مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 04/12/2008, 11:09 PM
سامي صعب يتكرر سامي صعب يتكرر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة الأحقاف (3)

[‏17ـ 19‏]‏ ‏{‏وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏

لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه ذكر حالة العاق وأنها شر الحالات فقال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ‏}‏ إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر وخوفاه الجزاء‏.‏
وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية وفلاحه السرمدي فقابلهما بأقبح مقابلة فقال‏:‏ ‏{‏أُفٍّ لَكُمَا‏}‏ أي‏:‏ تبا لكما ولما جئتما به‏.‏
ثم ذكر وجه استبعاده وإنكاره لذلك فقال‏:‏ ‏{‏أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ‏}‏ من قبري إلى يوم القيامة ‏{‏وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي‏}‏ على التكذيب وسلفوا على الكفر وهم الأئمة المقتدى بهم لكل كفور وجهول ومعاند‏؟‏ ‏{‏وَهُمَا‏}‏ أي‏:‏ والداه ‏{‏يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ‏}‏ عليه ويقولان له‏:‏ ‏{‏وَيْلَكَ آمِن‏}‏ أي‏:‏ يبذلان غاية جهدهما ويسعيان في هدايته أشد السعي حتى إنهما ـ من حرصهما عليه ـ أنهما يستغيثان الله له استغاثة الغريق ويسألانه سؤال الشريق ويعذلان ولدهما ويتوجعان له ويبينان له الحق فيقولان‏:‏ ‏{‏إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ‏}‏ ثم يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما، وولدهما لا يزداد إلا عتوا ونفورا واستكبارا عن الحق وقدحا فيه، ‏{‏فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ أي‏:‏ إلا منقول من كتب المتقدمين ليس من عند الله ولا أوحاه الله إلى رسوله، وكل أحد يعلم أن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمي لا يكتب ولا يقرأ ولا تعلم من أحد، فمن أين يتعلمه‏؟‏ وأنى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا‏؟‏‏.‏
‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ‏}‏ بهذه الحالة الذميمة ‏{‏حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ‏}‏ أي‏:‏ حقت عليهم كلمة العذاب ‏{‏فِي‏}‏ جملة ‏{‏أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ‏}‏ على الكفر والتكذيب فسيدخل هؤلاء في غمارهم وسيغرقون في تيارهم‏.‏
‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ‏}‏ والخسران فوات رأس مال الإنسان، وإذا فقد رأس ماله فالأرباح من باب أولى وأحرى، فهم قد فاتهم الإيمان ولم يحصلوا على شيء من النعيم ولا سلموا من عذاب الجحيم‏.‏
‏{‏وَلِكُلٍّ‏}‏ من أهل الخير وأهل الشر ‏{‏دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا‏}‏ أي‏:‏ كل على حسب مرتبته من الخير والشر ومنازلهم في الدار الآخرة على قدر أعمالهم ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏ بأن لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم‏.‏
‏[‏20‏]‏ ‏{‏وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ‏}‏
يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون فيقال لهم‏:‏ ‏{‏أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا‏}‏ حيث اطمأننتم إلى الدنيا، واغتررتم بلذاتها ورضيتم بشهواتها وألهتكم طيباتها عن السعي لآخرتكم وتمتعتم تمتع الأنعام السارحة فهي حظكم من آخرتكم، ‏{‏فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ‏}‏ أي‏:‏ العذاب الشديد الذي يهينكم ويفضحكم بما كنتم تقولون على الله غير الحق، أي‏:‏ تنسبون الطريق الضالة التي أنتم عليها إلى الله وإلى حكمه وأنتم كذبة في ذلك، ‏{‏وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ‏}‏ أي‏:‏ تتكبرون عن طاعته، فجمعوا بين قول الباطل والعمل بالباطل والكذب على الله بنسبته إلى رضاه والقدح في الحق والاستكبار عنه فعوقبوا أشد العقوبة‏.‏
‏[‏21ـ 26‏]‏ ‏{‏وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ‏}‏ إلى آخر القصة
أي‏:‏ ‏{‏وَاذْكُر‏}‏ بالثناء الجميل ‏{‏أَخَا عَادٍ‏}‏ وهو هود عليه السلام، حيث كان من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه وإرشاد الخلق إليه‏.‏
‏{‏إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ‏}‏ وهم عاد ‏{‏بِالْأَحْقَافِ‏}‏ أي‏:‏ في منازلهم المعروفة بالأحقاف وهي‏:‏ الرمال الكثيرة في أرض اليمن‏.‏
‏{‏وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ‏}‏ فلم يكن بدعا منهم ولا مخالفا لهم، قائلا لهم‏:‏ ‏{‏أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏}‏
فأمرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد، ونهاهم عن الشرك والتنديد وخوفهم ـ إن لم يطيعوهـ العذاب الشديد فلم تفد فيهم تلك الدعوة‏.‏
‏{‏قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا‏}‏ أي‏:‏ ليس لك من القصد ولا معك من الحق إلا أنك حسدتنا على آلهتنا فأردت أن تصرفنا عنها‏.‏
‏{‏فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ وهذا غاية الجهل والعناد‏.‏
‏{‏قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ فهو الذي بيده أزمة الأمور ومقاليدها وهو الذي يأتيكم بالعذاب إن شاء‏.‏ ‏{‏وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ ليس علي إلا البلاغ المبين، ‏{‏وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ‏}‏ فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشديدة، فأرسل الله عليهم العذاب العظيم وهو الريح التي دمرتهم وأهلكتهم‏.‏
ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَوْهُ‏}‏ أي‏:‏ العذاب ‏{‏عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِم‏}‏ أي‏:‏ معترضا كالسحاب قد أقبل على أوديتهم التي تسيل فتسقي نوابتهم ويشربون من آبارها وغدرانها‏.‏
‏{‏قَالُوا‏}‏ مستبشرين‏:‏ ‏{‏هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا‏}‏ أي‏:‏ هذا السحاب سيمطرنا‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ هذا الذي جنيتم به على أنفسكم حيث قلتم‏:‏ ‏{‏فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ ‏{‏رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏
‏{‏تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ‏}‏ تمر عليه من شدتها ونحسها‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


استغفر الله وأتوب اليه
اضافة رد مع اقتباس