سلاااااااااااااااااااام


التاريخ: 8/27/2002 م

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كتب جورج أورويل رواية سياسية خيالية بعنوان (عام 1984م القادم)، وحين كتبها كان المد الشيوعي يشكل هاجساً لأنظمة وشعوب العالم. فالاتحاد السوفياتي خرج منتصراً ومبادئ الاشتراكية اكتسحت أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، والحزبان الشيوعيان في فرنسا وإيطاليا على وشك استلام السلطة.
وتدور أحداث الرواية في المستقبل القريب (وتحديداً عام 1984م) حيث يفترض أورويل اكتمال المد الشيوعي وسيطرة موسكو على معظم الأمم.. وتدور أحداث الرواية في دولة شمولية عظمى تدعى اوشانيا. وهذه الدولة يحكمها ديكتاتور قمعي تنتشر صوره في كل مكان يطلق عليه "الأخ الأكبر". وهو يسيطر على الشعب بفضل نظام بوليسي صارم ووسائل متقدمة لغسل الأدمغة والسيطرة على الناس عن بعد. ومن المهام الأساسية لوزارة الداخلية مراقبة المواطنين من خلال كاميرات تنتشر في كل مكان - حتى في البيوت ودورات المياه. كما ترتب لهم "الزيجة المناسبة" بعد إثبات ولاء الطرفين وتوافق جيناتهما لخدمة النظام. ولأن المهمة الأساسية للتلفزيون هي إيصال توجيهات الأخ الأكبر يجبر الناس على مشاهدته يومياً (من خلال كاميرا تزرع فوقه)!!
ونتيجة لهذا النظام الصارم أصبحت الحياة صامتة رتيبة وخالية من المشاعر؛ فالجميع ملتزم ومواظب ويخشى الابتسام أو محادثة زميله. كما اختفى الحب والإبداع والمبادرات الخلاقة لأن الناس لم يعودوا يفعلون شيئاً إلاّ بتصريح مسبق..!!
على أي حال في العقود الثلاثة التي تلت نشر الرواية بدا أن نبوءة أورويل في سبيلها للتحقق؛ فالاتحاد السوفياتي أحكم قبضته على الشعب من خلال نظام قمعي وتجسسي صارم وجندت وزارة الداخلية الأبناء لمراقبة الآباء وأصبح مواطن من كل ثلاثة يعمل لصالح المخابرات. كما غدا الولاء للحزب - والرفيق الأكبر - أساس الترقية والتكريم وتحسين الوضع!!
.. ولكن فجأة وبدون مقدمات تفكك الاتحاد السوفياتي وانهارت معه الأنظمة المماثلة (أو لنقل معظمها) وبعكس ما تصوره أورويل مر عام 1984م بسلام واتجه الجميع إلي النظام الرأسمالي القائم على الحرية والملكية الفردية!!
ولكن هل حقاً انهارت توقعات أورويل في تلك الرواية!؟
قد يكون المد الشيوعي توقف هذه الأيام، ولكن نظام المراقبة الصارم وغسل أدمغة الناس ينتشر حالياً بطريقة لم يتخيلها أورويل - حتى في الدول الديموقراطية.. فهذه الأيام تقلصت الحرية الفردية بسبب التبادل الإلكتروني وكاميرات المراقبة وأنظمة التخزين على الكمبيوتر. أما نظام اوشانيا الصارم فاستبدل بنظام عولمة شفاف سهل الاطلاع على خصوصيات الفرد والمجتمع وتناقلها بسرعة البرق.. حتى البيوت لم تعد تتمتع بالخصوصية بعد وصلها باتصالات الفضائية وشبكة الإنترنت والخدمات اللاسلكية.
والعجيب أن يتم هذا بلا مبالاة شخصية أو بحجة "الضرورات الأمنية"؛ ففي يوم واحد قد تفتح الإنترنت، وتسحب من الصراف، وتراجع مستشفى خاصاً ثم تدخل أحد الأسواق، فيسجل الجميع معلوماتك الشخصية ويأخذون لك "صورة". أما كاميرات التلفزيون (في رواية 1984م) فاستبدلت بكاميرات الإنترنت و"السكيورتي" وعدسة الجوال وأجهزة الاستشعار عن بعد.. بل إن حرياتنا ستتقلص قريباً إلى ما قبل ولادتنا بفضل الخرائط الوراثية التي تنبئ عن أحوالنا حين نصل لسن العشرين أو الثلاثين.. أما "غسيل المخ" الذي يقوم به الأخ الأكبر فتمارسه حالياً القنوات الفضائية والوكالات العالمية التي تغرقنا بعشرات الإيحاءات والتيارات والنصائح من "اخوة كبار" لاعدّ لهم (لعل آخرهم الفضائية الإسرائيلية)!!
وقد لا يكون الأمر إجبارياً كما في الرواية؛ ولكنه بالتأكيد يأخذنا لحظيرته بالإغراء والتشويق تارة واللعب على العواطف والعقول تارة أخرى (وهو ما يفوق في خطورته الاجبار والتهديد الموجود في الرواية).
وإن تجاهلنا التاريخ الذي حدده أورويل (1984م) سنجد أن الفرق الوحيد بين الرواية والواقع هو ذاته الفرق بين دفع الثور.. واستدراجه بحزمة برسيم!!

وسلااااااااااااااااااااام

شكرا ريفلينو الاحمدي "لووول"