السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
"نحن أمَّة ومَنْ لا يناسبه هذا يستطيع الذهاب"،
هذا القول ليس لزعيم هندي أو من كوريا الشمالية، حتى لا نقترب أكثر، وإنما يعود إلى زعيم تركي، وجاء ضمن مجادلة سياسية حصلت عام 2007، عندما كانت تجري أنقرة مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بهدف انضمامها إلى الفضاء الأوروبي، مقابل تقديم تنازلات، منها الحفاظ على علمانية الدولة كما يطلب الأوروبيون.
هذا الزعيم ليس غير رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان، وعندما اتخذ الموقف المذكور لم يكن لينفخ في صورة بلاده، فهذه الأمة "الأتراك" التي كانت قبل أقل من قرن دولة عظمى، وامبراطورية سيطرت على الشرق الأوسط وقادته نحو خمسة قرون، من حقها الآن أن تسترجع مكانها الطبيعي ولكن بلغة غير لغة الهيمنة وإقصاء الآخرين.
وهذه الحقيقة بدأت تأخذ طريقها إلى الثبات، ويوما بعد يوم بدأت تركيا تتغير وتنفض عنها الثوب التغريبي الطارئ لتعود إلى أصولها معتزة بهويتها وبحضارتها وبمكانتها التاريخية بين أمم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وحتى أوروبا.
هذا هو وجه تركيا الجديدة التي يقودها بسياسة تثير الإعجاب، رجب طيب أردوغان، وقد أصبح مثارا للجدل، ليس في بلاده فحسب، ورغم أن المعجبين بشخصيته يزداد عددهم من موقف إلى آخر، فإن منتقديه ينحسرون ويتقهقرون، ففي تركيا أصبح هذا الرجل هو النجم الأول، ويذهب كثير من الأتراك إلى أن البلاد لم تعرف بعد زعيمها التاريخي مصطفى كمال أتاتورك رجلا مثله، وزاد آخرون بالتأكيد أن أردوغان استطاع دون أن يطلق رصاصة واحدة أو يقوم بانقلاب، أن يطيح بـ "صنم" أتاتورك، وينال من مذهبه العلماني المجلل بالقداسة.
ورغم أن ما اتخذه هذا الرجل من مواقف تعتبر ثورية في السياسة التركية فإنها جلبت إليه احترام حتى أعدائها، فعندما قرر مؤخرا إلغاء مناورات "صقر الأناضول" ومنع إسرائيل من المشاركة فيها، حتى لا يجرح ضمير الشعب التركي، باعتبار أن بعض الطائرات التي ستحلق في سماء تركيا كانت قد قتلت الأطفال والنساء في غزة ، كان موقف تل أبيب الوجوم، وطالبت مسؤوليها بالتحلي بالرصانة و"ضبط النفس"، ولكنها بدأت تسرب تدريجيا أن أردوغان أصبح "بؤرة توتر" بينها وبين تركيا، بعد أن ظنت قبل ذلك أنها سحبت هذه الدولة إلى جانبها أو حيدتها على أقل تقدير.
رجب طيب أردوغان عاد ليعيد التوازن إلى المعادلة المغلوطة، وقد بدأ ذلك تدريجيا، منذ تسلم حزبه العدالة والتنمية الحكم في بدايات العام 2003، ولكن عندما سنحت الفرصة لم يتركها تمر ووجه رسالة شديدة البلاغة في شهر فبراير- شباط الماضي، وتحديدا في مؤتمر دافوس بسويسرا، عندما وجه أردوغان إصبعه إلى عيني رئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريس قائلا يا "قاتل الأطفال"، وخرج مزمجرا من المؤتمر والعالم كله يتابع المشهد على الشاشات بلغات الأرض المختلفة.
تلك الواقعة سقطت كالقنبلة على رؤوس قادة إسرائيل ومجرميها، بينما نزلت بالمقابل بشرى على مئات الملايين من العرب والمسلمين، والفلسطينيين في قطاع غزة على وجه التحديد، وقد عبر ذلك الموقف عن ضمير الأمة الإسلامية وكل أحرار العالم، وبعث الأمل في قلوب الملايين.
