تغمدهم الله برحمته- لا يزالون في المرحلة الثانوية، قضوا نحبهم في ساعة واحدة، أحدهم كان يسألني قبل موته بأسبوع من يموت ثم يتأخر دفنه فهل يسأل عن ربه ودينه ونبيه قبل أن يدفن؟ فقلت له يا بني الذي يعنيك أنك ستسأل حتماً بعد موتك، أما متى وكيف فلا يقدم ذلك ولايؤخر، فالمهم أن تستعد للسؤال، ولم يكن يدر في خلدي أو في خلده هو أنه لم يبق على هذا الموقف إلا أيام قلائل (والآن بعد أن واراك التراب ماذا قيل لك يا محمد وماذا قلت رحمك الله ونور ضريحك أنت ورفاقك؟)، والآخر كان يتوقد ذكاء وحيوية، وكان كل من حوله يعقد عليه آمالاً عريضة في المستقبل، وكنت كلما مر طيفه بخاطري تمثلت بقول الأول يا كوكباً ما كان أقصر عمره

وكذاك عمر كواكب الأسحار وآخر أدى امتحان الشهادة الثانوية، وسافر قبل أن يعلم نتيجته لكن الأجل كان أسبق منها، وآخر أتم الدراسة الجامعية وجاء من رحلة العمرة وهو ينتظر الزواج والوظيفة، ولم يكن يعلم -رحمه الله- أن الأجل أسبق له من مدينته التي رأى معالمها لكنه لم يدخلها إلا محمولاً. وشابان صالحان -أحسبهما كذلك والله حسيبهما ولا أزكي على الله أحداً- أحدهما درس أسبوعاً واحداً في الجامعة، والآخر على وشك إنهاء دراسة الماجستير وافاهما الأجل قادمَين من البلد الحرام. إن صور هؤلاء الشباب الصالحين يا بني لا تزال تتردد في ذهني رحمهم الله وجمعنا بهم في دار كرامته. وربما كانوا يفكرون كثيراً في المستقبل، وكان أهلهم يعقدون عليهم آمالاً في هذه الدار فمضوا وودعوا الدنيا بما فيها، نسأل الله أن يكونوا سبقوا إلى خير. فهل يظن أحد من الشباب يا بني أن الأجل سيخطئه؟ أو يضمن أنه سيبلغ المشيب؟ وماذا عن غير الصالحين يا أبي؟ يكفيك يا بني هذا النموذج شاب ينتمي لأسرة محافظة صالحة، يسلك طريقاً غير طريق أهله، فلا يزال ينحدر حتى يموت بسبب جرعة زائدة من المخدرات، وهو لم يكمل العشرين من عمره، غفر الله له وتجاوز عنه. وكم تحصد الحوادث والكوارث اليوم من العشرات وهم في ريعان الشباب.

الصداقة والأخوة

لقد أمرتني يا أبي أن أعيد النظر في صداقاتي فهل يعني أنك تنهاني عن صحبة الناس وتطالبني بالعزلة والانفراد عنهم؟

أبداً يا بني، لست أنهاك عن صحبة الناس ولا آمرك باعتزالهم، إنما آمرك وأؤكد عليك أن تصاحب الأخيار الصالحين، فستجد لديهم بإذن الله كل ما تبحث عنه لدى سائر الناس من المتعة والأنس وزوال الهموم، علاوة على ذلك هناك فضائل لصحبة الصالحين وأجر عظيم رتبه الله على ذلك. هلا ذكرت لي بعض هذه الفضائل؟ نعم، منها

1- أن العبد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم يحشر يوم القيامة مع من أحب، فإذا أحب المرء الصالحين فإنه يحشر معهم يوم القيامة ولو كان عمله أقل من عملهم.
2- أن الجليس الصالح كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كحامل المسك، فهو إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.
3- أن الله يمن يوم القيامة على المتحابين في الله فيظلهم في ظله يوم لاظل إلا ظله، يوم تدنو الشمس من الخلائق فيبلغ منهم الجهد والعرق كل مبلغ، كما قال صلى الله عليه وسلم "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَا هُ ".
4- أن الله يمن عليهم يوم القيامة بمنـزلة عالية أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء".
5 - أن المتحابين في الله تبقى محبتهم وصلتهم يوم القيامة، يوم يتبرأ الخليل من خليله، ويوم يفر المرء من أبيه وأمه وبنيه كما قال تعالى (( الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاّ الْمُتّقِينَ )) (الزخرف67 ).
6 - والمتحابون في الله يا بني يحبهم الله تبارك وتعالى كما ورد في الحديث فقد جاء أبو إدريس الخولاني لمعاذ -رضي الله عنه- فقال له إني أحبك فقال معاذ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ" قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي َّ".

جزاك الله خيراً يا أبي، يالها من فضائل عظيمة أشعر أن واحدة منها تكفي لأن يحرص الشاب على صحبتهم ومجالستهم ومؤاخاتهم، لكن يا أبي قد يكون بينهم في الدنيا خلافات في بعض الأمور أو حزازات ألا يحرمهم ذلك من النعيم يوم القيامة؟

إن الناس يابني ليسوا معصومين، فقد يوجد بين الإخوان والأصدقاء شيء من الخلاف، لكن ينبغي ألا يدوم، ويجب أن يسعى المرء إلى صفاء قلبه لإخوانه، ويوم القيامة يمن الله عليهم كما أخبر عز وجل ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ))(الحجر 47).

لكن يا أبي حين يوجد معهم شاب يرى أن لديه تقصير وضعف، فيقول في نفسه إنني منافق حين أصاحب هؤلاء فيفكر في التخلي عنهم، فهل هذا صحيح؟
لا يا بني، إن هذا من تسويل الشيطان وحرصه على إضلال العبد؛ إذ هو يعلم أن في صحبته لهؤلاء خير فهو يريد أن يحول بينه وبين هذا الخير، وقد أخبرنا أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ" الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ … قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ فِيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُم ْ"(رواه البخاري ومسلم).
فإذا كان هذا إنما جاء لحاجة وجلس، فكيف بمن يحبهم، ويقصد المجيء إليهم والحضور لمجالسهم، ويترك مجالس اللهو واللعب من أجل مصاحبتهم، ويتمنى أن يكون مثلهم، ويلوم نفسه دوماً على التقصير؟
هذا شأن الصالحين ياأبي فماذا عن جلساء السوء؟

يابني: قلما رأيتُ شاباً تبدلت حاله من الصلاح إلى السوء إلا وكان وراء ذلك جلساء السوء. ولذا حذر النبي r من جليس السوء، وضرب لنا فيه مثلاً بليغاً فقال : "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً" ( ).

