#1  
قديم 06/09/2009, 05:26 AM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة النمل (5)

[‏69‏]‏ ثم نبههم على صدق ما أخبرت به الرسل فقال‏:‏ ‏{‏قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ فلا تجدون مجرما قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شر عاقبة وقد أحل الله به من الشر والعقوبة ما يليق بحاله‏.‏
‏[‏70 ـ 72‏]‏ ‏{‏وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏
أي‏:‏ لا تحزن يا محمد على هؤلاء المكذبين وعدم إيمانهم، فإنك لو علمت ما فيهم من الشر وأنهم لا يصلحون للخير، لم تأس ولم تحزن، ولا يضق صدرك ولا تقلق نفسك بمكرهم فإن مكرهم سيعود عاقبته عليهم، ‏{‏وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏ ويقول المكذبون بالمعاد وبالحق الذي جاء به الرسول مستعجلين للعذاب‏:‏ ‏{‏مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏
وهذا من سفاهة رأيهم وجهلهم فإن وقوعه ووقته قد أجله الله بأجله وقدره بقدر، فلا يدل عدم استعجاله على بعض مطلوبهم‏.‏
ولكن ـ مع هذا ـ قال تعالى محذرا لهم وقوع ما استعجلوه‏:‏ ‏{‏قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ قرب منكم وأوشك أن يقع بكم ‏{‏بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏ من العذاب‏.‏
‏[‏73 ـ 75‏]‏ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ‏}‏
ينبه عباده على سعة جوده وكثرة أفضاله ويحثهم على شكرها، ومع هذا فأكثر الناس قد أعرضوا عن الشكر واشتغلوا بالنعم عن المنعم‏.‏
‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ‏}‏ أي‏:‏ تنطوي عليه ‏{‏صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏ فليحذروا من عالم السرائر والظواهر وليراقبوه‏.‏
‏{‏وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ خفية وسر من أسرار العالم العلوي والسفلي ‏{‏إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ‏}‏ قد أحاط ذلك الكتاب بجميع ما كان ويكون إلى أن تقوم الساعة، فكل حادث يحدث جلي أو خفي إلا وهو مطابق لما كتب في اللوح المحفوظ‏.‏
‏[‏76 ـ 77‏]‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏
وهذا خبر عن هيمنة القرآن على الكتب السابقة وتفصيله وتوضيحه، لما كان فيها قد وقع فيه اشتباه واختلاف عند بني إسرائيل فقصه هذا القرآن قصا زال به الإشكال وبين به الصواب من المسائل المختلف فيها‏.‏ وإذا كان بهذه المثابة من الجلالة والوضوح وإزالة كل خلاف وفصل كل مشكل كان أعظم نعم الله على العباد ولكن ما كل أحد يقابل النعمة بالشكر‏.‏ ولهذا بين أن نفعه ونوره وهداه مختص بالمؤمنين فقال‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَهُدًى‏}‏
من الضلالة والغي والشبه ‏{‏وَرَحْمَةٌ‏}‏ تنثلج له صدورهم وتستقيم به أمورهم الدينية والدنيوية ‏{‏لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ به المصدقين له المتلقين له بالقبول المقبلين على تدبره المتفكرين في معانيه، فهؤلاء تحصل لهم به الهداية إلى الصراط المستقيم والرحمة المتضمنة للسعادة والفوز والفلاح‏.‏
‏[‏78‏]‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏}‏
أي‏:‏ إن الله تعالى سيفصل بين المختصين وسيحكم بين المختلفين بحكمه العدل وقضائه القسط، فالأمور وإن حصل فيها اشتباه في الدنيا بين المختلفين لخفاء الدليل أو لبعض المقاصد فإنه سيبين فيها الحق المطابق للواقع حين يحكم الله فيها، ‏{‏وَهُوَ الْعَزِيزُ‏}‏ الذي قهر الخلائق فأذعنوا له، ‏{‏الْعَلِيمُ‏}‏ بجميع الأشياء ‏{‏الْعَلِيمُ‏}‏ بأقوال المختلفين وعن ماذا صدرت وعن غاياتها ومقاصدها وسيجازي كلا بما علمه فيه‏.‏
‏[‏79 ـ 81‏]‏ ‏{‏فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏
أي‏:‏ اعتمد على ربك في جلب المصالح ودفع المضار وفي تبليغ الرسالة وإقامة الدين وجهاد الأعداء‏.‏ ‏{‏إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ‏}‏ الواضح والذي على الحق يدعو إليه، ويقوم بنصرته أحق من غيره بالتوكل فإنه يسعى في أمر مجزوم به معلوم صدقه لا شك فيه ولا مرية‏.‏ وأيضا فهو حق في غاية البيان لا خفاء به ولا اشتباه، وإذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك فلا يضرك ضلال من ضل وليس عليك هداهم فلهذا قال‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ‏}‏
أي‏:‏ حين تدعوهم وتناديهم، وخصوصا ‏{‏إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ‏}‏ فإنه يكون أبلغ في عدم إسماعهم‏.‏
‏{‏وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏{‏إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏ أي‏:‏ هؤلاء الذين ينقادون لك، الذين يؤمنون بآيات الله وينقادون لها بأعمالهم واستسلامهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏}‏
‏[‏82‏]‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ‏}‏
أي‏:‏ إذا وقع على الناس القول الذي حتمه الله وفرض وقته‏.‏ ‏{‏أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً‏}‏ خارجة ‏{‏مِنَ الْأَرْضِ‏}‏ أو دابة من دواب الأرض ليست من السماء‏.‏ وهذه الدابة ‏{‏تُكَلِّمُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ تكلم العباد أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، أي‏:‏ لأجل أن الناس ضعف علمهم ويقينهم بآيات الله، فإظهار الله هذه الدابة من آيات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون‏.‏
وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الأحاديث ‏[‏ولم يأت دليل يدل على كيفيتها ولا من أي‏:‏ نوع هي وإنما دلت الآية الكريمة على أن الله يخرجها للناس وأن هذا التكليم منها خارق للعوائد المألوفة وأنه من الأدلة على صدق ما أخبر الله به في كتابه والله أعلم‏}‏
‏[‏83 ـ 85‏]‏ ‏{‏وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ‏}‏
يخبر تعالى عن حالة المكذبين في موقف القيامة وأن الله يجمعهم، ويحشر من كل أمة من الأمم فوجا وطائفة ‏{‏مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ‏}‏ يجمع أولهم على آخرهم وآخرهم على أولهم ليعمهم السؤال والتوبيخ واللوم‏.‏
‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءُوا‏}‏ وحضروا قال لهم موبخا ومقرعا‏:‏ ‏{‏أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا‏}‏ العلم أي‏:‏ الواجب عليكم التوقف حتى ينكشف لكم الحق وأن لا تتكلموا إلا بعلم، فكيف كذبتم بأمر لم تحيطوا به علما‏؟‏ ‏{‏أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ أي‏:‏ يسألهم عن علمهم وعن عملهم فيجد عليهم تكذيبا بالحق، وعملهم لغير الله أو على غير سنة رسولهم‏.‏
‏{‏وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا‏}‏ أي‏:‏ حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم الذي استمروا عليه وتوجهت عليهم الحجة، ‏{‏فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ‏}‏ لأنه لا حجة لهم‏.‏
‏[‏86‏]‏ ‏{‏أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏

أي‏:‏ ألم يشاهدوا هذه الآية العظيمة والنعمة الجسيمة وهو تسخير الله لهم الليل والنهار، هذا بظلمته ليسكنوا فيه ويستريحوا من التعب ويستعدوا للعمل، وهذا بضيائه لينتشروا فيه في معاشهم وتصرفاتهم‏.‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ على كمال وحدانية الله وسبوغ نعمته‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)

سبحان الله والحمدلله ولا اله الا الله والله اكبر
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06/09/2009, 11:47 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ حزماويه هلاليه
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 13/07/2008
المكان: al-Qassim .. ~
مشاركات: 284
مجهود متميز لتقديم
كل ما هو مفيد
أحسنتِ
جزاكم الله خيراً
وجعله فى موازين حسناتك
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 07:39 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube