مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 01/04/2009, 11:36 PM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة فاطر (2)

[‏11‏]‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏

يذكر تعالى خلقه الآدمي، وتنقله في هذه الأطوار، من تراب إلى نطفة وما بعدها‏.‏
‏{‏ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا‏}‏ أي‏:‏ لم يزل ينقلكم، طورا بعد طور، حتى أوصلكم إلى أن كنتم أزواجا، ذكرا يتزوج أنثى، ويراد بالزواج، الذرية والأولاد، فهو وإن كان النكاح من الأسباب فيه، فإنه مقترن بقضاء اللّه وقدره، وعلمه، ‏{‏وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ‏}‏ وكذلك أطوار الآدمي، كلها بعلمه وقضائه‏.‏
‏{‏وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ‏}‏ أي‏:‏ عمر الذي كان معمرا عمرا طويلا ‏{‏إِلَّا‏}‏ بعلمه تعالى، أو ما ينقص من عمر الإنسان الذي هو بصدد أن يصل إليه، لولا ما سلكه من أسباب قصر العمر، كالزنا، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، ونحو ذلك مما ذكر أنها من أسباب قصر العمر‏.‏
والمعنى‏:‏ أن طول العمر وقصره، بسبب وبغير سبب كله بعلمه تعالى، وقد أثبت ذلك ‏{‏فِي كِتَابٍ‏}‏ حوى ما يجري على العبد، في جميع أوقاته وأيام حياته‏.‏
‏{‏إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ أي‏:‏ إحاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة، وإحاطة كتابه فيها، فهذه ثلاثة أدلة من أدلة البعث والنشور، كلها عقلية، نبه اللّه عليها في هذه الآيات‏:‏ إحياء الأرض بعد موتها، وأن الذي أحياها سيحيي الموتى، وتنقل الآدمي في تلك الأطوار‏.‏
فالذي أوجده ونقله، طبقا بعد طبق، وحالا بعد حال، حتى بلغ ما قدر له، فهو على إعادته وإنشائه النشأة الأخرى أقدر، وهو أهون عليه، وإحاطة علمه بجميع أجزاء العالم، العلوي والسفلي، دقيقها وجليلها، الذي في القلوب، والأجنة التي في البطون، وزيادة الأعمار ونقصها، وإثبات ذلك كله في كتاب‏.‏ فالذي كان هذا ‏[‏نعته‏]‏ يسيرا عليه، فإعادته للأموات أيسر وأيسر‏.‏ فتبارك من كثر خيره، ونبه عباده على ما فيه صلاحهم، في معاشهم ومعادهم‏.‏
‏[‏12 - 14‏]‏ ‏{‏وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ‏}‏
هذا إخبار عن قدرته وحكمته ورحمته، أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم، وأنه لم يسوِّ بينهما، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبة فراتا، سائغا شرابها، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون، وأن يكون البحر ملحا أجاجا، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ولأنه ساكن لا يجري، فملوحته تمنعه من التغير، ولتكون حيواناته أحسن وألذ، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمِنْ كُلٍ‏}‏ من البحر الملح والعذب ‏{‏تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا‏}‏ وهو السمك المتيسر صيده في البحر، ‏{‏وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا‏}‏ من لؤلؤ ومرجان وغيرهما، مما يوجد في البحر، فهذه مصالح عظيمة للعباد‏.‏
ومن المصالح أيضا والمنافع في البحر، أن سخره اللّه تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب، فتراها تمخر البحر وتشقه، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر، ومن محل إلى محل، فتحمل السائرين وأثقالهم وتجاراتهم، فيحصل بذلك من فضل اللّه وإحسانه شيء كثير، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏
ومن ذلك أيضا، إيلاجه تعالى الليل بالنهار والنهار بالليل، يدخل هذا على هذا، وهذا على هذا، كلما أتى أحدهما ذهب الآخر، ويزيد أحدهما وينقص الآخر، ويتساويان، فيقوم بذلك ما يقوم من مصالح العباد في أبدانهم وحيواناتهم وأشجارهم وزروعهم‏.‏
وكذلك ما جعل اللّه في تسخير الشمس والقمر، الضياء والنور، والحركة والسكون، وانتشار العباد في طلب فضله، وما فيهما من تنضيج الثمار وتجفيف ما يجفف وغير ذلك مما هو من الضروريات، التي لو فقدت لَلَحِقَ الناس الضرر‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ أي‏:‏ كل من الشمس والقمر، يسيران في فلكهما ما شاء اللّه أن يسيرا، فإذا جاء الأجل، وقرب انقضاء الدنيا، انقطع سيرهما، وتعطل سلطانهما، وخسف القمر، وكورت الشمس، وانتثرت النجوم‏.‏
فلما بين تعالى ما بيَّن من هذه المخلوقات العظيمة، وما فيها من العبر الدالة على كماله وإحسانه، قال‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ‏}‏ أي‏:‏ الذي انفرد بخلق هذه المذكورات وتسخيرها، هو الرب المألوه المعبود، الذي له الملك كله‏.‏
‏{‏وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ‏}‏ من الأوثان والأصنام ‏{‏مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ لا يملكون شيئا، لا قليلا ولا كثيرا، حتى ولا القطمير الذي هو أحقر الأشياء، وهذا من تنصيص النفي وعمومه، فكيف يُدْعَوْنَ، وهم غير مالكين لشيء من ملك السماوات والأرض‏؟‏
ومع هذا ‏{‏إِنْ تَدْعُوهُم‏}‏ لا يسمعوكم لأنهم ما بين جماد وأموات وملائكة مشغولين بطاعة ربهم‏.‏ ‏{‏وَلَوْ سَمِعُوا‏}‏ على وجه الفرض والتقدير ‏{‏مَا اسْتَجَابُوا لَكُم‏}‏ لأنهم لا يملكون شيئا، ولا يرضى أكثرهم بعبادة من عبده، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُم‏}‏ أي‏:‏ يتبرأون منكم، ويقولون‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِم‏}‏
‏{‏وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ‏}‏ أي‏:‏ لا أحد ينبئك، أصدق من الله العليم الخبير، فاجزم بأن هذا الأمر، الذي نبأ به كأنه رَأْيُ عين، فلا تشك فيه ولا تمتر‏.‏ فتضمنت هذه الآيات، الأدلة والبراهين الساطعة، الدالة على أنه تعالى المألوه المعبود، الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه، وأن عبادة ما سواه باطلة متعلقة بباطل، لا تفيد عابده شيئا‏.‏
‏[‏15 - 18‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ‏}‏
يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه‏:‏
فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا‏.‏
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم ‏[‏بها‏]‏، لما استعدوا لأي عمل كان‏.‏
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل ‏[‏لهم‏]‏ من الرزق والنعم شيء‏.‏
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد‏.‏ فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد‏.‏
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير‏.‏
فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم‏.‏
فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا‏.‏

فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


لا اله الا الله محمد رسول الله
اضافة رد مع اقتباس