ويتمثل الدور السيء لجلساء السوء يابني في أمور منها:
1- أنهم يحدثون من يجالسهم عن ممارساتهم ومغامراتهم السيئة، بل ربما يفتعلون مواقف لم تحصل، مفاخرين بذلك أقرانهم وأترابهم.
2- أنهم يُعلِّمون من يعاشرهم خطوات الفساد وطرقه وأبوابه ويُسهِّلون له الطريق.
3- أن مصاحبة المرء لهم تُضْعِف إيمانه، وتُرِق دينه فيكون أكثر عرضة للوقوع فيما حرم الله تبارك وتعالى.
4 -أنهم حين يرون المرء على الطاعة فإنهم يسخرون منه، فيساهم ذلك في صده ومنعه منها. لكن بعض الشباب ياأبي حين ينصحه أحد بترك زميل سيء يقول إن هذا الذي أجالسه ابن عمي، أو قريب لي أو جار.
يابني، يخطيء كثير من الناس في تحديد مفهوم الجليس السيء، إنه كل من يدعو الإنسان للمعصية، أو يسهلها له بقوله أو عمله، أو ينفره من الطاعة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقد يكون قريباً أو بعيداً، أو جاراً أو أخاً، أو غير ذلك، كل هذا لايشفع له ولايخرجه من دائرة جلساء السوء الذين يجب على المرء اجتنابهم والبعد عنهم.
وفي المقابل فالجليس الصالح هو كل من يعين على الطاعة، ويدفع إلى الخير بفعله أو قوله. وبعض الشباب ياأبي يقول إنه يصاحبهم ويجالسهم وهو يعرف الخير من الشر، أو يجالسهم في المدرسة فقط للأنس والانبساط دون أن يتأثر بهم.

أبداً يابني، إن النبي صلى الله عليه وسلم ناصح أمين، وقد حذرنا منهم، وأخبرنا أنهم مثل نافخ الكير فلابد أن يتأثر بهم من يجالسهم، إما أن يقتدي بهم، أو يلقى سمعة سيئة، أو يؤدوا به لمصيبة في دينه أو دنياه، وهذا الاعتذار يابني من أساليب الشيطان التي يخدع بها الإنسان حتى يوقعه في الفساد والسوء. ولو فرضنا أنه لم يتأثر بهم أبداً -وذلك بعيد- فيكفي في ذلك أن هذا يكون سبباً لحبه لهم، وحين يحبهم يحشره الله معهم يوم القيامة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحب قوماً حشر معهم ، ولو لم يحبهم لم يجالسهم.

مشكلة الشهوة

لقد حدثتني كثيراً يا أبي عن جوانب مضيئة ومزايا لهذه المرحلة، لكن أليس فيها مشكلات وصعوبات؟
نعم إنه سؤال له أهميته، فأنت تعلم أن الشيطان حريص على إغواء ابن آدم وإضلاله، وقد أقسم أمام ربه هذا القسم (( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمّ لاَ تِيَنّهُمْ مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )) (الأعراف 16-17) ولهذا يبدأ الصراع على أشده بين الشيطان وبين الشاب حين يصل إلى مرحلة البلوغ والتكليف.
ومن حكمته تعالى أن جعل طريق الجنة طريقاً فيه مشقة وصعوبة، وجعل طريق النار طريقاً مليئاً بالشهوات كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله" حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ".
ولهذا تبدأ هذه الشهوات بالبروز والظهور في هذه المرحلة؛ إذ بذلك يتضح المطيع من العاصي، فلو كان طريق الطاعة سهلاً ليناً مفروشاً بالورود لسلكه الجميع ولم يكن هناك ميزة للمطيعين.
وماذا عن هذه الشهوات أهي شهوة واحدة أم متعددة، وهل هي على درجة واحدة أم متفاوته؟
نعم يابني إنها شهوات كثيرة ومتعددة كما جاء في كتاب الله تعالى (( زُيّنَ لِلنّاسِ حُبّ الشّهَوَاتِ مِنَ النّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ) (آل عمران 14).
أما تفاوتها واختلافها، فهي تختلف من شخص لآخر، وبيئة لأخرى، لكن على وجه العموم تبقى شهوة الفرج - أو ما يسمى بالمصطلح المعاصر (شهوة الجنس)- من أشد هذه الشهوات وأخطرها على الشاب وخاصة في هذا العصر بالذات، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"وبقوله "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ" وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ "الْفَمُ وَالْفَرْج ُ".
لقد لمست جرحاً ووضعت يدك على موضع الألم حين تحدثت عن هذه الشهوة فهل تأذن لي بمزيد من الأسئلة عن هذه القضية بالذات؟
نعم فاسأل عما بدا لك، وستجد صدراً رحباً بإذن الله.
قد يتساءل بعض الشباب قائلاً نعلم أن الله حكيم عليم، فهل من حكمة تظهر للمسلم من وراء ابتلاء الناس بهذه الشهوة؟
لتعلم يا بني أن المسلم لا يعترض على أوامر الله وشرعه، بل يجب عليه أن يسلم لكل ما جاء عن الله ويؤمن به، سواء علم الحكمة في ذلك أم لم يعلم، ثم بعد ذلك إن علم بالحكمة ازداد إيماناً ويقيناً. ومن حكم وجود هذه الشهوة أن تكون سبباً في بقاء العنصر البشري وعدم فنائه، ولهذا حبب إلى الناس النساء والبنون ليسعوا لتحصيل ذلك.
ومن الحكم العظيمة الابتلاء والامتحان كما ذكرت لك قبل قليل فإذا كان طريق الطاعة فيه مشقة ويحتاج لمجاهدة النفس لم يسلكه إلا الصادقون، وإن كان غير ذلك سلكه الجميع.

أظن أن أول خطوة يتخذها العاقل في ذلك أن يتعرف على الأسباب التي تجره إلى الوقوع في هذه الشهوة المحرمة فيتجنبها، حتى يقل الداعي والمثير في نفسه، أليس كذلك؟

بلى فالأمر كما قلت، إن من أهم ما ينبغي على المرء أن يخفف مما يثير عليه الشهوات ويؤججها في نفسه.
وما أهم شيء في ذلك وأخطره؟

أهم شيء في ذلك وأخطره هو النظر الحرام، فالنظر هو البريد للقلب، وهو أول خطوة يخطوها المرء نحو الوقوع في الحرام، ولذا حذر الله تبارك وتعالى عباده من ذلك فقال (( قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )) (النور30) ولخطورة النظر وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعظيم أثره حذر أصحابه منه فقال "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ" فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ؛ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا" قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ"غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلام،ِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَر ".
ولهذا قال الشاعر كل الحوادث مبداها من النظــر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السـهام بلا قوس ولا وتر

أفهم من هذا الحديث أن المسلم عليه أن يحتاط ويحذر، فيبتعد عن المواطن التي قد يتعرض فيها للنظر الحرام، أليس كذلك؟

بلى يابني، فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نهاهم ليس عن مجرد النظر الحرام، بل نهاهم عن الجلوس في الطريق الذي قد يكون سبباً في التعرض للنظر، مع أن طرقات المدينة إذ ذاك لم تكن كطرقات المسلمين اليوم مليئة بالتبرج والسفور، بل كانت النساء محتشمات متسترات، حتى إنهن ليلتصقن بالحائط حين سيرهن في الطريق.

