18/08/2002, 08:16 AM
|
كاتب ومفكر إسلامي | | تاريخ التسجيل: 06/12/2001
مشاركات: 485
| |
حكم من أعان الأمريكان على حرب العراق المسلم حكم من أعان الأمريكان على حرب العراق المسلم. أولا: يجب أن نعلم أن كثيراً من حكام العرب والمسلمين، هم حكام مستبدون بالأمر، - وإن تفاوتوا في الاستبداد - يتصرفون في شعوبهم تصرفاً ظالماً، بعيداً عن شرع الله وعن الرعاية الشرعية التي كلفها الله من تولى أمور المسلمين.
ولا نبرئ النظام العراقي من هذا السبيل... إضافة إلى ما قام به من عدوان على الكويت، وما ترتب على ذلك – وعلى غيره من التصرفات - من آثار جلبت للأمة الإسلامية ما تعانيه الآن في مشارق الأرض ومغاربها من الحملة الأمريكية الصليبية الصهيونية الظالمة. ثانيا: كان الواجب على المسلمين، وبخاصة علماءهم و مفكريهم، وأهل الحل والعقد في الشعوب الإسلامية، وحكومات هذه الشعوب، وبخاصة الحكام العرب، الذين نزل ببلدانهم من مآسي الحربين الخليجيتين ما حطمها اقتصادياً، وزاد صفها تصدعاً ومزقها شر ممزق.
كان الواجب عليهم جميعاً، أن ينفذوا أمر الله تعالى بإصلاح ذات البين بالعدل، بين الفئتين المتقاتلتين، فإن أصرت إحداهما على البغي، وجب قتالها حتى ترجع إلى أمر الله تعالى. كما قال تعالى في كتابه المبين: (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )) [الحجرات: (9)].
ولما لم يقوموا بهذا الواجب الشرعي، سلط الله تعالى عليهم وعلى شعوبهم عدوا من غيرهم، فأنزل بهم ما حل بها من ذل وإهانة، ومكن لجيوش الكفر أن تخيم في البلدان الإسلامية، مهددة لجميع الدول العربية التي لم تنفذ أوامرها الظالمة، وهذا جزاء التهاون في تنفيذ أمر الله بالصلح العادل، أو قتال الفئة الباغية... وقد وقف غالب علماء الإسلام مع الشعب الكويتي عندما اعتدى النظام العراقي عليه، ولا زالوا يصرون على أمن الكويت ورد العدوان عنه، ويجب على النظام العراقي أن يعلنها صراحة بأنه ملتزم بأمن الشعب الكويتي وعدم الاعتداء عليه... ثالثا: كان الواجب على حكومات الشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية منها، أن تتخذ الأسباب المؤدية إلى اجتماع كلمتها، وإلى نبذ الفرقة والتنازع اللذين أديا إلى فشلها الذريع، فمحاولة اجتماع كلمة هذه الدول وتصالحها، واجب شرعي، وهو أولى من السعي الحثيث لجعل السلام – بل الاستسلام - مع اليهود محوراً أساسياً (استراتيجياً)!. وأن تعلم أن أهداف الإدارة الأمريكية في حملتها الظالمة هي:
( 1 ) السيطرة على منابع البترول.
( 2 ) ترتيب المنطقة ترتيباً يضعف دولها، بحيث تقسم بعض دولها إلى دويلات متناحرة، لتقوي بذلك الدولة اليهودية.
( 3 ) التدخل في كل مقومات الأمة الإسلامية وعاداتها... ومن ذلك مناهج التعليم، وموضوع المرأة... ومحاربة تطبيق ما بقي من شريعة الله.
( 4 ) القبض على علماء صناعة السلاح العراقيين، وسوف لا يكتفون بتدمير السلاح، ولو لم يبق منه مسدس واحد. ألا يدعو ذلك الدول العربية إلى تعاونهم على تحقيق مصالحهم، وحمايتها باجتماع كلمتهم، ومصالحة بعضهم بعضاً؟!
