أوباما يريد دولة للفلسطينيين توفر لهم الحقوق الطبيعية للمعيشة الكريمة، ويعارض استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ويريد أن تبدأ على الفور مباحثات لتحقيق ذلك. ونتنياهو لا يريد الإيقاف المطلق للاستيطان، ويريد من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود (عرب 48 ليس لهم حق فيها) ويخرج القدس من أي تفاوض على اعتبار أنها بقسميها عاصمة الدولة اليهودية، كما يخرج الفلسطينيين في الشتات من أي تفاوض، ويريد توطينهم في البلدان العربية محل اليهود العرب الذين هاجروا لإسرائيل، ويريد من الدول الكبرى بما فيها أمريكا أن تضمن له عدم حصول أي حكومة أو جهاز فلسطيني أو حتى أي فرد خائف في منزله على أي سلاح، بحيث يكون الفلسطينيون جميعهم تحت رحمته باقتصادهم ومياههم ومنازلهم، وهو ما عبر عنه بالدولة المنزوعة السلاح، وقد عبر بوضوح في خطابه برجوعه للتاريخ السحيق أن الأرض الفلسطينية كلها أرض يهودية وأن اليهود الآن يتكرمون على الفلسطينيين أو على الأصح على بعضهم بالسماح لهم بالإقامة في الأرض اليهودية.
قد يبدو الأمر للكثيرين فهماً مما قاله أوباما وما قاله نتنياهو أن الأول في أقصى الشرق، والثاني في أقصى الغرب، أي بينهما تباعد كبير في المواقف، أو على الأصح تضاد حاد لحد أن مسؤولاً فلسطينياً قال بعد أن استمع لخطاب نتنياهو الأخير إن الكرة في مرمى أوباما وكأنه يقصد أنه ينبغي على أوباما لكي يثبت مصداقية كلامه أن يضع في رقبة نتنياهو حبلاً ويسحبه به... ولكن هل هذا هو الواقع...؟
في رأيي أن هذا ليس هو الواقع... أي إنه بتأمل ما قاله أوباما لا يتضح وجود تعارض بين ما قاله هو وما قاله نتنياهو، ولكن قد تكون هناك تفاصيل أفصح عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي وأبقاها الرئيس الأمريكي طي الكتمان، فبدا كلام أوباما وردياً وبدا كلام نتنياهو طبيعياً بأشواكه يعكس الواقع المر. الرئيس الأمريكي لم يقل إن الدولة التي يريدها للفلسطينيين دولة مسلحة، ولم يقل إنه ينبغي أن تكون القدس عاصمة للدولتين اليهودية والفلسطينية، ولم يقل إنه ينبغي عودة الفلسطينيين في الشتات إلى ديارهم، ولم يقل إنه لا يجب على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود.. ومعنى هذا أنه قد لا يكون هناك اختلاف بين ما قاله أوباما وما قاله نتنياهو، وأن السر في التفاصيل التي أفصح عنها نتنياهو في خطابه وأبقاها أوباما
طي الكتمان.
عندما أتى ممثل أوباما السيد (متشل) لإسرائيل منذ عدة أسابيع للبدء في تسيير عجلة مشروع السلام (الأوبامي) الجديد استقبله وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف (ليبرمان) بكل صلافة، ووقف إلى جواره لحظات قال خلالها عدة كلمات جافة، ثم غادر مكانه وذهب إلى مكتبه.. هكذا.. في صفاقة.. دون حتى أن يودع ضيفه متشل، بل تركه متجمداً مذهولاً في مكانه حائراً مرتبكاً لا يدري ماذا يفعل، وتكرم عليه بعض الحضور فقادوه إلى طريق الخروج، ومع هذا لم تقع السماء على الأرض، بل لم يحدث أي شيء ولا حتى مجرد عتاب. وهذا يفصح عن نوايا الإسرائيليين في التعامل مع أوباما الأبيض ويفصح عن المسافة التي يمكن أن يتحرك فيها أوباما.
إذاً، فإن أوباما الذي بدا للكثيرين في خطابه بجامعة القاهرة هو أوباما الأبيض هو في واقع أمره هو أوباما الرئيس الأمريكي ما غيره. ونتنياهو الذي بدا أنه نتنياهو الأسود هو نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ما غيره.. ولا فرق إلا في طريقة الكلام.. وأن حقيقة الوضع تظل هي هي منذ عام 48 بخلاف في أدوات المكياج التي يستخدمها الرؤساء الأمريكيون والإسرائيليون وهم يقفون على المسرح أمام المشاهد العربي الغلبان.