ولماذا كان النظر بهذه الدرجة من الخطورة؟
إنما كان كذلك لأنه يتبعه مابعده، فحين ينظر المرء نظرة محرمة ترتسم الصورة في قلبه ويزينها الشيطان له، فيثيرها في كل موقف، وحين يخلو بنفسه ويأوي إلى فراشه يعيد الشيطان الصورة في ذهنه فيتذكرها، ويفكر فيها، ثم يطول معه التفكير، حتى يصبح ديدناً وشأناً له، فربما رأيت بعض الشباب يفكرون بهذه الشهوات حتى في صلاتهم، فماذا بقي لله تبارك وتعالى بعد ذلك؟

وحين يطول التفكير بصاحبه ويستولي عليه فقد يتطور به الأمر إلى التفكير بالفعل والممارسة، وتبدأ المسألة من كونها مجرد أفكار، إلى أن تتحول إلى نية، ثم إلى تخطيط وعزيمة، ثم إلى الوقوع ربما في الفاحشة والفساد، فإن لم يكن كذلك فقد يؤدي به ذلك إلى ممارسة العادة السرية.

لي سؤال مهم يا أبي حول العادة السرية لكن سوف أؤخره لما بعد، فلدي سؤال حول النظر، فبعض الشباب يقع منه النظر فيتبع النظرة النظرة من خلال مجلة أو فيلم، أو نظرة مباشرة ويحتج بأنه يقتصر على ذلك دون الوقوع في الفاحشة أو مقدماتها.

نعم، ماتقوله حق ولكن: مجرد النظر سيئة وأمر محرم بحد ذاته، فمادام قد نظر إلى ما لايحل النظر إليه فقد وقع في معصية بغض النظر عما يترتب على ذلك.

ولو افترضنا أنه لم يقع في الفاحشة، فانشغال قلبه بالشهوات ضرر كبير عليه وإشغال له عن مصالح دينه ودنياه، وطالما حرم أمثال هؤلاء من لذة تدبر القرآن الكريم، ومن لذة مناجاة الله تبارك وتعالى والصلة به عز وجل.

وربما لم يقع فيها في المرة الأولى، لكن الشيطان يجره إلى التمادي في ذلك، ويحاول إثارته مرة بعد مرة، حتى يقع فيها ولو بعد حين، عندما تتمكن الشهوة من نفسه فلا يرده عنها راد.

إذاً فالعامل الأول -كما سمعت من حديثك- هو النظر الحرام، والذي يقود للتفكير، فهل التفكير بممارسة الشهوة أمر محرم؟

من رحمة الله تبارك وتعالى أنه لايعاقب عباده إلا بما اقترفته أيديهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ"( ) .
لكن التفكير قد يطول بصاحبه ويستطرد معه فيشغل قلبه وفؤاده، وقد يكون طريقاً وسلماً بعد ذلك للوقوع في الحرام، فأنصحك وكل شاب ألا يشغل نفسه بالتفكير، وأن يحرص على التفكير فيما يفيده في الدنيا والآخرة فذلك خير له وأولى.

وعليه أن يحرص على قطع مثل هذه الأفكار حين ترد إلى ذهنه، وأن يستبدلها بما هو خير منها. وما العامل الآخر الذي يقود إلى إثارة الشهوة؟ ألايمكن أن نقول: إنه جلساء السوء؟

بلى يابني، فجلساء السوء لهم أثر وخطر عظيم على الشاب كما سبق أن حدثتك عن ذلك. إذاً عرفت ياأبي أن هذه بعض الأسباب والمثيرات، فعلي أن أجتنبها وأبتعد عنها، وأرى أن الشاب قد توجد لديه أسباب أخرى تثير لديه الشهوة غير ماذكر، فينبغي أن يكون على قدر من العقل، فيجتنب كل ما يوقعه في الحرام.

والآن يا أبي بعد أن رأينا أن جانباً مهماً من الحل يتمثل في اجتناب الأسباب المثيرة للشهوة الداعية للمعصية، فهل هناك حلول أخرى غير ذلك؟

نعم يابني، هناك جانب آخر من الحلول ألا وهو فعل الأمور التي تقوي المانع من الشهوة، وأهمها قوة الإيمان بالله تبارك وتعالى، فالإيمان سلاح المؤمن في مواجهة مايضله من الشهوات والشبهات، فعليه أن يتعاهد إيمانه ويعتني به، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن الإيمان ليَخْلَقُ في جَوفِ أحدِكِمْ كَما يَخْلَقُ الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يُجَدِّدَ إِيمانَكُم"( ) ، وكان معاذ رضي الله عنه يدعو أحد أصحابه ويقول: اجلس بنا نؤمن ساعة.

ولكن ما الأمور التي تزيد الإيمان؟

الإيمان يابني يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية، فمن عوامل زيادة الإيمان فعل الطاعات بأنواعها، ومنها تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، ومنها المداومة على ذكر الله تبارك وتعالى بأنواع الأذكار، ومنها التفكر في مخلوقات الله عز وجل ودلائل عظمته.

وما العامل الثاني بعد تقوية الإيمان يا أبي؟

العامل الثاني يابني هو الخوف من الله تعالى، ومراقبته في السر والعلانية، فحين يعلم المؤمن أن الله تعالى بكل شيء محيط، وأنه لاتخفى عليه خافية، ولايعزب عنه مثقال ذرة كما قال تعالى { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ }(الأنعام:59)، وقال تبارك وتعالى { اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنثَىَ وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَار. عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ. سَوَآءٌ مّنْكُمْ مّنْ أَسَرّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْلّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنّهَار ِ} (الرعد:8-10)، إنهم سواء في علم الله تبارك وتعالى، ذاك الرجل الذي يمارس الحرام علانية وجهراً أمام الناس في وضح النهار، والآخر الذي أغلق عليه بابه في ظلمة الليل، وحين يعلم المؤمن ذلك يخاف ربه ويخشاه، ويمتنع عن مواقعة معاصيه. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لاظل إلا ظله " وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ".

وما العامل الثالث ياأبي؟

هو أن يتذكر يوم وقوفه بين يدي الله تبارك وتعالى وأنه سيلقى الله يوم تبلى السرائر، يوم لايخفى من الناس خافية، ويتذكر مايعاقب الله به أهل الفجور حين يلقونه فيختم تبارك وتعالى على ألسنتهم فتنطق جوارحهم بما عملوا { حَتّىَ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون َ} (فصلت:20)

وهل يمكن أن يفعل أحد المعصية وجوارحه غائبة عنه؟ { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـَكِن ظَنَنتُمْ أَنّ اللّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمّا تَعْمَلُونَ } (فصلت:22) ويحدثنا r عن هذا الموقف يوم القيامة فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كنا عند النبي r فضحك، فقال: "هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟" قَالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى: قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلامِ قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِل ُ"( ) فحين يتأمل الشاب يابني هذا الموقف يخاف الله ولا يقدم على ما حرمه تبارك وتعالى.

