الرياض ،، أحد أبرز ألغاز حياتي التي لم اكتشفها حتى الان ، رغم كل ما اجده فيها من عيوب و قناعتي بانها مدينة غير صالحة للحياة إلا أن هناك ما يجذبني إليها و يجعلني افتقدها في حال السفر ، أهو الحنين للموطن و الارض ربما هو كذلك


و نحن في بداية عقد هجري جديد و على اعتاب نهاية عقد ميلادي أحببت أن أشاركم قرائات في حال العاصمة خلال ما عاشته من تغيرات و تقلبات في عقد بداية الالفية الميلادية الجديدة.

كما كانت حرب الخليج شرارة التحول في بداية عقد التسعينات ، كانت كذلك أحداث 11 سبتمبر هي الشرارة للعقد الاول من الالفية الجديدة في كل انحاء العالم و بلا شك كانت الرياض العاصمة أحد أبرز المدن التي طالتها أحداث و متغيرات الحادي عشر من سبتمبر. من أبرز مميزات المجتمع السعودي محافظته الدينية و الى ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان للمحافظين و للتيار الديني ما يشابه الاجماع من إفراد المجتمع و لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر غيرت الكثير فلم تعد لحلقات تحفيظ القران و معلميها ذات السمعة الطيبة ، و أصبحت تحاط حول تلك الحلق الشكوك و الظنون بسبب قلة استغلتها بشكل سيء لتجييش بعض الشباب و للأسف كان لتلك القلة الاثر السيء في الاساءة لما تمتلكه تلك الدور الدينية من المنافع الكبيرة و الاشخاص الفاضلين.

ما يتجاوز ذلك أنه نشأت أصوات و أصبحت تجد لها صدى في الاعلام بالتجاوز حتى على كبار العلماء و طالما الحديث عن العلماء لا يمكننا أن نغفل أحد أهم أحداث العقد الاول من الالفية الجديدة و هو وفاة العالمين الجليلين سماحة المفتي عبدالعزيز بن باز رحمه الله و أسكنه فسيح جناته في نهاية عقد التسعينات ثم بعد ذلك وفاة العلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في بداية العقد الاول من الالفية الجديدة، و يعلم الجميع كم كان للشيخين الجليلين من مكانة كبيرة في نفوس كل السعوديين سواء قادة أو شعب و لم يكن رحيلهم عن الحياة حدثا عاديا كما أراه شخصيا بل أحد أهم أحداث العقد التي غيرت كثيرا في المجتمع السعودي

الرياض في العقد الاول من الالفية ازدادت مدنية و افتقدت شيئا فشيئا لطبيعة المدن البسيطة فازداد الناس تباعدا و اصطبغت العلاقات الانسانية فيها بالرسمية و من ذلك ما نشاهده من علاقة الجيران على سبيل المثال فمازلت أتذكر في حارتنا القديمة بالتسعينات تلك الارض الفضاء "البرحه" التي كانت مكانا لاجتماع رجال الحارة بشكل اسبوعي تقريبا و السمر فيها ليلة كل جمعة في مشهد أنساني مميز لعلاقات بشرية يملؤها الحب و الاحترام ، ما زلت أتذكر دور التحفيظ و خروج ابناء الحارة عصر كل يوم لمزاولة كرة القدم ، مع العقد الاول للالفية الجديدة بدأت هذه المظاهر تختفي شيئا فشيئا بل أن بعضها على وشك الاندثار فالرياض أصبحت مدينة عمل و طغت عليها الحياة المدنية المعاصرة و ملامح العواصم الجادة.

و ارتباطا لكل ذلك أثرت مظاهر ذلك العقد حتى على الجانب الاسري و علاقات الاقارب ببعضهم البعض خصوصا مع رحيل جيل الاجداد و ما كانوا يتميزون فيه من قوة شخصية و قدرة على قيادة هرم العائلة و إذابة كافة الخلافات داخلها ، و للأسف أصبحت تقل العلاقات الاسرية شيئا فشيئا بل أن بعضها قد قطع تماما لأسباب تافهة في غالب الاحيان و لكنها كما قلت هي نتاج لرحيل جيل كان يتميز بالحكمة و القدرة على القيادة. و بعيدا عن الخلافات الاسرية أصبحت العلاقات الاسرية حتى في الحالات العادية تطغى عليها الرسمية و قلة الاختلاط و ربما كان ذلك نتاجا طبيعيا لعقد ازدادت فيه المشاغل الدنيوية و ازدادت فيه الرياض اتساعا و تباعدا بالمسافات، فعلى سبيل المثال لا زلت أتذكر تلك الرحلات السياحية التي نذهب فيها مع الاخوال و الجد رحمه الله و لا زال عالقا في ذاكرتي ذلك الجمس الذي لآ أعرف حتى الان كيف كان يتسع للاعداد الكبيرة التي كانت تركب فيها أعتقد أنه أحد الاسرار ذلك الجمس جمس العجائب أو ربما كما يقال الضيق بالانفس.


أما على الجانب التقني فقد عاشت الرياض تحولات كبيرة كذلك فبعد أن كانت القنوات الفضائية هي الثورة الجديدة في منتصف التسعينات و بداية الالفية الجديدة أتت ثورة الانترنت في العقد الاول من الالفية الجديدة و بالطبع كان لذلك التطور التقني أثره على الحياة الاجتماعية بالانفتاح أكثر على العالم الخارجي و الثقافات الاخرى التي غيرت من ثقافة المجتمع السعودي و أضافة عليه عادات جديدة و مختلفة سواء عادات محمودة أو مذمومة.


ما ورد أعلاه هو ما كتبته على عجل لفكرة وردت على بالي في الايام الاخيرة و أحببت أن أشارككم فيها ، حاولت قدر الامكان الايجاز فيها و أعلم أني قد أجتزت محطات مهمة في العقد الاخير و لكن كما تعلمون الحديث عن ذلك يحتاج لمجلدات ، حاولت قدر الامكان أن أعمم الفكرة و الابتعاد عن الاراء الشخصية قدر الامكان. ما ورد بالطبع من قراءة مبسطة لعقد مر على الرياض ليس خاصا بالرياض وحدها بل قد يجوز تعميمه على السعودية كاملة مع وجود بعض الفروقات بالطبع.

بعد كتابتي للموضوع اصابني هاجس هل ما كتبته هي تغيرات حقيقية مرت على المجتمع أم هي نتاج طبيعي لتقدمي بالعمر و اختلاف نظرتي بالحياة ، لا أعلم حقيقة ربما هو خليط من هذا و ذاك.

هذا ما لدي و أحب أن أسمع قرائتكم أنتم للتغيرات التي جرت على الرياض في العقد السابق من بداية الالفية حتى الان ، و ما هي توقعاتكم لرياض العقد الجديد كما عنونت بموضوعي.