حينما أكتشفت الحقائق ! أخي مذنب ومديري مُرتشٍ و ... !!
(( كنتُ قد إبتهلتُ الى الله أن أمتلكَ حدساً قوياً , يُساعدني على معرفةِ الأمور اللاغيبية ! ))
ثم وذات صباح ( رائع ..مُشرق ) أفقتُ مُبكراً بنشاطٍ غير معهود.. ولم أُقابلُ من أهل البيتِ احداً , فتوجهتُ الى مقهىً قريب لأشربَ قدحاً من القهوة واقرأُ الصُحف التي لم تعُد تأتي بجديدْ ..!! كان علينا - نحن القُراء- أن نُطالبهم بتوفيرِ أحبارَهُم وأوراقِهم !!
جلستُ الى طاولة ذات مكانٍ إستراتيجي مُهم , فقد كانت في طرفِ المحلْ تماماً وهذا يُعطيني فُرصةَ إستراقِ النظر نحو الآخرين ! إذ أنها عادةٌ أُحبها طالما أنها تُسليني وتُنقذ وحدتي .
ولما جاء أخي الفلبينيّ بـقهوتي ..تأملتُ وجهه المُجعد , وخالني شعورٌ بأنه مُذنب ! وبأنهُ قد ( سرقَ شيئاً من مالِ المحل ) تحديداً !
لا أعرفُ كيف أغرقني ذلك الشعورْ ببحرٍ من التساؤلات عن كيفيةِ سرقته ! فمحلٌ شهيرٌ كهذا لا تسير أمورهُ الا بالفواتيرِ الدقيقة , لا يُمكن سرقته !
تغاضيتُ عن هذا واستعذتُ بالله مُكملاً شُربَ القهوةِ ومُطالعة أخبارِ الصحيفة .
بينا أقودُ سيارتي , توقفت عند الإشارةِ المرورية التي تُشير الى اللون الأحمرْ .. كان هُناك شُرطيٌ يقفُ بجوارِ الإشارة ! لا أعرفُ ماذا كان دوره..
لكن شعوراً غريباً إجتاحني أوحى اليّ بأنهُ ( لم يكن بالأمانةِ التي يقتضيها عمله )!!
أستغفرتُ الله وأكملتْ طريقي !
وصلتُ الى العمل , كنتُ متأخراً خمسُ دقائق فقط ورغم هذا فقد وفرتُ على نفسي المحاضرةَ التي سيُلقيها المُدير , وأتجهتُ اليه لأُلقي عليه التحية ..
ومذُ طالعتُ وجههْ حتى أحسست بأنه يُخبىء شيئاً في سِرّه ! كانت عينانيَ تفضحُني وأنا أنظرُ اليه مشدوهاً مُستغرقاً في التفكير ! حتى أيقظني بصوتهِ الرخيم وهو يقول ( عاشر مرة تأخير !) وكنتُ أقول في نفسي ..شتانَ ما بين التأخير وما تُخبئه في نفسِكَ الدنيئةْ!
لم تمضي عدداً من السويعاتْ واذا بي ألتقطُ تناجٍ بين زميلين يُسرّانِ لبعضهما أن فلاناً -المدير- قد تلقى مبلغاً ضخماً من المال مُقابل إنهاء أحد المُعاملات بسرعة البرق فقد وصلت الى مكتبه دون المرور بأي مكتبٍ آخر !! لكنني حتى الآن لم أُصدق ! في طريق عودتي الى المنزل .. كنت أُحاولُ أن أُغمض عينيّ ! فهي لا تقعُ على أحدٍ حتى تكشفُ لي شيئاً يُخفيه !!
دلفتُ الى المنزلْ , كان يضجُ بالحياة .. الأصوات ..الأشخاص .. الأضواء , كل شيء كان (جميلاً ).. أسرعتُ الى مجلسِ والدتي الحبيبة واذا بها تُصلي , غيرتُ مساريَّ نحو المطبخ لعلني أسرقُ شيئاً شهياً من أطباق الغذاء , واذا بالخادمةِ هُناك ..
لم تكد أن تقع عيناي عليها حتى علِمتْ -بواسطة حدسي طبعاً - أنها مُذنبة بعلاقةٍ غير شرعية !!
كِدتُ أُجنّ .. لولا رحمة الله , فغادرتُ المطبخ الى غُرفتي أُحاول تخليصَ نفسي من هذا الحدسِ الرهيب !!
قابلتُ أخي .. فخشيت أن يكون هوّ !!
لكنه كان أفضلَ حالٍ منها فهو على الأقل أنهى للتو مُحادثةٌ غرامية مع فتاة !!
أسرعتُ الى غرفتي .. بهلع .. بخوف .. كنتُ مجنوناً بشكلٍ رسمي ! كدتُ أضيع بين الأمتار التي تفصلني عن الغرفة ! كدتُ أُفجر رأسي حتى أُصدق أن الأمر كان مُجرد حلم عابر ...
لم أجد الا سجادتي لأسقُطَ عليها وأبتهلُ الى الله أن يعفو عني ويرحمني .. لم أعد أُريد ذلك الحدس !!
لقد أرعبني أن أعرِف دواخلَ الآخرين ..اللذين كانوا يمرون من أمامي بشكلٍ عادي وهم أشخاصٌ عاديون .. أما هذه المرة فتتكشفُ لي الحقائقَ الفضيعة !
هذا سارقٌ وذاك غشاش وهذا مُرتشِ وتلك فاسقةٌ و الأخيرُ مُذنبْ .. ولا أعرفُ الى أين سأصل مع هذه الحاسة التي تؤدي بي الى الهلاك !
الحمدلله أننا لم نعرف من هم الآخرون ..كيف يُفكرون ؟ كيف يعيشون ؟ ماذا يفعلون ؟!! من الأفضل أن نبقى بأوهامٍ جديدة مُغلقة .
( فلنتذكر .. للغفلةِ جمالٌ احياناً ! )
المعذرة إن كان هناك خطأٌ ما , فهي مقالةٌ قديمة أحببت فكاكها من الحبس
شكراً للأحبة الذين منحوني جزءاً من وقتهم وردٌ و ود ..