وهل ثمة عامل آخر يا أبي؟

نعم يابني، العامل الرابع هو أن يتذكر المؤمن البديل الذي أعده الله يوم القيامة لمن أطاعه وأعف نفسه عما حرم تبارك وتعالى، أتعرفه يابني؟

يبدو أنك يا أبي تعني الحور العين؟

نعم يابني، إنه الحور العين اللاتي وصفهن الله تبارك وتعالى في كتابه بقوله { إِنّا أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً. لأَصْحَابِ الْيَمِينِ } (الواقعة:35-38) ووصفهن صلى الله عليه وسلم بقوله "وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ"( ). وماذا بعد ذلك يا أبي؟

بعد ذلك يابني الدعاء والتوجه له تبارك وتعالى، فقد ذكر الله لنا قصة يوسف عليه السلام حين تعرضت له النساء وحاولن فتنته ودعوته للسوء، فقال { رَبّ السّجْنُ أَحَبّ إِلَيّ مِمّا يَدْعُونَنِيَ إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ وَأَكُن مّنَ الْجَاهِلِينَ }(يوسف: 33). فالجأ يابني إلى مولاك، وارفع كف الضراعة إليه، واعلم أنه لايخيب من أحسن الظن به، ولايرد من سأله وهو القريب المجيب. والعامل السادس يابني -وهو عامل له أهميته-: تقوية الإرادة والعزيمة، بأن يعود الإنسان نفسه على الضبط، وألا يستسلم لنفسه في كل ماتريد وتشتهي وتدعوه إليه، وألا يستجيب لها إلا حين يعلم أن في ذلك خير له في الدين والدنيا، وهذا الضبط للنفس يحتاج لمجاهدة وتعوّد، وليعلم أنه في معركة حقيقية مع نفسه الأمارة بالسوء يساندها الشيطان الرجيم، وأنه بدون هذه العزيمة لن يكون له نصر على هذا العدو اللدود.

وماذا بعد ذلك يا أبي؟

بقي عامل مهم تركته قصداً لعلك تعرفه أنت، لاسيما وقد أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه.

نعم يا أبي، إنه الزواج والصيام، أليس كذلك؟

بلى يابني، وفقك الله، فالزواج هو الذي يتيح للمرء أن يمتع نفسه بما أحل الله فيصرفه ذلك عن الحرام، وإن كان اليوم الشاب الذي في سنك لايستطيع الزواج فعليه بالصيام، وأن يجعل لنفسه نصيباً من صيام النوافل، فيصوم الاثنين والخميس، أو الاثنين وحده، أو ثلاثة أيام من كل شهر، فيختار لنفسه ما يستطيع أن يحافظ عليه من الصيام؛ فالصيام سبب بإذن الله لتحقيق التقوى كما قال تبارك وتعالى { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُون َ} (البقرة:183)، وهو يقوي الإرادة والعزيمة ويعود المرء على الانتصار على نفسه.

وماذا عن العادة السرية ياأبي، فكثير من الشباب يتساءل عنها؟

إنها يابني خصلة ذميمة وقبيحة ومحرمة، وقد دل على تحريمها كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله r ، فمن الكتاب قوله تعالى { وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاّ عَلَىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } (المؤمنون:5-6)، فقد أخبر تبارك وتعالى أنهم يحفظون فروجهم إلا من هذين الطريقين، فدل هذا على تحريم ماسواهما، ثم قال في الآية التي تليها واصفاً من يمتعون أنفسهم بما سوى الزوجة وما ملكت اليمين{ فَمَنِ ابْتَغَىَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْعَادُون َ} (المؤمنون:8). ولممارسة هذه العادة أضرار طبية منها: ضعف العضو التناسلي، وقد يعجز صاحبها فيما بعد عن القيام بالوظيفة الزوجية، وتولد اضطراباً في آلة الهضم، وتضعف ماء من يمارسها فقد يؤثر على نسله، وتورث ضعفاً في الغدد المخية.

ولها أضرار نفسية منها:

الهم والغم، فصاحبها إما أن يشعر بالذنب ويلوم نفسه فتورث لديه هماً لايطيقه، ويشغله ذلك ويصده عن كثير من أعمال الخير والصلاح، أو أن يزول عنه الشعور بالذنب وهذا أشد عليه وأخطر، وتؤدي إلى ذهاب المروءة والخجل.

وقد يمارسها الشاب في مكان لايستطيع فيه أن يغتسل فيضطر إما لتأخير الصلاة، أو للصلاة وهو على جنابه وهما أمران أحلاهما مر.

وهل من طريق يخلص منها؟

العلاج لذلك يابني هو ماسبق ذكره، وألخص لك ذلك في أمور: تقوية الإيمان والخوف من الله، تقوية الإرادة، غض البصر، اجتناب التفكير بالشهوة، اجتناب الخلوة وإشغال النفس بما يفيد، الاهتمام بالعلم والقراءة والاستفادة من الوقت فإنه يشغل ذهن الشاب بأمور جادة، وأنصحك بعد ذلك بقراءة كتاب: (العادة السيئة، لمحمد المنجد) فهو من أحسن ما رأيته في هذا الموضوع.
العشق والغرام يبتلى بعض الشباب يا أبت بالعشق المحرم فهل من نصيحة حول ذلك؟ من أخطر الأمور يا بني على الشاب أن يقع في العشق الحرام، فله نتائج وخيمة

أولها أنه إن حصَّل ما يريد ممن يعشقه حصل له وبال الذنب وشؤمه، وبقيت في نفسه المرارة على فقده.

وثانيها أن العاشق ينشغل بالتفكير والهموم، فيشغله ذلك عن مصالح دينه ودنياه، ويطول معه الأمر حتى لا يفكر إلا في معشوقه فيزيده ذلك عذاباً وشقاءً، وهي عقوبة عاجلة.

وثالثها أن ذلك يصرفه عن محبة الله تبارك وتعالى، بل يؤدي به الأمر إلى أنه قد يقدم مرضاة محبوبه على مرضاة الله فيقع في الشرك المخرج له من دائرة الإسلام، أحدهم كان يعشق امرأة اسمها عزة، فيقول معبراً عن تعلقه بها
رهبان مدين والذين عهدتهم *** يبكون من حذر العذاب قعوداً
لو يسمعون كما سمعت كلامها *** خروا لعزة ركعاً وسجوداً

ورابعها أن ذلك قد يؤدي به إلى سوء الخاتمة -حمانا الله وإياك- ذلك أن الميت يتمثل له ما كان يشغل قلبه ويستولي عليه، أحدهم كان يعشق شاباً اسمه (أسلم) فاشتد به الأمر إلى أن أصابه المرض، وحين حضرته الوفاة قيل له قل لا إله إلا الله فقال
أسلم يا راحة البال العليل ويا شفاء المدنف الخليل
رضاك أشهى إلي مــن رحمة الخالق الجليـل

ومات على هذه الكلمة، عافنا الله وإياك، ورزقنا حسن الخاتمة. فهذه أهم آثار العشق المحرم، وهناك المزيد من الآثار السيئة.

ولعلك تسأل عن علاجه، فأهم شيء في ذلك يا بني أن يملأ المرء قلبه بمحبة الله تبارك وتعالى، ويداوم ذكره وتلاوة كتابه بتدبر وتمعن، وأن ينشغل بمحبة الصالحين، وأن يقطع الأسباب من النظر المحرم والتفكير في الحرام، وأن يزيل أثر العشق من قلبه أول ما ينـزل به، فإنه إذا استحكم صعب استخراجه.

المراهقة

هل صحيح أن مرحلة المراهقة مرحلة ضياع وانحراف؟

أبداً يا بني، إن الشاب حين يصل لهذه المرحلة فكما أنه تزداد لديه الشهوات والغرائز، فإنه يزداد اتجاهه نحو التدين والإقبال على الله تبارك وتعالى، وقد فطر الله لديه هذا الدافع مع بداية مرحلة البلوغ. والذين يعيشون الضياع والانحراف هم أولئك الذين يعرضون عن دين الله ويلهثون وراء شهواتهم، ولو تأملت سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين كانوا في هذا السن تبين لك بجلاء صدق هذه الحقيقة.

ما بالنا نرى اليوم يا أبي كثيراً من الشباب المراهقين يعيشون حالة من الطيش؟

إن الشباب يا بني طاقة وحيوية، فما لم تصرف طاقتهم فيما ينفعهم فسوف يصرفونها في اللهو والعبث، دون أن يتفكروا في عواقب ذلك، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية. ولقد كان الشباب يا بني فيما مضى مشغولين باهتمامات عالية كالجهاد في سبيل الله وطلب العلم وغير ذلك من الأمور المفيدة، وحتى في المجتمعات القروية التي تعتمد على جهد أبنائها، فيعمل الشباب مع أهليهم في الفلاحة والرعي وغيرها من الأعمال، في مثل هذه المجتمعات لا توجد كثيراً هذه المشكلة التي تشير إليها.

بعض الشباب يا أبي يكون عنيفاً معانداً لوالديه، قلما يرضخ لرأي أو يستجيب له فلماذا؟ وهل لذلك صلة بهذه المرحلة التي نعيشها؟

نعم يابني، كثير من الشباب يعتد برأيه كما ذكرت في هذه المرحلة بالذات، وقد يعارض والديه وأساتذته، ومن أهم الأسباب في ذلك شعور الشاب أنه قد بلغ مبلغ الرجال، وأنه لم يعد اليوم طفلاً كما سبق، ومن ثم فإن على الجميع أن يستمعوا لرأيه ويحترموه، وعليهم أن يعاملوه معاملة الرجال. ومما يزيد حدة هذه المشكلة أمران

الأول أن الشاب مع أنه قد بلغ مبلغ الرجال في هذه المرحلة بلا شك إلا أنه تنقصه كثير من التجارب والخبرات التي يملكها من سبقه، ومع ذلك يثق بآرائه وإن كانت غير صحيحة.

والثاني أن بعض الآباء يعاملون ابنهم في هذه المرحلة معاملة الصغار والأطفال، فيشعر أنهم لم يضعوه في منـزلته اللائقة به فيتجه لفرض آرائه عليهم بمثل هذه الأساليب.

وهل ما يمارسه بعض الطلاب من العناد مع مدرسيهم له صلة بما ذكرت؟

نعم يابني السبب نفسه هو الذي يجعل الشاب يتمرد على أساتذته ويرفض الاستجابة لهم.

لقد ذكرت يا أبي أن من الأسباب لهذه الظاهرة أن بعض الآباء ينظرون لأبنائهم على أنهم لازالوا أطفالاً، فما السبب في هذه النظرة؟

هناك أسباب تعود إلى الأبناء، وأسباب تعود إلى الآباء، فأما ما يعود إلى الابن نفسه فأهم شيء في ذلك أن بعض الأبناء يدخل هذه المرحلة وهو لم يتجاوز سلوك الأطفال، فاهتماماته لا تزال كاهتمامات الأطفال، وألعابه وسلوكه في المنـزل كل ذلك يعبر عن طفولة لديه، والمرء كما قيل حيث يضع نفسه.

والسبب الثاني أن الشاب حين يرى علامات البلوغ على نفسه يبالغ في نظرته لقدراته وإمكاناته، مع أنه الآن تنقصه كثير من الخبرات التي اكتسبها الأكبر منه سناً، فيرى الكبار أن آراءه وأفكاره لا تزال محدودة فيتعاملون معه على هذا الأساس.

والسبب الثالث: أن الشاب في هذه المرحلة يكثر من الاستماع لنصائح أصدقائه وتوجيهاتهم أكثر من استماعه لنصائح والديه أو معلميه، وتفتقد نصائح زملائه غالباً النضج والخبرة، وتميل إلى التمرد والسعي لإثبات الذات أمام الآخرين.

ولماذا تتصف تصرفات الشاب ومواقفه بالتمرد والعناد؟

تتصف بذلك لأنه يرى أن في هذا السلوك إثباتاً لشخصيته وإبرازاً لها، وإشعاراً للآخرين بأنه ليس طفلاً صغيراً كما يعتقدون.

لكن هذه الأساليب لاتنجح غالباً وربما تعود عليه بالضرر، أليس كذلك يا أبي؟

بلى يابني، إن الشاب حين يسلك هذه الخطوات والأساليب فإنه قل أن يحقق أهدافه، بل ذلك ربما يدعو الآخرين إلى رفض مطالبه ولو اقتنعوا أنها وجيهة؛ ذلك أن الناس غالباً لايحبون من يفرض عليهم مطالبه، ولأنهم يشعرون أن مثل هذا الأسلوب لايتناسب مع الخلق والأدب الذي يجب أن يكون عليه.

لكن أرى أن بعض الشباب يحقق بعض مطالبه باستخدامه أسلوب العناد والمواجهة مع الكبار. نعم، قد ينجح بعض الشباب في ذلك لكن أولئك الذين يحققون له مطالبه استجابة لهذا الأسلوب يحققونها اضطراراً وكرهاً، مما يولد لديهم نظرة سيئة تجاهه، فيكسب تحقيق مطلب محدود، لكنه يخسر الناس ويفقد موقفهم تجاهه وهو أثمن بكثير من مطالبه العاجلة.