إنه لأمر يدعو إلى السخرية أن يهرول جميع حكام الدول العربية، معلنين أن السلام "الاستسلام" مع اليهود هدف مركزي (استراتيجي) واليهود يسخرون منهم ويستمرون في إذلالهم، وفي إبادة الشعب الفلسطيني المسلم، ولا يتخذ هؤلاء الحكام أي سبب جدي للمصالحة فيما بينهم، بل يستمرون في عداء بعضهم لبعض، وعدم ثقة بعضهم في بعض، مع كثرة البيانات التي يصدرونها بين حين وآخر، يحاولون أن يخدروا بها شعوبهم، التي لم تعد تثق في أي بيان أو تصريح يصدر عنهم على أي مستوى من المستويات، لأن هذه الشعوب ألفت أن ترى بعد كل بيان يصدر من قادتها، ما يناقض تلك البيانات في واقع الحال. وإن كل ما أنزل الله بهذه الدول من عقابه العاجل، إنما هو لمخالفتها أمره لها بالاعتصام بحبله المتين، كما قال تعالى: (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون )) [آل عمران (103)].
ولمخالفتها نهيه لها عن التنازع والاختلاف: (( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )) [الأنفال (46)]. وطلبها العزة من غير صاحبها، طلبتها من أمريكا، فعاقبها بحرمانها: (( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً )) [النساء (139)] (( من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً )) [فاطر (10)].
لقد هانت هذه الدول عند الله لمخالفتها أمره ونهيه، فأهانها الله لأذل خلقه من اليهود -وكذلك أعوانهم من الصليبيين الجدد - الذين لم يعودوا ينظرون إلى هذا الدول إلا نظرة احتقار وازدراء، ولا يريدون منها إلا أن تسمع وتطيع، فتنفذ أوامرهم بدون تردد ولا تلكؤ. ولو ترتب على تلك الأوامر فقدها سيادتها واستقلالها، وأوقع أفدح الأضرار على شعوبها، فاعتدى أعداؤها على ضرورات حياتها، من دين وعقل، ونفس، ونسل، ومال...
ومع تكرر مآسي هذه الأمة بسبب ذلك الخنوع لأعداء الله والاستجابة لأوامرهم، لازال غالب الحكام يتعاونون مع المعتدين على الشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية. وهاهو الشعب العراقي المسلم يهدد بالتدمير من جديد، وتعد الإدارة الأمريكية عدتها للإغارة عليه، وتستجيب للتحالف معها بعض الدول المجاورة، بحجة القضاء على ما سموه بـ"الإرهاب" وامتلاك "أسلحة الدمار الشامل"…
ثم زاد الأمر سوءاً شَحَّاذُو كراسي الحكم من أبناء الشعب العراقي، الذين توافدوا إلى أبواب البيت الأبيض، طامعين في نقلهم على دبابات أمريكية إلى قصور الحكم في بغداد، تأسياً بإخوانهم العملاء في أفغانستان، بعد أن تحرق أمريكا الأخضر واليايس في شعب العراق العظيم الذي لم تشن عليه هذه الحملات الظالمة إلا لتحطيم عظمته التي ترتعد منها فرائص أبناء القردة والخنازير من اليهود. ومن غرائب الأمور أن يجتمع في واشنطن ولندن، للتعاون مع الإدارة الأمريكية، على غزو العراق، ذوو العقائد والأفكار المتصارعة: أهل العمائم السود والبيض، الذين كانوا ينتظرون أن يفرج الله على مهديهم المنتظر الذي قضى في سردابه 14 قرنا من الزمان. ويبدو أن ثقتهم في مجيئه قد تحطمت مع طول الوقت، ويئسوا من طول الانتظار، فاستبدلوا به أمريكا، لتحل محله في الوصول إلى ما يشتهون.
وكذلك أشراف أهل البيت الذين قضى الاستعمار بهم وطره في محاربة الجامعة الإسلامية، التي دعا إليها المصلحون عند سقوط آخر رمز للخلافة، الإسلامية، في فترة من الفترات، والبيت الأبيض يمنيهم الآن بالعودة إلى العرش الهاشمي في العراق كما منتهم بريطانيا من قبل، وما أشبه الليلة بالبارحة... وكذلك العلمانيون الذين يسخرون من أولئك وهؤلاء...
وبعض رجال الجيش ورجال المخابرات العراقيين، الذين يعدون أنفسهم لخلافة النظام العراقي، ليستبدوا بالأمر كما استبد به زعيمهم وحرمهم من تحقيق مطامعهم في عهده.... وهؤلاء الأخيرون عندهم من الخبرة الإجرامية التي أذاقوا بها الشعب العراقي، ما يمكنهم من السيطرة على زمام الأمور، إذا تسنى لهم الوصول إلى كراسي الحكم، كما أن سوقهم هي السوق النافقة اليوم، لأن السياسة الأمريكية الصهيونية تتجه إلى تثبيت رجال الأمن في دول العالم، الذين يتلقون أوامرها عن طريق ذراعها الطويلة الأثيمة (C. I.A)
وخير مثال قريب ما تسعى المخابرات الأمريكية المذكورة لتحقيقه في الأرض المباركة "فلسطين" التي تترأس هذه الذراع مع الموساد اليهودية، مخابرات دول عربية وأجهزة ما يسمى بالأمن الفلسطيني، باسم التدريب لتلك الأجهزة، من أجل القضاء على الحركة الجهادية في فلسطين. ولا حجة لهم جميعاً في دعواهم محاربة النظام القائم في بغداد، لأن الإدارة الأمريكية تريد تحطيم هذا الشعب، وتحطيم عزته وكرامته، والقضاء على قوته التي تخيف اليهود المحتلين للأرض المباركة، والمجيء بدُمًى تخضع خضوعاً كاملاً للأوامر الأمريكية، التي يكون مصدرها في الغالب الدولة الصهيونية...
وإذا كان لهؤلاء المرتمين في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، قدم صدق في العراق، وأنصار من الشعب والجيش والمخابرات العراقية، ويريدون كما يزعمون إسقاط النظام العراقي المستبد، ليحققوا للشعب الأمن والاستقرار والحرية والديمقراطية، فليجتهدوا في حشد أعوانهم من داخل الشعب، وليعدوا العدة حتى يصلوا إلى مرادهم، بجهدهم وجهد أنصارهم في الداخل. أما أن تزفهم الولايات المتحدة على دباباتها وبقوة عتادها، فذلك دليل على أن جذورهم في الشعب غير ممتدة، وسيقطع الشعب عروق شجرتهم التي يغرسها فيه الأمريكان، فلا يقر لهم قرار، وبخاصة أنهم فئات متناحرة، لا يجمعهم هدف صادق يوحدهم، وإنما يجمعهم تقاسم التركة، إذا غاب المورث الحالي.
