
30/11/2009, 09:09 AM
|
 | مشرف منتدى المجلس العام | | تاريخ التسجيل: 02/08/2005 المكان: بين الحلم والأسوار !
مشاركات: 13,589
| |
- - 4 - -
مضى من الزمن عامين بعد ان استلم ( خالد ) شهادته الجامعية باحثا عن عمل ولكن دون جدوى ! تقدم الى كافة الوزارات المختصة والقطاعات الخاصة واضطر احيانا عديدة للأنتقال من مدينة الى أخرى على أمل أن يجد الوظيفة التي تتوافق مع أختصاصه ولكن ايضا دون جدوى ! حاول ان يتجاهل الفكرة التي كان يحلم بها ورسالته نحو مجتمع بلا واسطات وان يبحث عن أحدهم يمد له يد العون فلم يجد في أحسن الحالات سوى وعود معسولة ايضا لم تكن ذات جدوى !
وجد الحلم الذي كان يحلم به ورسالته نحو خدمة المجتمع تذهب أدراج الريح ! ( فلا أحد يرغب بشهادتي .. ولا أحد معني كثيرا بخدمة المجتمع ) هكذا كان يحدث نفسه والألم يعتصر جنباتها على سنون الجهد والعمل والحلم النبيل !
مضى من الزمن عامين ! والهزيمة يوما بعد آخر تستوطن وتتمدد في جنبات الروح ! لم يعد خالد ذلك الشاب الذي كان ! لقد فقد عنايته في شخصه وهندامه وارتسمت على ملامح وجهه سنون لم يحن وقتها بعد ! ولم تعد فيه تلك الروح التواقه للعطاء .. كان كلما تذكر اسرته وأنه يقتص من قوت يومهم من اجل اقامته المتواضعه بالمدينة باحثا عن عمل .. يشعر بالحياء منهم والكره لذاته !
لم ينسى زيارة والده الأخيرة وهو يقول له : يا ولدي .. رفقا بنفسك فلم أعد أعرفك ! تذكر أننا لا نملك الرزق فجميعنا متوكلين .. ضع ثقتك وإيمانك بالله .. وأن ضاقت بك الدنيا فعد الينا بجوار أخيك يشد كل منكما الآخر .. ولا زلنا بفضل من الله بخير ،،،
كانت كلمات والده مثل الدواء الذي يسكب على الجسد العليل .. ولكنه دواء غير ناجع ! لأنه يعلم جيدا ان ذلك ليس سوى محاولة لتجاوز حقيقة واضحة .. فأن يمضى بك الزمن بعد تخرجك دونما وظيفة فذلك يعني أن فرص العمل في مجال أختصاصك مستقبلا قد أصبحت ضئيلة ! كما ان المزرعة التي يقتات منها والديه وشقيقه بالكاد تكفيهم وهو يعلم أنه قد أثقل عليهم .. وعودته الى قريته لن تزيد المجتمع الا عاطل يصف بالمقنع !
( من حقي أن أحب ) ! كان يحدث نفسه مساء وقد تاقت لكي ترى نفسها عروسا ! ثم يتداركها بالقول : ( يبدو أنني أصبت في عقلي ! ) ثم يستطرد : ( إي أحمق أنا من يتحدث عن الحب .. وأي حمقاء هي من تقبل بي .. وإي جنون قد انتاب عقلي ! ) ،،
كان خالد يعيش هزيمة الروح التي تمكنت منه جيدا .. حتى الحب ! ذلك الخيال الجميل الذي طالما كان سكنا لعقول الحالمين ظنه ضربا من الجنون !
في ذات ليلة تلقى خالد اتصال من شقيقه يريد الأخير أن يستمع الى صوته ويطمئن اليه .. وتبادلا حديثا أخويا لم يمنع شقيقه من القول : يبدو أنك أخطئت يا خالد في أختيار تخصصك ؟!
كانت العبارة كأنها لطمة شديدة تمكنت جيدا من ان تزلزل جنبات خالد .. شعر بالعبارة كأنها تسير بين شرايينه ! وكان يحدث نفسه يواسيها بأنها ليست سوى عباره ! ولكن الغضب كان يستشري في نفسه كالنار تأكل في الهشيم وتكاد أن تنفجر حمما في وجه شقيقه .. لذلك سارع الى أنهاء المكالمة وأغلق سماعة الهاتف وانكفئ في غرفته التي يشاركه فيها ثلاثة عمال آخرين في منزل شعبي كل ما فيه غرفة واحدة !
شعر للحظات أنه يكره أخاه الذي وصفه بالغبي الذي لا يجيد تقييم الأمور وأنتقاء المفردات .. ثم شعر أنه يكره نفسه التي جعلت شخصا غبيا جاهلا كأخاه يقرر له ان كان مصيبا أو مخطئا ! ثم تدارك نفسه وأخذ يلومها في حديثها نحو شقيقه ! فهو شقيقه الوحيد الذي يحبه وجمعت بينهما سنون عدة من الذكريات الجميلة والمغامرات البريئة المشتركة .. ( يبدو أن أخي على حق .. فقد كنت أنا الغبي ولكني أبحث عن من القي عليه بالائمة ! ) كان يحدث نفسه ،،
أليس هذا التخصص كان أختياري ؟ أليس انا من رسمت أحلام كاذبة حول مستقبل وواقع لا يقبل الأختصاصات الواهية التي هي ليست سوى مجرد أحاديث ونظريات أجاد البعض أن يحشوها بالكتب ويجعلوا منها أختصاص !
ثم لماذا وضعت أختصاصي فرضا على مجتمع لا يقبل به ؟ ثم لماذا لم أجعل نفسي مثل هؤلاء العمال الذين اشاركهم الحجرة ؟ لماذا أظن نفسي مميزا عليهم لشهادتي .. بينما هم يعملون ويجنون بعض المال الذي يقتاتون وأسرهم منه .. بينما رضيت لنفسي أن أكون عالة على الجميع ؟!
وماذا عن سنوات عمري التي قضيتها في العلم .. هل القي بتلك السنون وراء ظهري وابحث عن مهنة أو حرفة يدوية متواضعه ؟! طالما الأمر كذلك .. فلماذا لم أختصر على نفسي وأسرتي عناء مشواري الطويل ؟!
تبا ! جهر بها بصوته لعل في ذلك ما يريح نفسه الكتوم الغاضبة ولكنها لم تفعل ! ..........
الى لقاء ايها الأحبة في جزء آخر قريبا أن شاء الله  |