ولدتك امك يا ابن ادم باكيا *** والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل ليوم ان تكون اذا بكوا *** في يوم موتك ضاحكا مسرورا
نعود الى مالك بن الريب وقصيدته وتحديد الى بيت منها استوقفني كثيراً وهو من الابيات المعبره جداً في تلك القصيدة ويقول فيه :
يقولون لا تَبْعُـد وهـم يدفنوننـي *** وأيـن مكـان البعـد إلا مكانيـا
هذه المعادلة التي تحدث عنها مالك بن الريب من اعجب المعادلات والتي نراها كثيراً في حياتنا بصور مختلفة
فالبعض يسيئ اليك ويقول لك لا تغضب !! ويتكلم عليك ويقول لك تزعل !! ويضربك ويطلب منك ان لا تبكي !! بل قد يذبحك ويامرك الا تصرخ !! ومن قصائد الموت الشهيرة ابيات قالها صخر اخو الخنساء في مرض موته يشتكي من هجر زوجته ويمدح صبر امه
: أرى أمَّ صخر(ن) لا تمل عيادتي **وملّت سُليمى مضجعي ومكاني
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ** عليك ومن يغترّ بالحدثان؟
لعمري لقد نبهت من كان نائما ** وأسمعت من كان له أُذُنانِ
وللموتِ خيرٌ من حياة كأنها ** معرسُ يعسوبٍ برأسِ سِنانِ
وايُّ امريءٍ ساوى بأم(ن) حليلةٍ ** فلا عاشَ الا في شقا وهوانِ
وأيضاً من الابيات ما قاله طرفة بن العبد قبل أن يقتل بعد ان ارسله الملك عمرو بن هند بخطاب الى والي البحرين يطلب فيه قتل طرفه :
أسلمني قومي ولم يغضبوا *** لسوءة حلت بهم فادحة
كل خليل كنت خاللته *** لا ترك الله له واضحة !
كلهم أروغ من ثعلبٍ *** ما أشبه الليلة بالبارحة !
والملاحظ في ابيات رثاء النفس انها دائما تتحدث عن خيانة الاصحاب واهمال الاهل لان الشاعر يعيش صدمة الموت الذي تجعله يتأثر بأي شي ويبحث عن اي سبب يعلق عليه مشاعره وحزنه .
وقد رثى الشاعر الاديب غازي القصيبي نفسه بقصيدة جميلة جدا اخترتها لتكون خاتمة لهذا الموضوع وكان كتبها يوم بلغ من العمر خمس وستون وسماها :
"حديقة الغروب "
خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ
أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت
إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟
أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا
يحاورونكَ بالكبريتِ والنار
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ
سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكار
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا
قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري
***
أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى
عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري
أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ
وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري
منحتني من كنوز الحُبّ.. أَنفَسها
وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري
ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي
والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري
إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني
بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه
وكان يحمل في أضلاعهِ داري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكنْ بَطَلاً
لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ
***
وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه
ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ
ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ
يهيمُ ما بين أغلالٍ.. وأسوارِ
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما
رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ
والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ
لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي
فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً
وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ
***
ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه
لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري
تركتُ بين رمال البيد أغنيتي
وعند شاطئكِ المسحورِ.. أسماري
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي
ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري
وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً
وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري
***
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
علي.. ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟
شكرا لكم