لقد كان الفلسطينيون في تلك الأيام العصيبة ينتظرون موقفا بهذا الحجم يصدر عن زعيم عربي، ولكنه لم يحصل، وعندما لم ترف أجفان غالبية الزعماء العرب على الشهداء والجرحى الذين سقطوا في عدوان الرصاص المصبوب على غزة، شوهدت دموع رجب طيب أردوغان وهو يعود جرحى فلسطينيين استقبلتهم المستشفيات التركية، وعلق على ما شاهده في خطاب بالقول "إن إسرائيل ستغرق بدموع الأطفال والنساء المظلومين الذين قتلتهم وبدموع الأمهات اللواتي فقدن أطفالهن"، مضيفا أن "الله سيعاقب أولئك الذين ينتهكون حقوق الأبرياء عاجلا أم آجلا."
هذه المقدمة الطويلة مطلوبة لتقديم قراءة في شخصية السيد رجب طيب أردوغان، فقبل واقعة دافوس ثم الموقف الأخير بمنع المناورات، كانت شخصية أردوغان لدى الغالبية الساحقة من الرأي العام العربي، شخصية رجل دولة عادي، شأنه شأن أي رئيس وزراء عربي أو إسلامي، ليس له أي مشروع غير الاستمرار في الحكم.
ولكن أردوغان كان مختلفا، فالرجل منذ نشأته الأولى ودراسته و"جهاده" لتأسيس حزبه الحالي العدالة والتنمية، كان ينبئ بالاختلاف عمن سبقوه في حكم تركيا، وعمن قاموا بأدوار في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه منذ أن بدأ يحبو في عالم السياسة لم يستح من إظهار أن لديها مشروعا كبيرا لن يبني به مجدا شخصيا بقدر ما سيعود بالنفع على تركيا، وقد كلفه ذلك السجن والتضييق والملاحقة، وعوض أن يستسلم واصل الثبات على مواقفه.
وقد حكم عليه في التسعينيات بالسجن أربعة أشهر لشعر قاله اعتبرته محكمة "ديار بكر" تحريضا على قلب النظام العلماني وإثارة مشاعر الحقد الديني بين أفراد الشعب، وعندما كان يهم بدخول السجن، ألقى خطبة بعد صلاة الجمعة، لخصت الكثير من مبادئ مشروعه.
على باب السجن خاطب أردوغان أنصاره قائلاً: "وداعاً أيها الأحباب، وداعاً لوقت قصير، تهانيَّ القلبية لأهالي اسطنبول بعيد الأضحى، تهانيَّ القلبية للشعب التركي بعيد الأضحى، تهانيَّ القلبية للعالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك، متمنياً لهم كل الخير، كما أهنئ أهالي هذه البلدة التي سأبقى ضيفاً فيها لمدة 120 يوماً'.
وذكر أن هذا العيد يأتي في ظروف حرجة، ولاسيما أن أهالي كوسوفو يمرون بظروف عصيبة، 'أتمنى لهم العودة إلى مساكنهم مطمئنين في جو من السلام، وأن يقضوا عيدهم في سلام، كما أتمنى للطيارين الأتراك الشباب الذين يشاركون في القصف ضد الظلم الصربي أن يعودوا سالمين إلى وطنهم'.
وأضاف قائلاً: 'إنني لست ممتعضاً، ولا حاقداً ضد دولتي، ولم يكن كفاحي إلا من أجل سعادة أمتي، وسأقضي وقتي خلال هذه الأشهر الأربعة في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة والتي ستكون إن شاء الله أعواماً جميلة، ولكن ذلك يحتاج منا جهداً كبيراً وعملاً شاقاً، وسأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين وأطباء جيدين، وحقوقيين متميزين، أنا ذاهب لتأدية واجبي، واذهبوا أنتم أيضاً لتؤدوا واجبكم، إن الشعب يستطيع بتجربته التاريخية الواسعة أن يرى كل شيء ويقيم كل شيء بشكل صحيح، وما يجب عمله الآن ليس إعطاء إشارة أو رسالة إلى الشعب، وإنما الفهم الصحيح لما يريده الشعب".
