الفصل الثاني : أبو بكر الصديق .لعلم الصحابة بمكانه وقربه من الرسول وفضله وسابقة إسلامه، فقد بايعوه بعد وفاة الرسول بالخلافة، وقد كان أمر وفاة الرسول ذا حزن وفزع وصدمة عنيفة، وقف لها أبوبكر ليعلن للناس في إيمان عميق قائلاً: ( أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت )، ثم تلا على الناس قول الله عز وجل لرسوله إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر:30]. وتمت البيعة بإجماع من المهاجرين والأنصار. وقد كانت سياسته العامة والخاصة خيرٌ للإسلام والمسلمين و الناس كافة، أوجزها في كلمة قالها خطيباً في مسجد رسول الله بعد أخذ البيعة وقد خطب خطبته المعروفة .
ثم قام أبوبكر بعمل عظيم لا ينهض له إلا الرجال الموفقون، فقد وقف للردة التي وقعت بعد وفاة الرسول موقفاً لا هوادة فيه ولا ليونة، وقال كلمته المشهورة: ( والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها ). ولما يسر الله عز وجل القضاء على المرتدين انطلقت عينا أبي بكر خارج الجزيرة العربية رغبة في نشر هذا الدين وإخراج الناس من الظلمات إلى النور فوجَّه الجيوش إلى الجهاد في أرض فارس والروم، وجعل على قائد جبهة الفرس خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعلى قائد جبهة الروم أبوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه. وكانت أولى المواقع العظيمة موقعة اليرموك التي فتح الله فيها للمسلمين أرض الروم وما وراءها.
ومن أجلِّ أعمال أبي بكر جمع القرآن الكريم وقد عهد بذلك إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقام بالأمر حتى كتب المصحف في صحف جُمعت كلها ووضعت عند أبي بكر، حتى انتقلت من بعده إلى عمر، ثم إلى عثمان رضي الله عنهم أجمعين. مرض أبوبكر وتوفي في جمادى الآخر سنة 13هـ ودفن بجوار الرسول ، وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر، وعهد للخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. |