حصريا لعاجل ... الدكتور الزعاق يكشف بالصور أسباب وآثار كارثة جدة
كتب ( د- خالد بن صالح الزعاق)-

تعد جدة العاصمة الاقتصادية والسياحية للمملكة ولذا بلغ عدد سكانها حوالي 3.2 مليون نسمة وتعتبر ثاني أكبر المدن في المملكة بعد مدينة الرياض.الأمر الذي جعلها تنموا بشكل سريع خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين فأصبحت مركزاً للمال والأعمال في المملكة ومرفأ رئيسياً لتصدير البضائع غير النفطية ولاستيراد الاحتياجات واستقبال الحجاج وكان هذا مبرراً لضرورة التوسع العمراني للمدينة.
وبما أن المدينة تقع على ساحل بحري ويحيطها من الشرق سهول تهامة وتمثل منخفضاً لمرتفعات الحجاز ومن الغرب البحر الأحمر ,كان لزاماً أن تمتد المدينة شمالاً وجنوباً,أما الجهة الغربية فامتدت على حساب البحر,عن طريق عمليات ردم السواحل,والبناء فوقها,فواجهت المدينة مشكلة حادة,وهي الزيادة السريعة للكثافة السكانية مع مرور الأيام وعدم تأهيل الأرضية الحاضنة لهذه الزيادة ولهذا أصيبت جدة بثلاثة أمراض عضال لا يرجى برؤها على المدى القريب وهي:

1- عمليات الردم التي شكلت ثلثين المدينة الحالية
2- عدم وجود البنية التحتية الصلبة لاحتواء الزيادة السكانية
3- الأساليب العلاجية المؤقتة للزيادة السكانية وعدم وجود البنية التحتية للمدينة,والمتمثلة في:
أ- تحويل فيضة المسك إلى خزان مؤقت لتصريف مجاري المدينة عن طريق النقل البدائي
ب- الإذن ببناء المساكن بشكل طولي أي إقامة عدة طوابق في العمارة الواحدة
ومع هذا فإن معظم القرارات التطويرية لمدينة جدة المنكوبة منذ ثلاثين سنة جاءت محفزة لهذه الأمراض أو متجاهلتها
والمشكلة الكونية التي تواجهها جدة هي أن معظم أمطارها التي تسقط عليها هي من نوع الزخات المصحوبة بالعواصف الرعدية,وتهطل عادة خلال فصل الشتاء,وكذلك في الربيع,والخريف,نتيجة لمرور المنخفضات الجوية من الغرب إلى الشرق والتقائها مع امتداد منخفض السودان الحراري على المنطقة,ودول العالم تتعامل مع هذا النوع من الأمطار بكل حذر لغزارتها واحتوائها لشحنات الكهربائية علاوة على شدة عصف رياحها.
وبما أن جبال تهامة تحيط بها من الشرق والبحر من الغرب فمن الطبيعي أن تتجه السيول من الجهة الشرقية إلى الجهة الغربية وتخلق هذه السيول عدداً من الأودية الجبارة وهي:
1-وادي قوس 2-ووادي غليل
3-ووادي بريمان 4-ووادي الكراع
وتسير هذه الأودية عبر عدد من الطرق متغلغلة داخل الأحياء التي أقيمت في العقود الثلاثة الماضية في بطون هذه الأودية
*وادي قوس
يتشكل هذا الوادي من سفوح جبال السراة المغذية لوادي فاطمة والواقعة في الجهة الشرقية من جدة وهو امتداد لوادي فاطمة ويتجه إلى البحر إلا أن المخططات السكنية التي أقيمت في طريقة جعلته يوسع نطاق مسيره,ويمر في طريقة على حي قويزة وينطق منها ويمر على جامعة الملك عبد العزيز,ثم حي الروابي,ويتقاطع مع طريق مكة القديم مروراً بإستاد الأمير عبد الله الفيصل ثم حي الوزارية,ثم المنطقة الصناعية,ثم سوق الصواريخ,ويشكل هناك بحيرة آسنة

*وادي الغليل

يتشكل هذا الوادي من الهضاب الواقعة في الجهة الجنوبية من جدة وينطلق من خلف مخطط الأمير فواز عبر مجرى خرساني مروراً بمحاذاة مشروع الإسكان العاجل , وفي هذه النقطة يلتقي مع مسار السيل الأول في منطقة حي الوزارية,وتكمن إشكالية هذا لمسار في الأحياء السكنية القابعة ضمن نطاق الأودية وخاصة حي الأمير فواز الجنوبي