وقد كانت تجربة السجن مفيدة في مسيرة هذا الرجل، وزادت كثيرا من شعبيته داخل تركيا وأصبح الزعيم الأول لدى غالبية سكان أسطنبول التي رشحته في ما بعد ليرأس بلديتها.
وخلال توليه عمادة المدينة الأولى وعاصمة الإمبراطورية العثمانية حقق رجب طيب أردوغان "معجزة" كانت طالع خير على مستقبله السياسي، إذ كان أردوغان مرشح حزب الرفاه في مدينة اسطنبول في الانتخابات البلدية عام 1994 وفاز في الانتخابات وأصبح عمدة اسطنبول، حقق أثناء رئاسته إنجازات كبيرة في المدينة، وهو الأمر الذي حببه إلى الناس.
وتمكن في الفترة القصيرة لتولي رئاسة البلدية من انتشالها من حالة الإفلاس التي كانت تواجهها، وتمكن من تحويل ديونها التي بلغت وقتها نحو ملياري دولار للبنوك إلى أرباح، وقفز بقيمة الاستثمارات لقرابة 12 مليار دولار.
وخلال توليه المنصب تحولت اسطنبول الضخمة إلى مدينة نظيفة، بعد تعزيز جهود النظافة العامة وتحسين أجور العمال ورعايتهم صحياً واجتماعياً.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت الأضواء تتسلط على شخصية أردوغان، وبدأ أنصار حزبه يراهنون على أن الكثير من الخير سيأتي على يديه، على الرغم من أنه ليس من عائلة عريقة لا في السياسة ولا في الإقتصاد، ولكنه أثبت أنه رجل اقتصاد وسياسة والآن هاهو رجل دولة.
لقد ولد رجب طيب في حي قاسم باشا، أفقر حي من أحياء مدينة اسطنبول، في 26 أبريل- نيسان 1954، زوجته هي السيدة أمينة أردوغان أنجب منها أربع بنات فقط. وكان أبوه فقيرا، عمل موظفا في خفر السواحل، درس أردوغان المرحلة الابتدائية في مدرسة الحي الفقير ودرس المرحلة الاعدادية والثانوية في مدارس الأئمة والخطباء.
شعر أردوغان بالمسؤولية تجاه أسرته منذ صغره، وكان خلال تلك الفترة يساعد أسرته في العمل بائعا للكعك بسمسم أو عصير الليمونادة وفي فترة لاحقة على بسطة بطيخ، وتلك التجربة مازال يفتخر بها ويرددها في المقابلات والمناظرات السياسية.
عام 1981 تخرج من جامعة مرمره في اسطنبول وحصل على بكالوريوس في التجارة والاقتصاد، ويعترف بأن امكانياته المادية البسيطة لم تتح له فرصة التعلم أكثر من بكالوريوس، لذا فهو يحيط نفسه بمجموعة من الخبراء والمستشارين من ذوي الكفاءات العالية.
في شبابه التحق اردوغان بعدة نوادي رياضية، وكان لاعب كرة قدم معروف ومشهور أكسبه حب الجماهير، لارتباط الشعب التركي الوثيق بكرة القدم، وفي الوقت نفسه فقد غرست هذه اللعبة في نفسه مبدأ العمل الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرار وعدم الأنانية.
بدأ مشوار اردوغان السياسي عندما انضم في بداية الثمانينيات الى اتحاد الطلبة "ألمللي" وتتلمذ شخصيا على يد البروفيسور نجم الدين أربكان الملقب بـ "محامي فلسطين في تركيا"، ومكنه التقرب إليه، من القفز قفزات سريعة في تنظيم الحزب.
ولم يفارق أردوغان زعيمه نجم الدين أربكان بعد هذه الفترة وفي فترة الحظر السياسي الذي فرض على أربكان بعد الانقلاب العسكري سنة 1980.
تولى أردوغان منصب رئيس حزب الرفاه في اسطنبول سنة 1985، وكان يبلغ من العمر آنذاك ثلاثين عاما، ورشحه الحزب لعضوية البرلمان في انتخابات 1987 و1991، لكنه لم يحالفه الحظ في كلا المرتين.
