مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 08/05/2009, 02:07 AM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة سبأ (6)

[‏46 ـ 50‏]‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ‏}‏

أي ‏{‏قُلْ‏}‏ يا أيها الرسول‏,‏ لهؤلاء المكذبين المعاندين‏,‏ المتصدين لرد الحق وتكذيبه‏,‏ والقدح بمن جاء به‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ‏}‏ أي‏:‏ بخصلة واحدة‏,‏ أشير عليكم بها‏,‏ وأنصح لكم في سلوكها، وهي طريق نصف‏,‏ لست أدعوكم بها إلى اتباع قولي‏,‏ ولا إلى ترك قولكم‏,‏ من دون موجب لذلك‏,‏ وهي‏:‏ ‏{‏أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى‏}‏ أي‏:‏ تنهضوا بهمة‏,‏ ونشاط‏,‏ وقصد لاتباع الصواب‏,‏ وإخلاص للّه‏,‏ مجتمعين‏,‏ ومتباحثين في ذلك‏,‏ ومتناظرين‏,‏ وفرادى‏,‏ كل واحد يخاطب نفسه بذلك‏.‏
فإذا قمتم للّه‏,‏ مثنى وفرادى‏,‏ استعملتم فكركم‏,‏ وأجلتموه‏,‏ وتدبرتم أحوال رسولكم، هل هو مجنون‏,‏ فيه صفات المجانين من كلامه‏,‏ وهيئته‏,‏ وصفته‏؟‏ أم هو نبي صادق‏,‏ منذر لكم ما يضركم‏,‏ مما أمامكم من العذاب الشديد‏؟‏
فلو قبلوا هذه الموعظة‏,‏ واستعملوها‏,‏ لتبين لهم أكثر من غيرهم‏,‏ أن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس بمجنون‏,‏ لأن هيئاته ليست كهيئات المجانين‏,‏ في خنقهم‏,‏ واختلاجهم‏,‏ ونظرهم، بل هيئته أحسن الهيئات‏,‏ وحركاته أجل الحركات‏,‏ وهو أكمل الخلق‏,‏ أدبا‏,‏ وسكينة‏,‏ وتواضعا‏,‏ ووقارا‏,‏ لا يكون ‏[‏إلا‏]‏ لأرزن الرجال عقلا‏.‏
ثم ‏[‏إذا‏}‏ تأملوا كلامه الفصيح‏,‏ ولفظه المليح‏,‏ وكلماته التي تملأ القلوب‏,‏ أمنا‏,‏ وإيمانا‏,‏ وتزكى النفوس‏,‏ وتطهر القلوب‏,‏ وتبعث على مكارم الأخلاق‏,‏ وتحث على محاسن الشيم‏,‏ وترهب عن مساوئ الأخلاق ورذائلها، إذا تكلم رمقته العيون‏,‏ هيبة وإجلالا وتعظيما‏.‏
فهل هذا يشبه هذيان المجانين‏,‏ وعربدتهم‏,‏ وكلامهم الذي يشبه أحوالهم‏؟‏‏"‏
فكل من تدبر أحواله ومقصده استعلام هل هو رسول اللّه أم لا‏؟‏ سواء تفكر وحده‏,‏ أو مع غيره‏,‏ جزم بأنه رسول اللّه حقا‏,‏ ونبيه صدقا‏,‏ خصوصا المخاطبين‏,‏ الذي هو صاحبهم يعرفون أول أمره وآخره‏.‏
وثَمَّ مانع للنفوس آخر عن اتباع الداعي إلى الحق‏,‏ وهو أنه يأخذ أموال من يستجيب له‏,‏ ويأخذ أجرة على دعوته‏.‏ فبين اللّه تعالى نزاهة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذا الأمر فقال‏:‏ ‏{‏قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ‏}‏ أي‏:‏ على اتباعكم للحق ‏{‏فَهُوَ لَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ فأشهدكم أن ذلك الأجر ـ على التقدير ـ أنه لكم، ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ محيط علمه بما أدعو إليه، فلو كنت كاذبا‏,‏ لأخذني بعقوبته، وشهيد أيضا على أعمالكم‏,‏ سيحفظها عليكم‏,‏ ثم يجازيكم بها‏.‏
ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق‏,‏ وبطلان الباطل‏,‏ أخبر تعالى أن هذه سنته وعادته أن ‏{‏يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ‏}‏ لأنه بين من الحق في هذا الموضع‏,‏ ورد به أقوال المكذبين‏,‏ ما كان عبرة للمعتبرين‏,‏ وآية للمتأملين‏.‏
فإنك كما ترى‏,‏ كيف اضمحلت أقوال المكذبين‏,‏ وتبين كذبهم وعنادهم‏,‏ وظهر الحق وسطع‏,‏ وبطل الباطل وانقمع، وذلك بسبب بيان ‏{‏عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏}‏ الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب‏,‏ من الوساوس والشبه‏,‏ ويعلم ما يقابل ذلك‏,‏ ويدفعه من الحجج‏.‏
فيعلم بها عباده‏,‏ ويبينها لهم‏,‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قُلْ جَاءَ الْحَقُّ‏}‏ أي‏:‏ ظهر وبان‏,‏ وصار بمنزلة الشمس‏,‏ وظهر سلطانه، ‏{‏وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ‏}‏ أي‏:‏ اضمحل وبطل أمره‏,‏ وذهب سلطانه‏,‏ فلا يبدئ ولا يعيد‏.‏
ولما تبين الحق بما دعا إليه الرسول‏,‏ وكان المكذبون له‏,‏ يرمونه بالضلال‏,‏ أخبرهم بالحق‏,‏ ووضحه لهم‏,‏ وبين لهم عجزهم عن مقاومته‏,‏ وأخبرهم أن رميهم له بالضلال‏,‏ ليس بضائر الحق شيئا‏,‏ ولا دافع ما جاء به‏.‏
وأنه إن ضل ـ وحاشاه من ذلك‏,‏ لكن على سبيل التنزل في المجادلة ـ فإنما يضل على نفسه‏,‏ أي‏:‏ ضلاله قاصر على نفسه‏,‏ غير متعد إلى غيره‏.‏
‏{‏وَإِنِ اهْتَدَيْتُ‏}‏ فليس ذلك من نفسي‏,‏ وحولي‏,‏ وقوتي‏,‏ وإنما هدايتي بما ‏{‏يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي‏}‏ فهو مادة هدايتي‏,‏ كما هو مادة هداية غيري‏.‏ إن ربي ‏{‏سَمِيعٌ‏}‏ للأقوال والأصوات كلها ‏{‏قَرِيبٌ‏}‏ ممن دعاه وسأله وعبده‏.‏
‏[‏51 ـ 54‏]‏ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ‏}‏
يقول تعالى ‏{‏وَلَوْ تَرَى‏}‏ أيها الرسول‏,‏ ومن قام مقامك‏,‏ حال هؤلاء المكذبين، ‏{‏إِذْ فَزِعُوا‏}‏ حين رأوا العذاب‏,‏ وما أخبرتهم به الرسل‏,‏ وما كذبوا به‏,‏ لرأيت أمرا هائلا‏,‏ ومنظرا مفظعا‏,‏ وحالة منكرة‏,‏ وشدة شديدة‏,‏ وذلك حين يحق عليهم العذاب‏.‏
فليس لهم عنه مهرب ولا فوت ‏{‏وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ ليس بعيدا عن محل العذاب‏,‏ بل يؤخذون‏,‏ ثم يقذفون في النار‏.‏
‏{‏وَقَالُوا‏}‏ في تلك الحال‏:‏ ‏{‏آمَنَّا‏}‏ بالله وصدقنا ما به كذبنا ‏{‏و‏}‏ لكن ‏{‏أَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ‏}‏ أي‏:‏ تناول الإيمان ‏{‏مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ‏}‏ قد حيل بينهم وبينه‏,‏ وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان‏,‏ لكان إيمانهم مقبولا، ولكنهم ‏{‏كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ‏}‏ أي‏:‏ يرمون ‏{‏بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ‏}‏ بقذفهم الباطل‏,‏ ليدحضوا به الحق، ولكن لا سبيل إلى ذلك‏,‏ كما لا سبيل للرامي‏,‏ من مكان بعيد إلى إصابة الغرض، فكذلك الباطل‏,‏ من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه‏,‏ وإنما يكون له صولة‏,‏ وقت غفلة الحق عنه‏,‏ فإذا برز الحق‏,‏ وقاوم الباطل‏,‏ قمعه‏.‏
‏{‏وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ‏}‏ من الشهوات واللذات‏,‏ والأولاد‏,‏ والأموال‏,‏ والخدم‏,‏ والجنود، قد انفردوا بأعمالهم‏,‏ وجاءوا فرادى‏,‏ كما خلقوا‏,‏ وتركوا ما خولوا‏,‏ وراء ظهورهم، ‏{‏كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ‏}‏ من الأمم السابقين‏,‏ حين جاءهم الهلاك‏,‏ حيل بينهم وبين ما يشتهون، ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ محدث الريبة وقلق القلب فلذلك‏,‏ لم يؤمنوا‏,‏ ولم يعتبوا حين استعتبوا‏.‏

تم تفسير سورة سبأ ـ وللّه الحمد والمنة‏,‏ والفضل‏,‏ ومنه العون‏,‏ وعليه التوكل‏,‏ وبه الثقة‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


استغفر الله استغفر الله استغفر الله
اضافة رد مع اقتباس