*وادي بريمان

يتشكل من الجبال والهضاب الواقعة في شمال شرق جدة ويمتد هذا الوادي من الجهة الشمالية الشرقية باتجاه الجنوب لمسافة 40 كلم تقريباً وقبل وصوله إلى أحياء جدة ينقسم إلى قسمين أحدهما يتجه إلى أحياء بريمان,والمروة,والنزهة,ويتجه القسم الثاني شرق الخط السريع,ويمر بمحاذاته,ويقطعه باتجاه الشمال الغربي مروراً بحي الرحاب,ويكمل مساره نحو الغرب بمحاذاة طريق الأمير محمد بن عبد العزيز المعروف بشارع التحلية,إلا أن هذا المسار يقف فجأة ويتجمع الماء على شكل بقعة بسبب إقامة منطقة سكنية,وهذه المنطقة كانت في السابق بحراً يصب به السيل,إلا أنه ردم بشكل عشوائي لم يراع فيه مجرى السيل,وهذا ما يفسر لنا انتشار حمى الضنك بجدة بسبب هذه المياه الراكدة لمدة طويلة,فمثلت مع بحيرة المسك مستنقعات حاضنة لكثير من الأمراض الوبائية وقبل عامين كانت هناك عبارة بحي الروضة لتصريف هذا الوادي إلا أن هذه السنة ردمت بشكل تام

ومن المفترض أن مسار وادي قوس يمتد بخط مستقيم نحو بحيرة الأربعين مروراً بما يسمى اليوم بحي الوزارية عبر وادي صغير إلا أن الملاحظ أن مساره تحول بزاوية عمودية عند التقاءه مع مسار وادي بريمان بالقرب من سجن المخابرات بسبب المخططات السكنية التي أقيمت في طريقة كحي الصواعدة,وقويزه,فانبعج, وهذا الانبعاج هو كارثة بحد ذاته,ولا تزال أثار مجرى السيل القديم موجودة خلف حي قويزه وأهل جدة القدماء يعرفون هذا جيداً وبما أن السيل يتبع الطريق الأسهل فلم يجد سوى شوارع ومساكن هذه الأحياء السكنية التي أقيمت في طريقة فالتهم كل من مر عليه وهذا تفسير جريان الأودية داخل أحياء جدة المنكوبة بشكل لم يشهد من قبل في أي دولة من دول العالم المتخلف والمتحضر للأسف الشديد

وهذه الأودية متصلة فيما بينها فنجد وادي غليل يلتقي بوادي القوس في حي الروابي ويتعاضدان ويسيران باتجاه واحد , وكذلك وادي بريمان يلتقي بوادي قوس عند سجن المخابرات في حي الصواعدة

*وادي الكرع

ويقع في أقصى الشمال من جدة ويعد من أكثر الأودية جرياناً ويمر على الحمدانية,والرحمانية,والمحمدية وشمال مطار الملك عبد العزيز
وهناك أودية كثيرة غير هذه الأودية تتجاوز 100 وادي في أماكن مختلفة خارج جدة وعلى سبيل التمثيل وادي بحرة وهو واقع بين جدة ومكة وجرى هذه السنة وأحدث أضراراً جسيمة على ضاحية بحرة الواقعة بمحاذاة جبال كتانه ولقد أقيمت في بحرة منذ عام 1395هـ عدد من المخططات الواقعة في بطون الأودية مثل مخطط ابن عبود المسمى ببحرة المجاهدين الجنوبي ومخطط ابن لادن ومخطط العودي وهي مخططات معتمدة رغم موقعها الخطر,ومجمع البنات الذي يقع في بطن الوادي في بحره شاهد عيان على مدى فوضوية تلك المخططات

وكما هو معروف طبيعياً أن حركة المياه المنسابة وقودها الجاذبية وترسها المرونة السلسة فينتقل الماء من الارتفاع إلى العلو بمرونة بالغة جداً قادرة على تخطى أي حاجز وهذا سر حركة وادي الرمة عبر الصحاري القاحلة والجافة متخطياً جميع العوائق لمسافة تصل إلى 700 كيلوا متر من منطقة المدينة إلى منطقة القصيم فالماء لا يعرف الفشل لمرونته القاهرة للظروف,وجميع شعوب الأرض تعرف هذا,وتعاملت معه بذكاء فكلما كان المسار الذي يحوي الماء مرناً كلما أمكن التحكم بحركة المياه نفسها وعدم مراعاة حركة المياه المنسابة يورث كوارث بشرية لا تعد ولا تحصى وهذا ما حدث بالفعل لمدينة جدة
هذا ولعل الصور تغني عن الكثير