
15/09/2002, 03:38 PM
|
كاتب رياضي | | تاريخ التسجيل: 09/08/2002
مشاركات: 240
| |
لحظة جنون تجعلنا عقلاء رغم ما يقوله مؤسس التربية البدنية في الاتحاد السيوفيتي سابقا (ب.ف.لسجافت) بأن هناك علاقة وثيقة بين التربية الأخلاقية والتربية البدنية ، وأن هناك إمكانية لتكوين الصفات الأخلاقية الحميدة من خلال التدريب الرياضي ، وأن الشاب يكتسب صفات مثل الأخذ بزمام الأمور ، والمبادأة , وضبط النفس ، والتذوق الجمالي من خلال التدريب ، إلا أن الرياضة تقدم الجانب المظلم أو القبيح وهو (العنف ـ الشغب) .
فمن أين يأتي هذا العنف ..؟
أو كيف يخرج الوجه المظلم أو القبيح .. ومن الذي يدفعه للخروج ؟؟
بعض علماء الاجتماع يؤكدون أن الحشد الزائد (الحشد الجماهيري) هو من يشعل شرارة هذه العنف ، والسبب أن هناك صفات جديدة تظهر على الفرد الذي يتكون منه الجماهير ، حسب زعمهم .. هذه الصفات تتمثل في :
التطرف ، التعصب ، سيادة روح الإستبداد ، وبالتالي هذا الجمع يقمع الأنا عند الفرد فينتفي الحس الخلقي .
وأظن أن هذا الرأي ضعيف أو هو يتهاوى أمام تفسير أكثر عمقا طرحه العالم (ألبورت) فهو يقول : (جماعات الحشد هي نوع بدائي عنيف ، يمكن أن نطلق عليه (جماعات الكفاح) ، أهم سماتهم أنهم محبطون في دوافعهم الأساسية فقد سدت في وجوههم فرص التعبير عن رغباتهم ونوازعهم بحرية ) .
لهذا هم يجدون في هذا المكان فرصتهم ليعبروا عما بداخلهم من رفض ، قد يصل إلى العنف إتجاه من يصنعون منه عدوا لهم .
من هنا نلاحظ أن المسألة ليست متعلقة كما يقول بعض العلماء بأنها صفات جديدة تظهر على الفرد .. بقد ما هي صفات موجودة عند الفرد مسبقا وهذه الجماعة المنتمية لفريق تساعده على إظهارها بشكل أحيانا يكون مبالغا بها .
عليّ أن أنبه هنا أني أتكلم عن فئة معينة من الحشد الجماعي والذي عادة ما يتكون من المشاهد وهو أقل تأثيرا وتأثرا بمجريات اللعب لأن النتيجة لا تعنيه ولا تثير مشاعره لهذا هو يبحث عن الأداء الجمالي ، والمشجع وهو الشخص المنتمي للفريق والذي يوجد في داخله فئة متعصبة وغاضبة قد تعبر عن مشاعرها بعنف .
هذه الفئة التي تبدو للوهلة الأولى في حالة أنضباطية .. ما الذي يدفعها إلى حالة التوحش والهمجية ؟
قد يكون الأداء السلبي للفريق في مباريات حساسة أحد أهم الأسباب ، فهنا سنشاهد اللاعب يحاول أن يبحث عن شخص يلبسه تهمة عدم ظهوره بالمستوى المطلوب ، وعادة ما يكون المتهم هو الحكم .
أحيانا التحكيم الهزيل للمباريات ، والأخطاء التي قد لا يراها إلا المتعصب .. تشعل الملعب ، والمتسبب شخص واحد لم يحتمل هذا .. فيشتم أو يرمي بعلبة فارغة ، سرعان ما تتحول العلبة إلى وابل وسيل من العلب والأحذية والكراسي المكسرة داخل الملعب ، وهذا ما يسمى في علم النفس (العدوى السلوكية) أي تأثير الفرد على البعض دون وعي .