إذاً فما الأسلوب المناسب للشاب في ذلك؟

الأنسب هو أن يقنع الناس ابتداءً بأنه رجل كامل الرجولة، من خلال تغييره لأسلوب حياته، بحيث يتجاوز اهتمامات الأطفال، ويتجاوز عبثهم، ويعيش بأخلاق الرجال وهدوئهم واتزانهم، وهو أمر يحتاج لأن يعتاد عليه.

ومن الأمور المهمة أن يحسن خلقه مع الكبار، ويمنحهم التقدير والاحترام الذي يليق بمكانتهم ومنـزلتهم.

ومن ذلك أن يثبت نجاحه وارتقاءه إلى مصاف الرجال من خلال الإنجاز والنجاح العملي؛ فيثبت للناس رجولته من خلال العمل لا من خلال القول، وذلك يتحقق له حين يحرص على أداء الأعمال التي توكل له بصورة لائقة، وأن يجدد ويبدع، وألا يكون مقتصراً على مجرد التنفيذ الحرفي للأعمال التي توكل إليه، ومما يعينه على ذلك أن الناس يرضون منه بأدنى قدر من النجاح، ولا ينتظرون منه أن يؤدي مهامه كما يؤديها الكبار.

وبعد تحقيق هذه الخطوات بإمكانه أن يطرح مطالبه وآراءه بصورة هادئة، وأن يعتمد على الحوار والنقاش المنطقي الهادئ.

ولابد مع ذلك كله أن يأخذ عامل الزمن بالاعتبار، فيحتاج إلى قدر من الوقت حتى يظهر أثر التغير في شخصيته لدى الناس.