ولا توجد فئة من هذه الفئات إلا وبين أعضائها من النزاع والشقاق، ما هو جدير بإحداث الصراع على تلك التركة، فكيف سيكون حال بعض الفئات مع بعض؟ ولا يبعد أن تكون الإدارة الأمريكية واليهود الصهاينة، قد خططوا لإيجاد تنازع وصراع عنيف بين هذه الفئات، ليقطعوا العراق أوصالاً، ليكون دويلات صغيرة، تذهب معها ريح البلد العظيم الذي يزعجهم بقاؤه موحداً، يستعصي على أوامرهم المجحفة، وهم عازمون على ترتيب جديد للعالم، وبخاصة البلدان العربية... لتكون الدولة القوية المهيمنة، هي الدولة الأجنبية التي حلت في قلب الأمة الإسلامية، كما يحل ابن الزنا في أسرة لا صلة له بها... ويجب أن يعلم الفريقان (الدول العربية وغير العربية)، التي تتعاون مع الإدراة الأمريكية، لضرب الشعب العراقي، وشحاذو النصر الأمريكي من أبناء العراق بطوائفهم المتنوعة: ـ أنهم جميعا يرتكبون أبشع أنواع الولاء لأعداء الله، ويسلكون أسوأ سبيل إلى خيانة هذا الشعب العربي المسلم. ـ وأنهم سيجلبون على أنفسهم من العار مالا تنساه لهم الشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية. ـ وأن التاريخ سيسجل عليهم لعنة لا تفارقهم إلى يوم الدين.... لأنهم بتعاونهم مع أعداء المسلمين يخونون الله والرسول وعباد الله المؤمنين، وبخاصة الشعب العراقي المظلوم. وقد سجل القرآن الكريم هذه اللعنة على من يوالي أعداءه على أوليائه، منذ أكثر من أربعمائة عام عندما قال: (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) [المائدة (51)]. ـ وليعلموا كذلك أن نتيجة التعاون مع أعداء الله على الشعب العراقي وغيره من الشعوب الإسلامية، ستعود على المتعاونين بالخيبة والخسران، وسيذوقون من أعداء الله وأعداء الشعوب الإسلامية من الإهانات والأضرار مالا يدور بالبال. قال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون )) [آل عمران (118)]. رابعاً: أن الواجب على جميع المسلمين – وبخاصة العرب منهم - أن يقفوا ضد الغزو الصليبي الصهيوني للشعب العراقي، وأن ينصروا هذا الشعب المظلوم - الذي دمرته المعارك، وسحقته المقاطعة الظالمة - على من يعتدي عليه من أعداء الله وأعداء دينه، فذلك هو واجبهم شرعاً.
قال تعالى: (( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )) [النساء (75)]. وفي حديث أبي موسى قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) [صحيح البخاري (1/182) وصحيح مسلم (4/1999)]. وفي حدبث النعمان بن بشير قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) [صحيح البخاري (5/2238) وصحيح مسلم(4/1999)]. وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ) [صحيح البخاري (2/862) وصحيح مسلم (4/1996)]. ومعنى "لا يُسلمه" ما قاله الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "أسلم فلان فلاناً إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه". وقال بعد ذلك: "ولا يسلمه أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه" [فتح الباري (5/97)]. فإذا ورد النهي عن إسلام المسلم أخاه المسلم، لظالمه، فكيف به إذا ظلمه؟ وكم من الزمن مر على شعب العراق وهو يعاني من الظلم، وبعضنا يؤيد ظالمه عليه، وبعضنا يتركه يُظلم، فلا ينصره؟ وعلى المسلم الذي يعلم من نفسه – بينه وبين ربه – أنه لا يستطيع نصر هذا الشعب على من يعتدي عليه، أن يبتعد عن إعانة المعتدين عليه، وأن يعلم أنه إذا أعان المعتدي على إخوانه المسلمين، فإن الدائرة ستعود عليه، وسيذوق يوماً مَّا، ما أذاق غيره وكما تدين تدان: (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) والعدو الذي تعينه على أخيك المسلم، سيتعين عليك به أو بغيره، لأنه لا ولاء له إلا مصالحه المادية. وعلى الإدارة الأمريكية التي تنشد الأمن لشعبها، أن تكف عن العدوان على الشعوب الأخرى، وعلى الشعب الأمريكي أن يلجم إدارته عن العدوان على الآخرين، لأن لكل شعب الحق أن يعيش عيشة الكرامة والعزة والحرية. وإذا اعتدى بعض الحكام على شعوبهم، فعلى تلك الشعوب أن تطالب بحقها، وتتخذ الوسائل المشروعة للحصول على تلك الحقوق، دون أن تدخل الشرطة العالمية في شئونهم. والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين. |