وقد لا ينتهي الأمر عند رمي علب فارغة فيتدخل الأمن (الشرطة) لتحدث الكارثة .. وأظن الكثير لا ينسى القصة أو المأساة التي خلفت أكبر عدد من الضحايا جرت عام ( 1964) في عاصمة البيرو ، عندما ألغى الحكم هدفا في الدقائق الأخيرة خلال مباراة ضد الأرجنتين ، هطل مطر من البرتقال وعلب البيرة وقذائف أخرى من المدرجات الملتهبة بالغضب ، وعندئذ تسببت غازات الشرطة ورصاصها في حالة هلع عام ، وحشر البوليس الجموع عند أبوب الخروج التي كانت مغلقة ، سقط أكثر من 300 قتيل، وفي تلك الليلة اجتمع حشد من الناس للاحتجاج في شوارع (ليما) .
الغريب لم تكن المظاهرة الاحتجاجية ضد الشرطة .. وإنما ضد حكم المباراة .
خلاصة :
بعض علماء الإجتماع يؤكدون أن الرياضة ما هي إلى مخدر يخدر الشعوب لتنسى احتياجاتها ومتطلباتها ، وهذا يحدث إن كانت مقدرات البلد تسرق فيشغل الشعب بأمور غريبة كما حدث في عاصمة البيرو حين قتلت الشرطة 300 مشجعا فراح البقية يهتفون ضد الحكم .!!
وأغلب هؤلاء العلماء كانوا ومازالوا يطالبون بإلغاء المنافسات والبطولات الرياضية لتكف الحكومات عن تخدير شعوبها ، ويتوقف نزيف الدم الدائم .
ورغم الوجه القبيح في الرياضة المتمثل بالعنف .. إلا أننا لا نستطيع أن نقول أو نطالب بإلغاء الرياضة لتفادي العنف ، فالرياضة لها إيجابياتها الكثيرة لها وجهها المضيء ..
وعلينا ترسيخ مفهوم قيمة الرياضة بالنسبة للمجتمعات ، وأن حضارة أي أمة لن تكتمل بدون تعاطي الرياضة وتفسيرها لمفهوم الرياضة ، فكل حضارة مرت عبر تاريخ الأرض اعتنت بالرياضة وأولتها أهميتها ، منذ حضارة ما وراء النهرين مرورا بالحضارة الإسلامية انتهاءً بالحضارة الغربية .
كل حضارة مرت ، كانت الرياضة بالنسبة لها مهمة ، أما لماذا ؟
فلأن الرياضة تعلم الفرد التحمل والصبر ، وأن الحياة هزيمة وانتصار أو فشل ونجاح ، في الأولى ستعيد قراءة عملك وتبحث عن سبب فشلك ، في الثانية ستتعلم أنه لا يستوي من يعمل ومن لا يعمل .
وكلتاهما ، يمثلان الحياة .
هناك أمر آخر نتعلمه وتعلمنا الرياضة إياه .. وهو العمل الجماعي أو التعاون ، وهذا ما لا يستطيع العلم فعله .. تخيل لو أن مدرسا في الرياضيات راح يقول للطلاب أن التعاون مهم ، وعلى كل طالب أن يتعاون مع زميله ، أظن لن يقتنع الطالب بهذا الكلام ، لأنه بإختصار لن ينجح الطالب إلا إن ذاكر هو .
بيد أن مباراة واحدة في كرة القدم ، ستعلم الطالب قيمة التعاون مع زميله ، لهذا قال أحد المفكرين عن الرياضة (إنها أشبه بالصمغ الذي يجعل القطع تتلاصق بعضها ببعض .. وهذا ما تفعله الرياضة بالمجتمع إن حاربنا التعصب) .
الرياضة كذلك مرآة للمجتمعات تعكس نمط التفكير لدى هذا المجتمع .
الرياضة أيضا .. ليست مسؤولة عن العنف بل الإنسان هو المعني بهذا العنف ، وطالما هناك إنسان .. هناك عنف .
ولو ألغيت الرياضة .. سيبتكر الإنسان شيئا آخر ليعبر عن عنفه .. فالطاقة الكامنة بداخلة والأشياء العالقة في اللاوعي تحتاج أو هي تلح على الفرد أن يخرجها بطرق عدة .
والتشجيع أو ما يقوم به الفرد من هتافات لفريقه وشتائم للخصم والحكم .. هي أشبه بلحظة جنون تصيب الإنسان .. لحظة الجنون هذه يحتاجها الإنسان .. لتجعله عاقلا . |