وأخيراً أقول لك يابني: قد يقصر بعض الناس في حق الشاب، فعليه أن يحتمل ويصبر، وأن يكون همه لأداء ماعليه أكثر من تحقيق مطالبه، وماهو إلا زمن يسير ويحقق مايريد بإذن الله.
الشاب ووالديه لقد رأيت ظاهرة يا أبي كثيراً ما أقلقتني وأزعجتني، ألا وهي أن بعض الشباب يسئ لوالديه في المعاملة، بحجة أنهما لا يحققان بعض مطالبه، أو أنهما لا يزالان يعاملانه على أنه طفل، إني أدرك يا أبي أن هذا السلوك ليس له ما يبرره بحال، فحبذا لو ألقيت الضوء على هذه القضية. بارك الله فيك يا بني، إن مما يؤسف له أن ترى الشاب المسلم، وربما الصالح يرفع صوته على والديه أحياناً ويسيء لهما، ناسياً الحق العظيم لهما فقد قرن الله تبارك وتعالى حقه بحقهما في أكثر من آية في كتاب الله فقال ((وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)) (الإسراء 23). وأمر الله تبارك وتعالى المؤمن بأن يخفض جناح الذل لهما فقال ((وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ)) (الإسراء24). بل يا بني إن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، ذروة سنام الإسلام، ومن أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد لربه عز وجل، حين يكون نافلة فإنه مشروط برضا الوالدين، لقد جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يجاهد معه، فسأله "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟" قال نعم، قال "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ". وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل فقال جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان، فقال له صلى الله عليه وسلم "فارْجِعْ عَلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا". إذاً فما دام البر بهذه المنـزلة يا أبي فلابد أن يكون الشرع قد رتب عليه ثواباً عظيماً؟ نعم يا بني، لقد رتب الشرع على ذلك عظيم الثواب، فأول ذلك أن طاعة الوالدين طاعة لله تبارك وتعالى، فحين يلبي المرء أمر والديه مهما صغر أو كبر، فهو يطيع ربه عز وجل. والأمر الثاني يا بني أن رضاهما سبب لرضا الرب تبارك وتعالى، فإذا أرضى العبد أبويه أرضى ربه عز وجل، وإذا أسخطهما أسخط ربه قال صلى الله عليه وسلم "رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ". والأمر الثالث يابني أن برهما سبب لتحصيل الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ" قيل من يا رسول الله؟ قال "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ". والأمر الرابع أن الله تبارك وتعالى يجيب دعاء من بر والديه، فقد حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن رجل يقال له أويس القرني، كانت له أم وكان براً بها، وأنه لو أقسم على الله لأبره، وأمرهم أن يسألوه أن يدعو لهم. ولعلك تعرف قصة الثلاثة الذي آواهم المبيت إلى غار، فانطبقت عليهم الصخرة، فقال بعضهم لبعض إنه لن ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فكان أولهم رجلاً براً بوالديه، فدعوا الله عز وجل فأزال عنهم الصخرة وخرجوا يمشون. إذا كان هذا شأن البر يا أبي فما مصير أهل العقوق؟ إن العقوق يا بني شؤمه عظيم، ووباله كبير، كيف لا وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم قرين الشرك بالله عز وجل، فعن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- قال سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَبَائِرِ فقَالَ«الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْن،ِ وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ». والعقوق يا بني تعجل عقوبة صاحبه في الدنيا، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اثنان يجعلهما الله في الدنيا البغي وعقوق الوالدين». ونتيجة ثالثة للعقوق يا بني، ما أشدها على صاحبها، ذلك أنه حين يعق الابن أباه، فقد يدعو ذلك الأب إلى أن يدعو عليه، ودعوة الوالد على ولده مجابة، فقد قال صلى الله عليه وسلم«ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم»، حينئذٍ يجتمع على هذا الابن عمل ضعيف زهيد، وعقوق تعجل له فيه قارعة أو عقوبة، ويأتي بعد ذلك الدعاء الذي لا يرد. وما أسوأ أبواب العقوق يا أبي؟ أسوأ أبواب العقوق يا بني عقوق المنهج والفكر، فحين يكون الأب صالحاً ويدعو ابنه للطاعة والخير فيخالفه ويسير على خلاف الطريق الذي ارتضاه الله له ودعاه إليه والده، حين يكون الأب سباقاً للخير مبادراً للصلاة والابن خلاف ذلك. ولكن بعض الشباب يا أبي يعتذر بأن والده قد قصر في حقه مما أدى به إلى أن يرفع عليه صوته ويغلظ له. يا بني، هل هناك خطأ وسوء أعظم من الشرك بالله عز وجل؟ ومع ذلك جاء في كتاب الله عز وجل الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما ولو وقعا في الشرك بالله عز وجل، ألا تعرف الآية التي تدل على ذلك؟ بلى يا أبت، إنها قوله تعالى ((وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً)) (لقمان 15). أحسنت يابني، ولذا عقب الله هذه الآية بقوله ((وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ)) أي فلا تطعهما وأطع من يدعوك لطاعة الله، ومع ذلك فأحسن إليهما. إذاً يا أبي أفهم من ذلك أن الشباب الذين ابتلوا بآباء مقصرين في الطاعة، واقعين في المعصية لا يعفون من الواجب الشرعي بالبر بوالديهم؟ نعم يا بني، فقد أمر الله بالإحسان للأبوين حين يجاهدان الابن على الشرك ويدعوانه إليه، فكيف إذا كانا مسلمين؟ فعليه أن يبرهما، وأن يحسن لهما ويطيعهما، ويدعوهما بالرفق والأسلوب الحسن المناسب. ومن باب أولى حين يقع من أحد والديه خطأ تجاهه فعليه أن يحتمل ويصبر. ويجب أن يعلم الشاب أن حق والديه تجاهه يجب ابتداءً، وليس مقابل إحسانهما له، بل أكثر الأخطاء التي يقع فيها الآباء تجاه أبنائهم منطلقها حرصهم عليهم وإرادة الخير لهم.
حدة الانفعال ولننتقل يا أبي إلى قضية أخرى أرى بعض الشباب حين يغضب يشتد به الغضب إلى حد لا يملك معه نفسه فهل لهذا صلة بهذه المرحلة؟ نعم يتسم الشاب في هذه المرحلة بشدة انفعالاته، فهو إذا غضب يشتد غضبه ويعلو صوته، وقد يحطم ما بيده، وقد يسيء الأدب مع من هو أكبر منه سناً وأعلى منه قدراً، والغضب يابني خصلة ذميمة، تقود الإنسان إلى مواقف كثيراً ما يندم عليها، ألست ترى بعض الشباب يعض أصابع الندم على موقف قاده إليه غضبه، أو كلمة بدرت منه لم يزنها ويضع لها اعتباراً؟ لذا حين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يوصيه قال له صلى الله عليه وسلم «لا تغضب» ثم أعاد الرجل السؤال، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم الوصية نفسها «لا تغضب» فردد مراراً «لا تغضب» ثم قال الرجل« فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ» كل ذلك يا بني دليل على أن الغضب يقود صاحبه إلى مواقف قد يندم عليها دهراً طويلاً. وأثنى تبارك وتعالى على أولئك الذين يضبطون مشاعرهم، ويتحكمون بأنفسهم حين يغضبون فقال ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ)) (آل عمران 134)، وقال ((وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ)) (الشورى 37). إن هذا الحديث عن سرعة الغضب وحدة الانفعال لدى الشاب في هذه المرحلة ذكرني بظاهرة أراها كثيراً لدى بعض الزملاء، وهي أنهم حين يحبون أحداً يبالغون في حبه والثناء عليه، والعكس حين يذمون أحداً، فهل لهذا صلة بما سبق أيضاً؟ نعم، يا بني من حدة انفعالات الشاب في هذا السن، أنه يسرف ويبالغ في الحب والكره، ولذا فإنه يعجب إلى حد كبير بالبطولات، وتختلف مقاييس الناس في البطولة، فمنهم من تكون البطولة لديه في الإنجاز الرياضي ، ومنهم من تكون في الفن والتمثيل، ومنهم من تكون في الإجرام والفساد. لذا فإنه حين يعجب بأحد من هؤلاء، تستهويه شخصيته، ويحاكيه في أفعاله، ويغلو في مدحه والثناء عليه. يبدو لي يا أبي أن أعداء الإسلام أدركوا هذه الخصلة جيداً لدى الشباب، فأشغلوا الشباب والفتيات بألوان من الفن والرياضة التي تبلغ حد التطرف والغلو، وربما أدى ذلك إلى إيقاعهم في أبواب من الانحراف والفساد. نعم يابني فالأمر كما قلت، فقد سعى أعداء الإسلام إلى إبراز القدوات والنماذج السيئة أمام شباب وفتيات المسلمين، وحرص أولئك على عرض هذه النماذج في وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، واستفادوا من التطور العلمي المعاصر في عرض ما يريدون من وسائل الإغراء والإثارة بطريقة تثير إعجاب الشباب بما يرون ويشاهدون. ولكن هل من علاج في التربية الإسلامية لهذه المشكلة؟ نعم يا بني، إن من أهم وسائل علاج هذه المشكلة، بل من وسائل استثمار هذه الخصلة لدى الشباب في هذه المرحلة هي أن يقدم لهم النموذج الصالح والقدوة الحسنة. وفي كتاب الله تبارك وتعالى كثير من القصص التي تعرض سير الصالحين من الأنبياء وأتباعهم وبسالتهم وبطولتهم، وثباتهم في ميدان الصراع بين الحق والباطل، وفي تاريخ الإسلام نماذج فذة في ميادين شتى في العلم والعبادة، وفي الجهاد والبطولة، وفي الدعوة والثبات على المبادئ، وفي تلك النماذج ما يستهوي الشاب المسلم، ويجعله يحب أمثال هؤلاء، ويعتني بأخبارهم وسيرهم. إنه يحقق له ثمرات مهمة، أولها أن يحب هؤلاء فيثيبه تبارك وتعالى على حبهم، فمن أحب قوماً حشر معهم وإن لم يبلغ عمله عملهم، كما ذكرت لك في أول الحديث. وثاني هذه الثمرات أن يتأسى بأفعالهم، ويحرص على الاقتداء بجوانب الخير لديهم، ويجعلهم مثلاً يتطلع إليهم ويحذو حذوهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم؛ فيسهم ذلك في تربيته وتأديبه بآداب الإسلام وأخلاقه. وثالث هذه الثمرات أن يزهد في سير الساقطين والتافهين، بل يشعر أنهم أقل وأحقر من أن يعتني بأخبارهم أو يطالع سيرهم، وكيف يلتفت إلى هؤلاء وقد تعلق قلبه بمحبة الصالحين الذين قرأ أخبارهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما سطره العلماء المسلمون من صفحات تاريخ أمته؟
