تعيش عروس البحر الاحمر جده هذه الايام وضعا صعبا بسبب السيول الكبيرة التي اجتاحت احياء هذه المدينة وشلت الحركة فيها واحتجز الالاف من الناس منهم من احتجز في مقر عمله ومنهم من احتجز في سيارته ومنهم من احتجز في بيته وهذه المأساة سبق وان حدثت قبل حوالي السنة والشهرين دون ان نجد حلولا لعدم تكرار هذه المأساة فمن المسؤول عن ماحدث ؟
الحقيقة ان ماحدث ماهو الا نتيجة اخطاء متراكمة على مر السنين وهذه الأخطاء ليست في مدينة جدة فقط بل في جميع مدننا واستثني مدينتين هما الجبيل وينبع الصناعيتين فقط اما الباقي فلا .
بحكم عملي كمهندس ارى ان لتجار العقار دور كبير في هذه الأخطاء وتشاركهم في هذه الاخطاء البلديات والامانات لانها تركت لهم الحبل على الغارب .
من طبيعة اي مشروع انشائي ان يتم عمل رفع مساحي طبوغرافي لطبيعة الارض ويتم من خلاله دراسة حركة السيول وبالتالي يفترض ان تبقى الاودية ومجاري السيول دون مساس او تطويرها بعمل ممرات اسمنتيه او حجر او مايسمى بالربراب على ضفاف الوادي في الاحياء للمحافظة على عدم تأكل التربة من على اطراف الاودية فهل يتم ذلك في المخططات السكنية التي نراها تنفذ في مدننا ؟
للاسف لا فتاجر العقار او ما يسمى بالمطور وهو بالمناسبة ليس مطور بل مخرب يقوم بشراء الارض خام على مساحات كبيرة ويقوم بعمل تسوية للارض باخذ الرمل او الطين من الاماكن المرتفعة ويطمرها في الاماكن المنخفضة التي هي الاودية ومجاري السيول حتى تصبح كامل الارض على مستوى واحد وبالطبع لا يتم عمل اي معايير هندسية لهذه الاعمال لا من ناحية قوة الدك للارض المدفونة ولا من ناحية منسوب الارض فتجد فيها الكثير من المنخفضات التي تتجمع فيها المياه عند نزول الامطار بعد سفلتة الحي وبناء المساكن فيه لذلك تجد مع نزول الامطار تتجمع المياه في الاماكن المنخفضة داخل الاحياء .
والمصيبة الكبرى ان البلديات تعتمد هذه المخططات وتجيزها بدون ان يكون لها اي دور في ذلك وتكتفي فقط بوضع الختم عليها بدون ان تلزم العقاري بدراسة طبوغرافية الارض وحركة الاودية والسيول .
هل تعلمون ان احياء كبيرة ومدن بنيت في وسط اودية كبيرة
في الرياض على سبيل المثال مخرج 13 كان في الاساس بطن وادي ياتي من الروضه ويتجه باتجاه الجنوب
وحي السلي ايضا في بطن وادي بل ان هناك مدن وقرى كحفر الباطن في بطن وادي كبير هو وادي الباطن الذي هو امتداد لوادي الرمة ولو قدر الله واجتاز وادي الرمة النفود المعترضه طريقه فان مدينة حفر الباطن باكمالها سيكون مصيرها الغرق
حي البطحاء بمدينة الرياض وهو حي قديم جدا انشيئ على ضفاف وادي البطحاء ولكن الناس في السابق كانو بعيدين عن جشع تجار العقار فترك وادي البطحاء وهو لايزال موجودا حيث تم سقفه وعمل كقناة تصريف كبرى وتصب في وادي حنيفة لذلك حي البطحاء تحديدا يكاد يكون من الاحياء القلية جدا التي لاتتأثر بالسيول بسبب انه انشيء بالطريقة الطبيعية رغم ان هذا الحي له اكثر من 40 سنة
نعود الى مدين جدة
مدينة جدة تقع بين البحر من الغرب وجبال السروات من الشرق والجبال هي اكبر مصدر للسيول وهناك حوالي 4 اودية كبيرة تأتي من الشرق اي من جبال السروات وتصب في البحر ولكن الذي حصل على مدى الثلاثين سنة الماضية انه انشأت احياء في بطون هذه الاودية الكبيرة بل الادهى والامر انه دفن جزء من البحر بدون ان يراعى فيه مصبات هذه الاودية وعندما انهمرت الامطار بكميات كبيرة على تلك الجبال سالت هذه الاودية بكامل طاقتها فاصطدمت بتلك الاحياء وكانت النتيجة غرق هذه الاحياء .
حسب ماسمعنا وهي معلومات غير مؤكدة ان هناك من ادين بعد التحقيق الذي تم بعد كارثة جدة الاولى ولكن لم نرى اي تشهير او معاقبة لهم وكنا نتمنى ان يتم التشهير باي مجرم يثبت ادانته فالاتجار بارواح البشر لايمكن السكوت عليه .
بين الكارثتين حاولت الامانة وضع حلول مؤقته وهي انشاء سدود ترابية مؤقتة لدرء هذه السيول ولكن ذلك لم يكن كافيا فقد انهارت بعض هذه السدود
للاسف كارثة جدة الاولى لم تردع الناس ولامسؤولي البلديات فلا زالت المخططات تعتمد وتنفذ بنفس الالية القديمة وانا وقفت بنفسي على اودبة بالرياض حاليا وهي تطمر وتدفن وتحول الى احياء سكنية فمتى نفوق ونعود الى جادة الصواب ونصلح مايمكن اصلاحه
في بداية مقالي استثنيت مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين من تلك الاخطاء والسبب هو ان هاتين المدينتين نفذتا بعيدا عن تخبطات تجار العقار والبلديات واحب ان اضيف الى هاتين المدينتين المدن العسكرية التي تنفذها وزارة الدفاع لانها تنفذ على احدث المواصفات الفنية وتراعى فيها طبوغرافية الارض