أسس حزب العدالة والتنمية مع رفيق دربه عبد الله جول رئيس الجمهورية الحالي في تركيا والذي كان يلقب أثناء شبابه بـ "الأمير " على اعتبار انه المدلل من الدكتور نجم الدين اربكان. وفاز هذا الحزب في انتخابات عام 2002 ليحكم البلاد وحيدا مرورا بانتخابات عام 2007 والتي عززت موقفه إذ أنه ضمن بعد الانتخابات عنصرا هاما ورئيسا للحكم في تركيا وهي رئاسة الجمهورية.
لقد ظهرت كثير من الميزات المؤهلة لأردوغان ليكون رجل حكم، فإضافة إلى حنكته السياسية ساعده واقعه الاجتماعي على أن يكون قريبا من العامة، ففي حيه الفقير في اسطنبول، مازال إلى الآن، حتى وهو رئيس وزراء، لا يتخلف يوما عن حضور بيت عزاء أو المشاركة في جنازة أي من أهل حيه ومعارفه، كما لا تفوته المناسبات الأخرى، وإن لم يحضر فإنه يوفد من ينوبه، إن لم تكن زوجته فواحدة من بناته.
لهذا وغيره أصبح الأتراك يحبون زعيمهم الشاب رجب طيب، فخلال ست سنوات من الحكم، حقق لتركيا ما لم تحققه حكومة قبله، فتركيا بعد أن كانت دولة عادية قبل سنوات، أصبحت الآن دولة تحتل المرتبة السادسة عشرة من ضمن مجموعة العشرين الأكثر نموا اقتصاديا في العالم.
وتبشر الخطوات الكثيرة خصوصا ما يتعلق منها بالانفتاح على المحيط الإقليمي والعربي بالتحديد بمرحلة أكثر وثوقا بالمستقبل، فأردوغان إضافة إلى مواقفه السياسية المثيرة للإعجاب، حقق مواقف في الداخل أكثر إعجابا، فرغم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالكثير من الدول، بقيت تركيا بمنأى عن مخاطرها ولم تلحق اقتصادها أضرار جوهرية، بل إن بعض القطاعات حققت مستويات تاريخية.
وعلى المستوى العربي، فقد أصبحت غالبيتهم تنظر بإكبار شديد للمواقف التي تتخذها حكومة أردوغان، لقد شعر العرب بالاعتزاز بالأخوة مع تركيا عندما قررت عام 2003 عدم فتح أراضيها للقوات الأمريكية لاحتلال العراق، وعندما اتخذت المواقف المشهودة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وأخيرا العدوان والحصار على غزة، وبعد أن ألغى مناورات "نسر الأناضول" أصبح هو بالفعل نسر الأناضول، عند الملايين من المسحوقين العرب والمسلمين.
رجب طيب أردوغان صحح الصورة وأصبح ينظر إليه على أنه "سلطان عثماني جديد"، ومواقفه المشهودة بدأت تنسخ الأحكام السلبية عن تركيا إبان العهد العثماني في كتب التاريخ، عندما نجحت الدسائس الغربية في تشويه صورة الأتراك، وللأسف ساعدت رغبة تركيا الأتاتوركية في الالتحاق بذيل الغرب في تكريس تلك الصورة المشوهة، لكن الآن الصورة انقلبت وعادت تركيا تسير على قدميها، عادت لأنها أمة حية، ولها رجل يسمى رجب طيب أردوغان.
------------------------------
معلومه بسيطه فالدوله الاسلاميه والحميه للدين عادت لتركيا بعد قدوم حزب اوردوغان
واتذكر شخصيا جمله جميله قالها للصهاينه ليعلم مسؤولوا الدوله العبريه ان لولا الله ثم العثمانيين لما بقي لليهود باقيه بعد ان شردو من اوروبا وعاشوا في احضان العثمانيين
لعل البعض يقول خطأهم انهم ضموهم ولكن المسلم لايضر من لايضره وكانوا مجرد اناس مذعورون لا اكثر
شكرا وهذا رد بسيط على من اطالوا بحديثهم وهنيئا لكم مبادرة السلام مع الصهاينه
قال تعالى :: " وَلَنْ تَرْضَى عَنْك الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