نماذج من سير الشباب لقد اشتقت يا أبي كثيراً من خلال هذا الحديث إلى التطلع إلى سير الصالحين من المؤمنين، فهلا تفضلت يا أبي دام فضلك بإلقاء الضوء على أحد هذه النماذج من سير الصالحين، ولتكن في مرحلة الشباب؟ نعم يا بني، لقد قص علينا الله تبارك وتعالى في كتابه قصة يوسف عليه السلام، وقد كان نموذجاً وقدوة في العفة، فكان شاباً أعزباً، وكان غريباً عن بلده، وكانت المرأة ذات منصب وجمال، وهي التي دعته إلى نفسها، وغلقت الأبواب، وهددته بالعقوبة، ومع ذلك لجأ إلى ربه تبارك وتعالى وقال (( مَعَاذَ اللّهِ إِنّهُ رَبّيَ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُون َ)) (يوسف23) ، واختار السجن على مواقعة الرذيلة والفساد. أتظن يا بني أن الشاب المسلم اليوم حين يقرأ هذه القصة ويرى هذه العظمة في شخصية هذا النبي الكريم، وانتصاره على دواعي السوء والرذيلة، أتراه بعد ذلك يعجب بمسلسلات العشق والغرام؟ أم أنه ينظر من أعلى إلى أولئك ولسان حاله يقول مساكين هؤلاء التائهين الساقطين، مساكين أولئك الذين أسرتهم الرذيلة وتمرغوا في وحلها، فلم يستطيعوا أن يخلصوا أنفسهم. وفي الصدق في الانتماء للدين والصبر هاهو خباب ابن الأرت -رضي الله عنه- آذاه أهل الكفر أذى لا يطاق، فكان يوضع بظهره على الجمر حتى بقيت آثار البلاء على جسده سنوات بعد ذلك شاهدة وناطقة بثباته على الدين وصبره عليه؛ إذ يكشف ظهره لعمر وهو في خلافته فيرى آثار التعذيب على جسده. ولهذا حين رجع علي -رضي الله عنه- من صفين ومر بقبره لم يسعه إلا يقول"رحم الله خباباً، أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلي في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجره"، لقد كان يا بني حينها شاباً في أسنانك، اختار لنفسه طريق الدين واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فثبت وواجه العذاب -رضي الله عنه-. أما الهمة العالية فكانت تتمثل لدى شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد والشهادة في سبيل الله عن أنس -رضي الله عنه- قال أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله قد عرفت منـزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تك الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال" وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ؟ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ". وعمير بن أبي وقاص يحكي قصته أخوه سعد -رضي الله عنهم- فيقول"رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت مالك يا أخي؟ قال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشـهادة، قال فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنـة". ولقد ضرب شباب الصحابة المثل في الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم فالبراء بن عازب شهد خمس عشرة غزوة، وزيد بن أرقم شهد سبع عشرة غزوة، وأبو سعيد الخدري شهد ثنتي عشرة غزوة، وسلمة بن الأكوع شهد تسع غزوات، وابن أبي أوفى شهد سبع غزوات، كل ذلك شهدوه -رضوان الله عليهم -مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهم لا يزالون في ريعان الشباب، بل كان معظمهم دون العشرين. ولهم مع حفظ القرآن شأن آخر فهاهو عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- يفوق قومه فيكون أحفظهم، فيستحق أن يُقَدَّم عليهم، كل ذلك وهو لم يتح له ما أتيح لنا اليوم من وسائل وإمكانات، فليس أمامه حلقة لتحفيظ القرآن، ولاتسجيلات أو مقرئ متفرغ، بل إن القرآن ليس مجموعاً له في مصحف يقرأه ويحفظ منه، ومع ذلك يبلغ هذا المبلغ. وفي طلب العلم والعناية به يشهد صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام وكان عمره حين أسلم دون العشرين. وفي العبادة كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لاينام من الليل إلا قليلاً، وكان محمد بن طلحة -رضي الله عنهما- يلقب بالسجاد لكثرة صلاته وشدة اجتهاده في العبادة. أما الرياضة فكانت إعداداً للجهاد في سبيل الله، فقد سابق صلى الله عليه وسلم بين الخيل، وكان من بين من سابق عبدالله بن عمر، وأبو جحيفة -رضي الله عنه- حين سئل عن عمره وقت النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أبري السهام وأريشها". ولن تجد باباً من أبواب الخير، إلا وترى الشباب الصالحين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد سبقوا إليه، ويكفي أن تعلم أن نصف العشرة المبشرين بالجنة -الذين هم أفضل الصحابة- كانت أعمارهم حين أسلموا دون العشرين (وهم: علي، والزبير، وسعد، وطلحة، وسعيد بن زيد)( ). يا أبي، هل كان صلى الله عليه وسلم يعنى في تربيته للشباب من أصحابه بالنماذج والقدوات الصالحة؟ نعم يابني، هاهو شاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - وهو خباب بن الأرت رضي الله عنه- يبلغ به الأذى والشدة كل مبلغ فيأتي للنبي صلى الله عليه وسلم شاكياً له ما أصابه -وكان عمره إذ ذاك لم يتجاوز العشرين يابني- يقول رضي الله عنه : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة - وقد لقينا من المشركين شدة - فقلت :ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، ويُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلا اللَّهَ" ( ). إنها نماذج فذة ورائعة ياأبي، لكن هؤلاء كانوا في جيل قد سبق ومضى، فماذا عن شأن هذا الجيل؟ أيطيق أحد أن يصل إلى ما وصل إليه أولئك؟ حينما يتطلع المرء لمثل هذه النماذج فهذا لا يعني بالضرورة أن يرى في نفسه أنه قادر على أن يكون مثلهم أو أن يصل إلى منـزلتهم، لكنه قد يضعهم نموذجاً أعلى له يسعى قدر الإمكان إلى الاقتراب من حالهم ولو لم يصر مثلهم، وأنا لاأطالبك أن تكون مثلهم، إنما أن تقتدي بهم وتتأسى بجوانب الخير لديهم. وأمر آخر يابني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وعد أولئك الذي يقبضون على دينهم زمن المحنة والشدة فقال :"يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر"، فحين يكون الشاب في عصر يرى فيه مايرى من الفتن والصوارف ثم يستقيم على طاعة الله، فإنه يستحق بإذن الله هذا الوصف والثناء. وأمر ثالث: وهو أننا بحمد الله نرى اليوم نماذج من الشباب والفتيات الصالحين، في كل أنحاء العالم الإسلامي، نراهم سلكوا طريق الاستقامة في ظل عالم يموج بالمغريات والملهيات، واستطاعوا بحمد الله أن يضربوا أروع الأمثلة ويحققوا أعلى صور النجاح، فهم مع إقبالهم على دينهم، ومع صبرهم على الفتن والشهوات، ومع عنايتهم بحفظ كتاب الله وتعلم العلم الشرعي، مع ذلك كله فاقوا أقرانهم في ميدان الدراسة والتحصيل حتى في غير التخصصات الشرعية. كل ذلك دليل يابني على أن الشباب حين يستعينون بربهم يستطيعون اجتياز العقبات والصعاب. إن الحوار ممتع وجميل ياأبت، لكني أشعر أني قد أخذت جزءاً من وقتك الثمين، وأني أثقلت عليك، فأستأذنك بالانصراف لعلك أن تأخذ قسطاً من الراحة، فبارك الله فيك وأجزل مثوبتك ورفع درجاتك. تفضل يابني: خذ هذه الكتب فلعل فيها من النماذج والقصص المفيدة لك. وهذه يابني مجرد أمثلة ليست للحصر، ولن تعدم حين تستشير من تثق فيه من أساتذتك ومربيك أن تجد منهم رأياً مفيداً حول ما يناسبك قراءته. وانصرف الابن واطلع على هذه الكتب فإذا فيها: (سلسلة صور من حياة الصحابة وصور من حياة التابعين لعبدالرحمن رأفت الباشا، وقصص من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمحمد علي دوله، وكتاب القلب العامر لخولة درويش).
منقول

اخر تعديل كان بواسطة » شيروكي في يوم » 26/02/2004 عند الساعة » 12:26 AM
اضافة رد مع اقتباس